الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/05/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب التعارض، الروايات العلاجية للمحمول، مبنی صاحب الكفاية في الترجيح والتخيير.

 

مر بنا أن أقوال الأعلام متعددة بلحاظ مفاد الروايات العلاجية الی ثلاثة أو خمسة أو ستة أو سبعة أقوال إجمالا.

الان الكلام في مبنی صاحب الكفاية: هو ذهب الی التخيير مطلقا و أن الترجيح مستحب.

هذا الاستحباب للترجيح من لطائف الصناعة الأصولية، أن الخطوات الصناعية الأصولية في الإستنباط والمستحبة ليس شيئا خلاف الضرورة، فهذه من بدائع الاستنباط.

تتذكرون قاعدة أن الجمع مهما أمكن أولی من الطرح وقاعدة التأويل، كيف يمكن تتشبث بالإحتمالات إذا كانت ضعيفة أو إذا وجدت قرائن؟ هنا لم يذهب الأصوليون الی امتناع كلام الاخوند، أنه يمكن أن تكون القرائن للترجيح مستحبة الأخذ بها في الخطوات الاستنباطية في الاستنباط. هذه نكتة مهمة حتی القائلون بالتخيير، لم يقل أحد من الاصوليين أن التخيير شيء في نفسه مناف للطريقية، علی أي مبنی من مباني التخيير. التخيير في الطريقية كيف يمكن؟ كيف يتلائم الكاشفية مع التخيير؟ هذه تدل علی ان هناك فذلكات وقوالب ماهوية صناعية ملتئمة مع الطريقية.

هذا يعني تشريع قاعدة الجمع مهما أمكن أولی من الطرح ولو بالاحتمالات البعيدة و الضعيفة والقرائن التقديرية، ما فيه مانع، حتی عند الفريقين أو في الترجيح المستحب، بالتالي هذه الأمور نكات مهمة أن هذه المفاد الصناعية ليس مناقضا للطريقية، بل هذه درجات يسار إليه لأن أصل الطريقية إقتضائه موجود. الجمع التبرعي ليس شنيئا مع أنا وضحنا أن الجمع التبرعي بالحقيقة يرجع الی القرائن المتأخرة رتبتا و القرائن الخفية، ويعتمد علی القرائن الخفية في الدلالة وليس منكرا، كيف يناسب الظهور مع الخفاء؟ الخفاء أحد درجات الظهور، مراتب. هذا ناموس في الاستنباط وفي الصناعة وليس شيئا ممتنعا لايمكنك أن تقول أكفر بكل شيء خفي.

هذه نكات صناعية مهمة، لذلك السيد المرتضي في الشافي يعد الدلالة الخفية من الظهورات، ظهور لكنه خفي، خفي بمعنی أنه لايظهر إلا بعد التدبر والتمعن، سواء في الفقه أو في الكلام، أصلا جل الدين في اللب والخفاء وهذا نظام في استنطاق الدين. فلايغفل الانسان. السيد المرتضی يقول قطعي بين و خفي بسبب مشاغبات و الشبهات. هذه النكات في نظام الظهور ونظام الدلالة

هذه وقفة مهمة ماذا معنی أن الترجيح مستحب؟ الدلالة والكاشفية والترجيح مستحب، كيف يمكن؟ نعم، ليس بمشكل ومامانع في ذلك، يمكن أن يعطينا الشارع حججا طولية خيالية وكلها معذرة وحجة، ما المانع في ذلك؟ أصل التخيير فسر لي إياه، علی مبنی القدماء أو علی مبنی القدماء، حجية وتخيير هل يمكن؟ نعم يمكن،

لعل تشدد الناييني في معنی الطريقية هو سبب بعض زوايا هذا الوهم، مع أنه ليس مانع في ذلك. هذه النكات جدا مفيدة وتفيد في الفقه والكلام و غيره.

