الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/04/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب التعارض، الفارق الماهوي والجوهري بين القدماء والمتأخري الاعصار في الأصل الاولي عند التعارض و الأدلة العلاجية

 

كنا في هذه النقطة التمهيدية لبحث طوائف الروايات العلاجية من ان الترجيح أو التخيير عند متأخري هذه الأعصار من الأصوليين أيضا يعول مآلا إلی تمييز الحجة عن اللاحجة.

يعني أنه عند الميرزا الناييني وشدد عليها أن التعارض في الأمارات سواء خبر الواحد أو الظنون المعتبرة، الأصل الأولي عنده في الظنون وتعارضها من سنخ واحد أو طبيعتين - مثلا تعارض خبر الواحد مع ظن آخر- هو التساقط ومراده من التساقط هو أن العمومات الأولية للحجية لاتشمل تلك الظنون، سواء من جنس واحد أو من جنسين.

هذا الكلام وجملة من بحوث التعارض ليس خاصا بتعارض خبري الواحدين بل يشمل بقية الظنون من حيث مقتضى القواعد لا من حيث الأدلة الخاصة في الروايات العلاجية وربما في بعض العلاجات في روايات العلاجية كالعلاج الموضوعي غير خاص أيضا بخبري الواحدين بل أعم في جميع الظنون، سواء من نوعين واحدين او من طبيعيتين ونوعين مختلفتين، من حيث الضوابط العامة أو من حيث الضوابط التي ذكرت في العلاج الموضوعي.

لذلك الذي يقال ههنا في مقتضى القاعدة في التعارض بعينه يقال في باب الاجتهاد والتقليد في تعارض فتوی الأعلم وغير الأعلم أو الأعلم مع الأعلم، أو عند تبدل التقليد من أعلم إلی أعلم آخر بموته أو فقده للشرائط. طبعاً تبدل الأمارة غير قضية تعارض الأمارتين لكن مآلا قد يقرر أنه نوع من التعارض. هذه حالة أخری، مثلا أمارة واجدة للشرائط ينتهي أمدها وتبدأ أمارة أخری فهذا ليس من باب التعارض لكن لبا من باب التعارض، باعتبار أن الأمارة الثانية نطاقها ومفادها ليس فقط تبين الحكم و الواقع في ظرفها بل حتی تبين الواقع في ظرف الأمارة السابقة، ففي المدة السابقة يقع التنازع بين الأمارتين بين الأمارة القديمة التي انتهی أمدها و هذه الأمارة الجديدة، فهذا البحث إذاً بحث حساس و مهم وهو أن مقتضی القاعدة وحقيقة التعارض أبدا ليس خاصا بتعارض الخبرين بل هو يشمل كل الأمارات من نوع واحد او نوعين في كل هذه الموارد يبني الميرزا الناييني و تلاميذه علی أن مقتضی القاعدة هو التساقط يعني الأدلة الأولية العامة الدالة علي الحجية لاتشمل مورد التعارض في مورد التعارض فنحتاج إلی دليل جديد يعبر عنه الميرزا الناييني متمم الجعل فإذا لم يكن هناك متمم الجعل حينئذ نبني علي عدم الحجية وإذا وجد متمم الجعل والروايات التي تعالج التعارض بنحو ما نلتزم به.

في الشبهة الحكمية في تعارض الأخبار الأحاد وجد الدليل عند الناييني أما بقية الموارد لايوجد دليل، فالبحث عام في تعارض الفتوی أو باب آخر من الأمارات حتی في باب القضاء إذا تعارض البينات لدی القاضي.

لكن علي مبنی القدماء في كل الموارد و الأبواب باب القضاء وباب الفتيا و باب التقليد و إستنباط الفتيا أو باب الأمارات تعارض الأمارات عند القدماء هو تزاحم المقتضيات في الكاشفية وليس تساقطا، ففيه هناك فرق جوهري بين مبنی القدماء ومبنی الميرزا الناييني.

