41/05/04
موضوع:باب التعارض، بحوث منهجية في ضمن مبحث الروايات العلاجية
كان الكلام في الروايات العلاجية أنها ذات طوائف وإن حشرها صاحب الوسائل في باب واحد لكنها ليست في موضوع ومورد واحد وهذا أمر وبحث مهم يجب التفات إليه. هذا الأمر ليس فقط في الروايات المجموعة في كتب الحديث سواء كتب الخاصة أو العامة أو كتاب الوسائل أو البحار بل هذا العجب في رواية واحدة تكون الفقرة الأولی في موضوع والفقرة الثانية في موضوع آخر و الفقرة الثالثة في موضوع وباب آخر وربما فقرة واحدة جملة فيها في باب و جملة أخری في باب آخر، لذلك هنا نباهة الفقيه أن يلتفت الی اختلاف الحيثيات.
أعظم من ذلك، النراقي رحمه الله وافق صاحب الكفاية رحمه الله وجملة من المعاصرين في جملة واحدة قواعد مختلفة، هذا أعجب. مثلا «كل شيء لك حلال حتی تعلم أنه حرام» و «كل شيء لك طاهر حتی تعلم أنه قذر»[1] النراقي استفاد منها ثلاث قواعد، لا ثلاث مسائل وأحكام بل ثلاث قواعد ولم يشكل عليه من تأخر عنه كبرويا في أن اصل الجملة الواحدة يمكن أن تتضمن قواعد ثلاث في منصة الظاهر.
قال كل شيء لك حلال دليل اجتهادي أولي الحلية ودليل فقهي، «حتی» يدل علی الاستصحاب و«تعلم أنه حرام» هذه أصالة الحل. «كل شيء لك حلال» جملة مركبة و«حتی» جملة ثانية و«تعلم أنه حرام» جملة ثالثة فثلاث قواعد. الأولی قاعدة فقهية أولية ودليل اجتهادي والثاني أصل محرز والثالث أصل عملي تنزيلي، ووافقه تماما صاحب الكفاية. هكذا «حتی كل شيء لك طاهر حتی تعلم أنه قذر» نفس التقريب. حتی الميرزا الناييني في جملة من القواعد الثلاث وافقه في القاعدتين وآغاضياء و الكمباني كذلك فإذاً هذه النكة جدا مهمة.
رحمة لله علی الشهيد الثاني دأبه هكذا لما يتعرض الی رواية مع ذلك لايفوت الفوائد الفقهية الصناعية الموجودة في الرواية ولو المرتبطة بالأبواب الأخرى، يقول في هذه الرواية فوائد ونكات ولو مربوطة بالأبواب الأخرى كأنما ينبه نفسه والوسط العلمي لأن يلتفتوا أن هذه الرواية ليست خاصة بهذا الباب بل ترتبط بأبواب عديدة ونعم الكلام. يعني أحد جهات الإمتياز لكتاب الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية هذه العجيبة حتی في المسالك دأبه هكذا.
هذه النكتة جدا مهمة يعني نوع من الحذاقة واليغظة العلمية عند الفقيه والمجتهد ضروري. ربما واحد يقرأ القرآن ويلتفت الی آية معينة لها دلالة بباب معين لايلتفت اليه الفقهاء من الأولين والاخرين. كثيرا ما هكذا يعني لانتوقع أن كتب آيات الاحكام المرتبطة بعلم الفقه أو كتب التفسير أو كتب التفسير لانتوقع أن فيها كل ما هو مرتبط بالباب و المسئلة، وأنهم استطاعوا أن يبوبوه تبويبا واقعيا.
لاسيما الدلالة في الآية أو الرواية ليست علی سطح مرتبة المدلول التصوري أو الإستعمالي، بل التفهيمي، التفهيمي أخفی من الاستعمالي. كثيرا ما المحدثون والمفسرون والفقهاء يسهل عندهم المدلول التصوري والاستعمالي فقط، أما التفهيمي يحتاج الی غور أكثر وتدبر، فضلا عما إذا كان مدلولا جديا هو أخفی من المدلول التفهيمي. فليس من الضروري ان التبويب أصاب سواء في الايات أو في الروايات، رب تبويب خاضع للمدلول التصوري والاستعمالي.
