41/04/26
الموضوع: باب التعارض الروايات العلاجية للمحمول، تبيين الترجيح و التخيير عند القدماء والمتاخري الأعصار
قبل أن ندخل في كلام صاحب الكفاية ومختاره حيث ذهب إلی عدم لزوم الترجيح و بنی علی استحبابه وأن الروايات عمدتها تدل علی التخيير، قبل الدخول إلی كلام صاحب الكفاية ووضوح مااستُند لها وعليها لابد من ذكر نقطة مهمة.
النقطة هي أن الترجيح علی مسلك متأخري الأصوليين من الأعصار مآله إلی إسقاط المرجوح عن الحجية يعني أنه فاقد للحجية، فبالتالي سيكون الراجح هو الحجة والمرجوح ليس حجة.
بتعبير الميرزا الناييني علی توضيح هذا المسلك: أن الشرائط الأولية للحجية التي جعلها الشارع إنما هي في حال انفراد الخبر عن المعارض أما إذا اقترن الخبر بالمعارض، فالأدلة العامة لحجية الخبر لاتشمل ذلك الخبر فإذا لم تكن شاملة لذلك الخبر -يعني الخبر المقرون بالمعارض- فيحتاج إلی أدلة تأسيسية أخری جديدة تدل علی حجيته. فعمومات حجية خبر الواحد لاتتناول الخبر المقرون بالمعارض، لا أن فيه اقتضاء الحجية بل أصلا ماتشمله، فأدلة العلاج متمم لجعل حجية الخبر.
بعبارة أخری، عمومات حجية الخبر لاتفي بحجية الخبر عند التعارض ولاتشمله أصلا وهي قاصرة. فما الذي يكمل ويتمم هذا الجعل بحجية الخبر؟ هو الروايات العلاجية، فالروايات العلاجية عندما نقول أنها ترجح أو تخير، هذه عبارة أو هذا قالب صوري، حقيقة ليس مرجحا وإنما هذه الأخبار العلاجية تكمل التشريع وليست هي ترجح، بل متمم الجعل وكذلك أدلة التخيير هي صورة تخيير يعني مايختاره من أحد الخبرين يكون هو الحجة، فالإتصاف بالامتيازات أو المميزات الراجحة شرط من شرائط حجية الخبر عند التعارض فالأدلة العلاجية كاشفة عن أن صاحب الامتياز من الخبرين هو الحجة وعديم الامتياز والمرجوح ليس بحجة وغير واجد لشرائط الحجية.
لذلك الميرزا الناييني يعبر عن الرواايات العلاجية بمتمم الجعل يعني متمم أدلة التشريع والتقنين لحجية الخبر وإلا الأدلة العامة غير وافية بأصل حجية الخبر عند التعارض فعلی هذا التصوير الذي بنی عليه الميرزا الناييني هو بالتالي مسلك متأخري الأصوليين أن المرجوح ساقط ويطرح عن الحجية وكذلك ماالذي لم يتم اختياره. فبالتالي فرض عملية الترجيح عملية لفرض الحجة عن اللاحجة مآلا و التخيير فرض تمييز الحجة عن اللاحجة، فصار التعارض مآلا هو من باب تمييز الحجة عن اللاحجة.
المفروض أن باب التعارض موضوعا يختلف عن باب الدوران بين الحجة واللاحجة والأصوليون والمتأخروا الأعصار يميزون بين التعارض ودوران الحجة واللاحجة في الأخبار والظنون، فكيف يصير مآلهما واحدا؟ نعم هناك فرق موضوعي ولكن مآلا باب واحد. كيف يكون الفرق موضوعيا والمآل واحدا؟ الفرق الموضوعي باعتبار أن في موارد اشتباه الحجة عن اللاحجة المغاير عن التعارض أحد الخبرين أيضا غير واجد للشرائط الأولية وغير مشمول بالعمومات الأولية والخبر الآخر واجد لشرائط الحجية و حجة بنفس العمومات الأولية لابالروايات العلاجية. غاية الأمر اشتبه عندي مصداقا بين الخارج عن العمومات الأولية والداخل، فعندي علم إجمالي بأن أحدهما داخل في العمومات الأولية والآخر خارج، بينما في موارد التعارض -حسب تقرير كلام الميرزا الناييني- عندي علم بأن كليهما خارجان عن العمومات الأولية، إنما الروايات العلاجية هي تأسس أحدهما حجة وهو الراجح أو المختار والآخر غير المختار والمرجوح لاحجة، فالآخر لاداخل في العمومات الأولية ولافي روايات العلاج. إذاً موضوعا فيه اختلاف بين باب التعارض وباب الدوران بين الحجة واللاحجة لكن لبا ومآلا هما واحد. لانه بالتالي في موارد التعارض المرجوح ساقط عن الحجية.
إذاً علی مسلك متأخري الأعصار حتی علی مدرسة الوحيد البهبهاني رحمه الله -لاأقول كلهم، الإنسداديون بعضهم يوافق القدماء لكن كثير منهم أو أكثرهم- هم بنوا علی أن المرجوح ساقط عن الحجية وأيضا غير المختار، فإذاً هو حجة ولاحجة لكن بآلية أخری وإن كان موضوعا فيه تغاير وتباين بين التعارض والدوران بين الحجة واللاحجة. فعلی مسلك متأخري الأعصار ليس عندنا حجة اقتضائية وحجة فعلية بل عندنا حجة ولاحجة، ولاحجة حتی إنشاءا يعني ليس فيه شرائط الحجية. هذا المبحث مهم يعني يرسم خارطة البحث في الروايات العلاجية.