الشيخ الأنصاري والآخوند أخذا مبنی لاهو مشي القديم ولاهو مشي الميرزا الناييني بل بينا بين، هذا كما مر ليس خاصا بخبر الواحد بل يعم كل تعارض الأمارات في بحث التقليد والقضاء والشبهة الموضوعية وغيرها. مثلا تعارض اقوال الخبراء لتشخيص موضوع معين الكلام الكلام. الشيخ الأنصاري بين أن يقول مقتضی التعارض التوقف أو أحد الخبرين حجة أو يظهر من بعض كلماته أنه موافق للقدماء إلی حد ما، أما الاخوند صريحا يقول: مقتضی التعارض أن أحدهما حجة والاخر لاحجة. لذلك عندنا علم إجمالي بأن أحدهما حجة. هذا المبنی غير الناييني ومغاير للقدماء.

هذه المباني لازم أن نلتفت إليه لأنها سيالة وتجري في القضاء والفتيا والبحوث العديدة. فالتعارض يختلف موضوعا حسب الصورة الاولية للموضوع عن دوران الأمر بين الحجة واللاحجة، كصورة موضوع ابتدائي يختلف، لكن مآلا عند الميرزا الناييني هما سيان لأنه لاتشمل الأدلة الأولية للحجية للمتعارضين فتأتي الروايات العلاجية للترجيح أو التخيير فتميّز الحجة عن اللاحجة وتميز الواجد للشرائط عن غير الواجد. طبعا عند الميرزا الناييني وجل تلاميذه أو كلهم ومنهم السيد الخويي وجل تلاميذه أصلا صار ناموسا في علم الأصول أنه عند التعارض تنعدم الكاشفية وتتساقطان.

بخلاف القدماء، عندهم هذا الفرض الصناعي شرياني في كل أبواب الفقه حتی في العلوم الدينية، عند القدماء الإقتضاء موجود والكاشفية ولانفرط في خيط من الخيوط الكاشفية مثل التحقيقات الجنائية، أبدا لايفرطون في شيء، هذا مشي عقلائي مركوز من قديم عقلائية البشر. هذه نكتة مهمة في أخبار الاحاد أو في باب القضاء او في باب الشبهة الموضوعية او في باب تبدل التقليد، في موارد التعارض من نوع واحد او من نوعين عند القدماء، ليس التساقط بل تمانع مقتضيين وإذاً فارق أساسي بين القدماء والمتأخري الأعصار.

فارق آخر عند القدماء في سياق هذا الفارق: عند القدماء أصل الصدور ليس فيها تعارض وتناقض أبدا، أي الدلالة التصورية، مركز التعارض والتناقض عند القدماء في كل الموارد والظنون ليس في الصدور والدلالة التصورية وإنما التعارض عندهم مركزه الدلالة الجدية.

القدر المتيقن من التعارض والتناقض الدلالة الجدية حتی أنهم لايوسعون التعارض إلی الدلالة التفهيمية فضلا عن الدلالة الإستعمالية إلا بالضرورات التي تقدر بقدرها. هذا بنيان مهيمن جوهري مهم يجب الالتفات إليه. توسعة التنافي إلی التفهيمي يريد إلی الشاهد والدليل يحتاج إلی موجب ليتصرف فيه، فضلا عن الاستعمالي فضلا عن التصوري والصدور، فنظم مرتب عندهم. هذه النقطة جدا جوهرية ومهمة وسريانية في كل الابواب حتی في باب تعارض البينات. أبواب عديدة كلها فيها تعارض الأمارات.

لنوصل هذا الفرق الجوهري نمثل له مثالا آخر، ليس له ربط بالبحث لكن يقرب الذهن، في باب أجنبي تماما إلا أن فيه جهة معينة في الشبه، في باب آخر باب التزاحم، هذا باب أجنبي لذلك أول بحوث عند الأعلام في باب التعارض هو البحث عن تمييز التعارض عن التزاحم الإمتثالي لكن فيه وجه شبه.