يقول الامام عليه السلام: «بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك» فاذاً نفس نظام الدلالة متسع وكلها حجة، وليس تلاعبا ولايمكنك أن تقول الطريق حصري وواحد، بل الطريق وسيع جدا. بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك، هذا يفيد في الفقه والتفسير، آية واحدة فيها عدة دلالات في عرض واحد و في طول واحد، يمكن وليس تلاعبا، الموازين النحوية تقتضيها و الموازين الصرفية والبلاغية تقتضيها، ما المانع في ذلك؟ لايمكنك أن تكفر بالتخيير في الطرق لأنه إذا كان أصل الطريقية منافيا مع التخيير كيف يمكن في منهج تفسير أهل البيت آية واحدة نازلة في مفاد الخير و نازلة في مفاد الشر معا؟ بل يمكن مع موازين الدلالة، هذه البحوث منطقية في المعرفة الدينية، الدلالة تتسع عرضا وطولا.

ما قال أحد أن صاحب الكفاية كفر بالعقل والبديهة و قال ممتنعا، هذا يدل علی تسالم عندهم بأن الطريقية تستوسع هذه الخيارات، كيف روايات اهل البيت في ذيل آية كريمة تارة تفسر الآية بالذم وتارة تفسرها بالمدح، المدح نزلت في مورد و الذم في مورد، ليس تناقضا بل علی الموازين.

علی تعبير السيد المرتضی كيف دليل قطعي من أصول الدين واصول الايمان و يخفی؟ ما المانع في ذلك، أصل الدين الواقعي وهو الايمان قالت الاعراب آمنا... هذ البحوث الصناعية لابد أن نلتفت اليه. تعطينا بنيانا في الدلائل الدينية يمكن أن يتصور التخيير في الطرق والكاشفية ويمكن أن يتصور الإستحباب في الترجيح. هذ الوقفات فائدتها أكبر من بحث التعارض.

فذهب صاحب الكفاية الی استحباب الترجيح، هذا الفقيه لايتلاعب، هو مخير. ليس كما يقولون: الفقيه إما عنده دليل أو ليس دليل، كيف مخير؟ لابأس به علی الموازين. بعض الامور موسعة لكن علی الموازين. ليس كما يقولون أن الحق هو واحد، بل الحق وسيع، واحد لكن هو وسيع. الدين درجات والإيمان درجات. وليس درجة واحدة. طبيعة علم الأصول منطق العلوم الدينية والمعرفية المنطق يعني المنهج و التمنطق. عظمة علم الأصول من هذه الجهة.

صاحب الكفاية ذهب الی استحباب الترجيح والأصل عنده التخيير بعدة شواهد يتبناها علی أن الترجيح مستحب:

الشاهد الأول: أن مقبولة عمر بن حنظلة (وهي صحيحة عندنا) واردة في القضاء والحكم القضائي وليست واردة في الإستنباط والفتوی.

طبعا الإخوان لايخفی عليهم أن باب القضاء يختلف عن باب الفتوی، باب الفتوی أيضا هي بابان وليس بابا واحدا، الفتوی عمل المجتهد وهو الإستنباط وباب آخر في الفتوی هو التقليد يعني نفس العامي فتاوی المجتهدين والفقهاء بالنسبة اليه مصدر، فبالدقة ثلاثة أبواب، هذه الابواب غير الشبهة الموضوعية الباب الرابع و الباب الخامس الحكم التنفيذي والولايي. هذه خمسة أبواب تختلف سنخا عن بعضها البعض موازينها والتمييز بين هذه الأبواب الخمسة تفيد في الأبواب الكثيرة.

فصاحب الكفاية رحمه الله يقول: إن الروايات الواردة في الترجيح مثل مقبولة عمربن حنظلة واردة في القضاء، فإذاً لاتعم الفتياء من باب استنباط الفقيه، لاالفتيا في باب تقليد المقلد، المقلد الأمارة بالنسبة اليه فتوی الفقيه والفقيه الأمارة بالنسبة اليه الأدلة الاجتهادية والأصول العملية، بابان مترابطان لكنهما مختلفان سنخا. هذا هو الشاهد الأول.