هذه النكتة ثروة؛ أن المواد الموجودة من الايات والروايات ثروة عظيمة والتبويب خطوة مهمة في الهندسة الصناعية والاستدلال سواء في علم فقه الفروع أو فقه العقائد أو التفسير والاخلاق والروح والمعنويات. يجد الانسان دلالات مطوية يعني الدلالات في الدرجة الثالثة التفهيمية والجدية المطابقية والالتزامية وراء الجدية المطابقية في الآيات والروايات.
النجاشي رحمه الله يذكر أن الفلان راوي من كبار الرواة وله كتاب مبوب هو بوّبه، عادتا الأصول الأربعة مأة ليست مبوبة غالبا إن لم يكن كلا، لكن فيها كتب مبوبة، يقول النجاشي له كتاب يروي عن ابي عبدالله و ابي جعفر عليهما السلام وله كتاب مبوب. وتارة يقول: للكتاب نسختان نسخة مبوبة ونسخة غير مبوبة لنفس المؤلف، أولا نشره غير مبوبة وبعد ذلك نشره مبوبة، هذا التبويب نوع من عملية الإجتهاد لكن ليس بضروري أن يحيط بكل الواقع والدلالات الموجودة في الآيات والروايات.
أليس الفقهاء كانوا يستدلون للاستصحاب طيلة خمسة قرون و ستة قرون بالسيرة العقلائية و كذا وكذا وأتی والد الشيخ البهائي المدفون الان في البحرين -وزرته عدة مرات- الشيخ حسين بن عبدالصمد رحه الله، هذا هو أول من اكتشف أن الاستصحاب موجود في الروايات. خمسة قرون يمر العلماء بهذه الروايات وبوبوها في باب الطهارة وهو التفت. كلمة الاستصحاب ما مصرحة في هذه الروايات. الاستصحاب قاعدة جحفلية وترسانية. إذاً يعني أيها الباحث لانظنن أن كل علماء الإمامية قد احاطوا بكل شيء خبرويا. بل بحر العلم الی ماشاء الله فهذه القضية للتبويب منهجية ومهمة. تأليف الاعلام للمستدركات و تأليف السيد البروجري للموسوعة الحديثية مما يدل علی أن الفقيه والمجتهد في أي علم من العلوم الدينية لايتواكل علی جهد من سبقه في رصد الأدلة.
هنا نكتة ثمينة جدا: وهي أنه يمكن أن نقف علی تواتر لم يقف عليها السابقون. كيف يمكن مع التواتر وصل إلينا من عندهم؟ يمكن بكل سهولة وبكل وضوح و يمكن أن نطلع علی استفاضة لم يطلع عليها السابقون، إذا كان التواتر في المعنی و المعنی ذو طبقات يدل علی أن هذه التواتر موجود لكن خفي علی الكثيرين. سيما اذا كان الألفاظ مختلفة علی صعيد الدلالة الاستعمالية أو علی صعيد الدلالة التصورية لكن علی صعيد الدلالة التفيهيمية أو الجدية فيه تواتر، لكن الأكثر ما التفتوا اليه لأن طبيعة استخراج الحقائق الدينية هي ذات درجات يحيط بها جيل بعد جيل شيئا فشيء.
العلامة بحر العلوم رحمه الله في كتاب الرجال عنده عبارة وهي: «كم من أمر أنكره القدماء لكن الان من بديهيات المذهب»، لأن طبقات العلماء اكتشفوه من الدلالة التفهيمية أو الجدية بشكل مبده لكن ما التفت إليه القدماء، هذا هو الذي ربما نعبر عنه بالتواتر النظري يعني بإعمال النظر يقف الباحث أو الفقيه عليه، لاباسترسال إبتدائي سهل من خلال الألفاظ والدلالة التصورية. ليس تواترا لفظيا بل تواتر معنوي خفي.