في باب التزاحم أيضا فارق جوهري بين القدماء إلی الشيخ الأنصاري والآخوند عن الميرزا الناييني هو أسس أسسا ببيانه الجذاب، في باب التزاحم الميرزا الناييني يوسع التنافي ويصاعده في التزاحم الإمتثالي من الإمتثال الی الحكم الإنشائي يعني يوسعه الی التعارض. إذا لا تحل التنافي في الإمتثال والتزاحم يسري الی التعارض بينما كل الإمامية حتی الشيخ الأنصاري، التزاحم وإن لم تحل يبقی مقتضيا وأصلا لايصاعد الی الحكم الفعلي فضلا عن أن يصاعد الی الحكم الإنشائي ليصير تعارضا. التعارض منطقته الحكم الإنشائي والتزاحم منطقته مراحل الحكم الفعلي ومنطقته التطبيق الخارجي، التزاحم الامتثالي وغيرها من أربعة أنواع من التزاحم كلها منطقتها التطبيق والحكم الجزئي. لكن الميرزا الناييني يصاعد ويسري من التزاحم والحكم الفعلي الی الحكم الإنشائي والتعارض. نعم جملة من الأعلام قبل الناييني أيضا هكذا والحال أن المشهور شهرة عظيمة أبدا لايوسعون التزاحم بل الضرورات تقدر بقدرها مثل المحذورات.

عكس هذا في باب التعارض. هذا بحث أجنبي وفقط وجه الشبه من جهة التوسعة وغير التوسعة. في باب التعارض عكس هذا، القدماء يقولون التعارض مركزه الدلالة الجدية ولايوسع أكثر يعني آخر المراتب إثباتا. لايوسع الی التفهيمي و التفهيمي مقدم رتبتا إثباتا ومؤخر رتبتا ثبوتا. يعني المحذور عندك في المرتبة الأخيرة إثباتا لماذا تسريه الی ماقبل الأخيرة وماقبل قبل الأخيرة؟ الضرورات تقدر بقدرها. أصلا من أول بحث التعارض البحث الذي مر اليوم هو جوهر التعارض وقلب التعارض.

فالقدماء يقولون مركز التعارض هو الدلالة الجدية ولانسريه الی ماقبلها، علی خلاف التزاحم، بينما الميرزا الناييني تسري التعارض من المدلول الجدي الی الصدور والدلالة التصورية. أصلا قاعدة الجمع مهما أمكن أولی من الطرح مر بنا أن لها ثلاثين شاهدا من كلمات القدماء بأن مقتضی التعارض ليس التساقط لأن التعارض في المدلول الجدي والصدور ليس فيه التعارض حتی يتساقط التصوري والإستعمالي أيضا ليس فيه تناقض. إذا كان مرادا جديا ففيه تناقض وإلا فلا. التعارض تنافٍ حقيقيٌ وليس تنافٍ صوري وإلا العام والخاص مطلقا أيضا تنافٍ صوري. نظام مرتب عند القدماء في باب تعارض الأمارات، لذلك عند القدماء إصل الإقتضاء والكاشفية والصدور موجود. ليس هنا من موجب في التفريط بها وبالدلالة الإستعمالية إذا كان الضرورات تقدر بقدرها، ضيق فم الركية. يعني البئر يعني أن البئر ليس أول وسيعة وبعده يضيقه، ضيق فم الركية يعني من الأول حفر البئر ضيقة. هنا أيضا هكذا لماذا نوسع التعارض؟ التناقض فقط في الجدي وتوسعته في التفهيمي والإستعمالي فضلا عن التصوري لاالموجب لها حتی في الاستعمالي والتفهيمي تنافي صوري لكن ليس تنافيا حقيقيا لأنه يمكن بعد ذلك المتكلم يتصرف في الكلام. هذا البحث جدا جوهري ومركز البحث في التعارض، الفرق بين القدماء والناييني والشيخ والآخوند. لايفرطون القدماء وكلهم عندهم نظم منظومي وتركبي.

إن شاءالله نتابع ونواصل الحديث.