وردّ عليه أن أدلة الترجيح غير منحصرة بصحيحة عمربن حنظلة بل فيه روايات كثيرة وتلك الروايات ليس فيها إشارة الی الحكم القضائي أو الحكم السياسي أو الولايي و التنفيذي بل ترجع الی الفتوی بمعنی استنباط الفقيه مضافا الی أن نفس مقبولة عمربن حنظلة هي وإن وردت في باب القضاء لكنها الی مستند القضاء وهو الفتياء بمعنی استنباط الفقيه كما سيأتي إن شاءالله مفصلا.

الشاهد الثاني الذي اعتمده صاحب الكفاية: إن هذه الروايات للترجيح فيها تقييد بالإرجاء يعني التأخير الی أن يرجع الی الإمام المعصوم «فارجه أو ارجئه» قال هذا الترجيح إذًا مخصوص بزمن الحضور لازمن الغيبة، كأنما كما أشار الكليني إنا لانعرف من هذه الموازين للترجيح إلا شيئا قليلا ولا شيء أوسع مما وسعه الإمام يعني التخيير.

هذا الاشكال أيضا رد علی صاحب الكفاية أولا بأنه حتی هذه الروايات العلاجية التي فيها التقييد بالارجاء والرجوع الی المعصوم لايفهم منها قيدية الحضور مع أن روايات الترجيح كثير منها ليس فيها تقييد بالإرجاء أو الرجوع الی المعصوم. هذا الشاهد اذا غير تام.

الشاهد الثالث الذي استند اليه صاحب الكفاية: قال: إذا عمل بادلة الترجيح ستلقی أدلة التخيير وتكون لغوا ، لماذا؟ يقول لأنه ما من مورد في المتعارضين إلا والمرجحات موجودة وإذا كان المرجحات موجودة في البين أين إذاً مورد التخيير؟ إذاً ستكون أدلة التخيير لغوا، وهذا اشكال صاحب الكفاية علی أن الترجيح مستحب حفاظا وجمعا بين أدلة الترجيح و أدلة التخيير.

فانظر الاستحباب يبقي مجالا للعمل بأدلة التخيير، بغض النظر عن بحث المقام و الروايات العلاجية. إن الإلزام هو الذي يسد الباب عن العمل بالمعارض أما إذا صار إستحبابا يمكن أن تعمل بنفس الدليل ومعارضه. هذه فذلكات الجمع و فذلكة لطيفة. هذه الفذلكات ليس تبرعا بل حفاظا علی مفاد الأدلة مهما أمكن. شبيه أنه لانلتزم بالالزام لكن نقول واجب تخييري بين الترجيح والتخيير. هذا أيضا وجه جمع مابنی عليه صاحب الكفاية. المقصود أن التنافي و التعارض يكون في الإلزام والحصر. أما سعة الخيارات تبدل التعارض. هذه نكتة لطيفة.

سجل علی هذا الاستشهاد بنقاط من الأعلام: أن هذا يتم علی مبنی الشيخ الأنصاري وهو مبنی المشهور من التعدي عن المرجحات المنصوصة الی مطلق المرجحات، إذاً لايبقی شيء للتخيير وهو مبنی المشهور وهو الصحيح، أما إذا بنينا مثل السيد الخويي وجماعة بعده و قبله علی أن المرجحات المنصوصة فقط هي منصوصة وغيرها لايتعدی اليه فيبقی مجال للتخيير ولاتكون لغوا.

علی أية حال هذا الاستدلال من صاحب الكفاية و الرد انما ينسجم أو يتم سواء استدلال صاحب الكفاية أو رد الأعلام انما ينسجم علی مبنی المتأخرين لا علی مبنی المتقدمين.

مبنی المتأخرين هو أن في الترجيح والتخيير ان التعارض يعول الی التمييز بين الحجة واللاحجة لبا. حقية الترجيح و التخيير يعول الی التمييز بين الحجة واللاحجة يعني هو من تمييز الحجة واللاحجة محمولا. وان اختلف التعارض عن تمييز الحجة عن اللحجة موضوعا وصورتا.

إن شاءالله في الجلسة اللاحقة