قبل أن ننتقد هذا المبنی لأنا موافق القدماء، نوضحه أكثر: لذلك متأخروا الأعصار ذهبوا سيما الناييني ومابعد الشيخ الأنصاري التزموا بأن مقتضی التعارض هو التساقط، بخلاف الشيخ والوحيد والآخوند والقدماء. التساقط يعني العموم الأولي لحجية الخبر غير شامل لهما فمن ثم الترجيح حقيقته عندهم هكذا، كنه وحقيقة الترجيح وحقيقة التخيير هي تمييز الحجة عن اللاحجة.
هذا بخلاف مبنی القدماء هم يقولون في مورد التعارض، العمومات الأولية شاملة لكلاالخبرين، غاية الأمر الترجيح نوع من علاج التمانع لا أن الاقتضاء ماموجود بل المانع موجود، فالروايات العلاجية دورها رفع المانع وليس دورها إنشاء المقتضي، مثل -ولو مثال بعيد- باب التزاحم، الصلوة في آخر الوقت و الوجوب الفوري لتطهير المسجد أو الصلوة في أول الوقت كل من الحكمين واجد للحجية لكن فيه تمانع للامتثال فالترتب أو الشيء الاخر يرفع التمانع، فعلی مسلك القدماء في مورد التعارض المقتضي موجود والعمومات شاملة لكن هي مانع عن تفعيل العموم. فالترجيح عندهم ليس تمييز الحجة عن اللاحجة وإنما تمييز الأهم علی المهم أو التعبير الأدق تمييز الأقوی عن الأضعف لاأنه تمييز الحجة عن اللاحجة فحتی الضعيف حجة لكن حجة إقتضائية مثل باب التزاحم، فعلی مسلك القدماء ليس الترجيح والتخيير كنه وسنخه من باب التمييز بين الحجة واللاحجة وإنما من باب علاج التمانع والتضاد ففيه فرق كبير في حقيقة التخيير والترجيح. هذا المطلب أثرناه في أول التعارض لكن تنسی و زواياه ما أثرناه.
أحد المباحث التي أثارها الكمباني ههنا وبجدارة وأثارها في مبحث الإجتهاد والتقليد أيضا هو أن حقيقة التخيير علی مسلك المتأخري الأعصار تمييز الحجة عن اللاحجة، فكيف نتصورها؟ الراجح والمرجوح يمكن له التوجيه، الراجح يعني الواجد للشرائط لأن الخبر لابد أن يتصل بشرائط زائدة عند التعارض كي يكون حجة بخلاف المرجوح، ليست عنده الشرائط الزائدة لكن التخيير كيف يمكن تصويره؟ تساؤل الكمباني هو أن امر الشارع بالتخيير وإختيار أحد الخبرين أمر تكليفي أو وضعي؟ الوضعي يعني أحدهما حجة والتكليفي يعني اختر تكليفا، فيترتب علی اختيارك إتصاف الخبر المختار بكونه حجة، هذا تصوير غريب أن الخبرين قبل اختيار المجتهد ليس بحجة ولما الختاره يصير حجة، هذا المطلب واضح في الراجح يعني فيه ميزات أكثر ومسلك المتأخري الأعصار فيه قابل للتصوير لكن في التخيير كيف يمكن تصويره؟ حتی في باب تعارض الفتوی عند تساوي الأعلمين و المجتهدين، المكلف يختار، هل اختياره يُكسب أحدهما حجية الفتوی؟ هذا إذا كان أمرا تكليفيا وأن الخبرين قبل الاختيار ليس بحجة أو يقال إن أحدهما لاعلی التعيين ليس بحجة كيف يمكن؟ الطريقية بين المتباينين يكون أحدهما لاعلی التعيين حجة أو أحدهم المعين في علم الله سيختاره المكلف هو حجة، كيف يسير؟ يقول: تصوير التخيير في تعارض الروايات أو الفتاوی أو الحكم القضائي تصوير التخيير بين الحجج الطريقية علی مسلك المتأخري الأعصار صعب، لأنه إذا بنينا علی أن حيقيقة التخيير تمييز الحجة عن اللاحجة كيف يمكن؟ الترجيح سهل و قابل للتصوير لأنه في الترجيح الراجح أكثر كاشفيا.
المعروف حتی الناييني يقر بهذا الشيء وهذا عجيب و الكمباني والعراقي حتی الشيخ والآخوند يقرون بأن الطرق التي هي حجة ومنه الأخبار هذه الطرق إمضائية من الشارع لاأن الشرع أسسها ولاالإمضاء البسيط بل الإمضاء مع شيء من التهذيب والترسيف من الشارع فإذا كانت عقلائية طريقيتها فلازم أن تكون في رتبة سابقة وإذا افترضنا أن الأمارات تتساقط بمقتصی القاعدة كيف الشارع يمضيها بالترجيح أو بالتخيير؟ هذا هو الإشكال
بل قالوا: حتی هذه الطرق العقلائية قبل أن تكون عقلائية التقنين، كاشفيتها تكوينية فإذا كان كاشفيتها تكوينية الجعل من الشارع لايًكسبها طبيعة تكوينية بل لازم أن تكون الطبيعة التكوينية موجودة وهذا يناسب قول القدماء الذين يقولون كل من الخبرين المتعارضين فيه كاشفية تكوينية فالخبر كاشفيته سيان، انفرد الخبر أو اقترن بالتعارض، كاشفيته تكوينية غاية الأمر عند التعارض تتزاحم وتتدافع كاشفيته يعني التمانع وليس سقوط المقتضي أو زوال وانعدام المقتضي الذي يدعيه المتأخرون
علی كل الكلام له تتمة