المعنی التصوري محجوب بحجاب اللفظ. والمعنی الاستعمالي محجوب بحجابين، حجاب اللفظ وحجاب المعنی التصوري والمعنی التفهيمي محجوب بحجاب اللفظ و المعنی التصوري والمعنی الاستعمالي ثم يأتي المعنی التفهيمي فضلا عن المعنی الجدي وهو محجوب بأربع حجب. فضلا عن المعنی الجدي الالتزامي وهو محجوب بخمسة حجب. فعلی كل، هذه النكتة جدا مهمة قضية التبويب و منهج التبويب خاضعة للاجتهاد ولدرجة الاجتهاد.
صلی الله علی رسول الله وعلی آله الطاهرين أن نبه علی أن مسيرة فهم الدين متفاوتة بحسب الأجيال في خطبة الوداع «رب حام فقه الی من هو أفقه منه» عندنا روايات كثيرة علی أن عقول آخر الزمان أكثر من عقول هذه الأمة يعني أنهم فهموا من الدين أكثر فأكثر لانها تراكم جهود الأجيال يصل إليهم بشكل أزيد فأزيد لذلك هذا الباب مفتوح. الحامل ليس ضروريا أن يزن ويعرف كاملا ونحن أيضا نحمل هذه العلوم الی الجيل التي بعدنا والجيل الآخر سيكتشف أمورا أكمل وأعظم من هذه العلوم.علی ضوء ذلك إذًا التواتر النظري بابه مفتوح يعني الفهم الجديد ينزل وقدرة الاكتشاف الجديد.
واحد من الاعلام كان يبحث في المعارف بشكل نحرير، نقل إليه مطلب وأنكره أشد الإنكار، بعد ذلك تفحص عنه سنين وصار عنده من البديهيات. كون فاطمة سلام الله عليها تأتي في الرتبة في الحجج بعد أميرالمؤمنين سلام الله عليه. أنكره أشد الانكار، هو من الاعلام ومن الحاملين لراية الولاية ومتبحر لكن بعد ذلك تبده اليه الأمر. كثير من الأمور والأبحاث ليس بالضرورة أن تتجلی في الوهلة الأولی ومن منصة اللفظ. طبعا لابد له من الدلائل والموازين لكن ليست الموازين كما يتصوره الأخباريون والمحدثون في منصة اللفظ أو منصة المدلول التصوري أو منصة المدلول الاستعمالي. هذا هو الذي مر أن مدرسة النص عند اهل البيت عليهم السلام ليس معناها اللفظ فقط، مدرسة النص يعني مدرسة الوحي، المعنی التصوري وحي والمعنی الاستعمالي وحي و المعنی التفهيمي وحي والمعنی الجدي وحي، حبل ممدود طرف منه وهو اللفظ عند الناس وطرف منه وهو المعاني اللامتناهي عند الله تعالی.
رسول الله صلی الله عليه وآله مثل أهل البيت عليهم السلام بالحبل الممدود يعني الحبل ذا الإمتداد لاينقطع يعني طبقات المعاني لاتنتهي. لايعلم تأويله يعني المعاني المطوية وراء بعضها البعض. التأويل يعني خفي هذا الدين فيه خفاء وليس كل طبقاته جلي، لكن يكشفونها علی الموازين والمهم الموازين وليس المهم أنه خفي أو جلي. حجية الراوي شيء وحجية الفقيه شيء آخر، الفقيه عنده قدرة أن يصل الی الخفاء و الراوي يحمل الالفاظ مع احترامنا للرواة و قد يكون راو فقيها، كما يقول سيد الأنبياء قد يكون فقيها لكنه ليس فقيه إلی نهاية المطاف. المهم هو الموازين والدلائل. منهجة التحقيق هكذا. وإلا ظاهره اجتهاد وباطنه تقليد.