الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/04/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب التعارض،دوران الامر بين التخصيص و النسخ، طولية تشريع النبي صلی الله عليه وآله و الأئمة عليهم السلام

كنا بحث الدوران بين النسخ والتخصيص ومر وجهٌ لذهاب المشهور لتقديم التخصيص علی النسخ من أن الغالب في بيانات الشارع تدريجية البيان لاتدريجية التشريع.

علی هذا، إذا كان دور النبي صلی الله عليه واله بالنسبة إلی تشريعات الله دوره دور البيان ودور الأئمة عليهم السلام بالنسبة إلی تشريعات الله و الرسول، دور البيان فأين هي دائرة التشريع للنبي أو دائرة التشريع للائمة عليهم السلام؟ فهل كل ماصدر عن النبي تدريج في البيان أو كل ماصدر عن الائمة تدريج في البيان؟

أولا ليتضح أن حقيقة تشريع النبي بعد ما لم يكن تشريعه في عرض تشريع الله عزوجل إنما هو في طوله، معنی الطول ماذا يعني؟ هذه المباحث من مباحث أصول القانون، حقيقة النسخ أو صلاحية التشريع والبيان للنبي صلی الله عليه آله و الائمة عليهم السلام مبادئ أحكامية وبحوث ثبوتية.

جملة من النقاط لابد أن نوضحها في البين كي نعود إلی أصل المسألة أن ترجيح المشهور للتخصيص علی النسخ لنكتة معتمدة عندهم.

معنی طولية تشريع النبي صلی الله عليه وآله: إن طبيعة نظام القانون والتشريع وعلم القانون وربما شأن كثير من العلوم هي أن طبيعته ذوطبقات، تصافق وتوافق العقلاء علی أن القانون منه نمط قانون دستوري ومنه نمط قانون برلماني ومنه نمط قانون وزاري ومنه نمط قانون بلدي وغيرها، هذا التوافق العقلائي ليس بمحض الصدفة أو إرتجالا بل أن طبيعة ماهية علم القانون كمعادلات ذات طبقات فالطبقات المتاخرة ليست في عرض الطبقات المتقدمة، يعني القانون البرلماني ليس في عرض القانون الدستوري كما في نفس الدستور ليس في عرض الفصل الأول من الدستور، يعتبر الفصل الأول من الدستور أمّ الدستور، كتابة الدساتير طبيعتها هكذا، كما أن كل الدستور بما فيه الفصل الأول ليس في عرض ديباجة الدستور، ديباجة الدستور تتضمن وتنطوي علی مبادئ هي انطلق من الدستور يعني نفس الديباجة دستور الدستور.

هذا في علم القانون بات واضحا، يقال الفقيه الدستوري أو القانوني الدستوري فعله أصعب من القانوني الوزاري أو القانوني القضائي في المحامات أو في النزاعات الفردية وماشابه ذلك، إذاً طبيعة علم القانون طبقات ومراتب هذا ناموس.

فحينئذ الطبقة الثانية والثالثة والرابعة والخامسة وغيرها من علم القانون تشريعات، الطبقة الأولی تشريع لكن ما يتم بها كمال التشريع. أساس التشريع برمته موجود في التقنين الدستوري لكن تفاصيل الدستور بشكل تطبيقي وجزئي للموارد والموضوعات يحتاج إلی التشريعات اللاحقة، هذه التشريعات اللاحقة مستمدة ومتولدة ومنطلقة من المرتبة الأولی فالتشريعات اللاحقة نحو تفعيل و إحياء للطبقة الأولی من القوانين الدستورية، وإلا الدستور الذي مافيه القوانين البرلمانية ميت فيصير حيا بالقوانين البرلمانية، نفس القوانين البرلمانية إذا لم تشرع ورائها القوانين فيصير جامدة وميتة. نفس القوانين الوزارية إذا لاتفعّل ورائها قوانين الشعب الإدارية والبلديات تصير جامدة إلی آخر، حتی بعد تشريع الله و تشريع الرسول و تشريع الائمة صلوات الله عليهم دور الفقهاء تفعيل وإحياء قوانين الله وقوانين الرسول و قوانين الايمة وإلا تصير جامدة ومعطلة.

نفس مباشرة الفقهاء والمجتهدين إلی التقنين يكون في سوح الحياة المختلفة والميادين المختلفة وليس إلمانية وإنما دينية تغطي شمولية لكل مجالات الحياة دينية ولايعني ذلك أن البشر ليس لهم دور بل لهم دور و الدين لاينفي دور البشر لكن لايعني أن الدين مزوي في بقعة حتی لو قيل أن المساحات التفصيلية للأحكام العقلائية كثيرة هذا لايعني أن النسبة الأخرى للدين ليست شمولية.

مثلا الدستور قوانينه ليست بعدد قوانين البرلمان بل البرلمان أضعاف القوانين الدستورية والقوانين الوزارية أضعاف القوانين البرلمانية و الدستورية، هذا لايعني القصور في الدستور، طبيعة الدستور بعموميته وشموليته شامل لكل صغيرة وكبيرة وإنما هذه القوانين التفصيلية تفصل و تفسر وتبين، لكن هذا البيان والتفصيل والتفسير ليس تفسيرا لغويا وليس بيانا لغويا وليس إخبار الراوي وحكاية الراوي هذه الحكاية من نمط آخر.

تشريع النبي بيان لتشريع الله لكن ليس بيانا بمعنی إخبار الراوي أو نقل الناقل، هذا البيان بيان علمي أو نسميه تفصيلا علميا وتفسيرا علميا وحيانيا لدنيا لوحي أعلی فيعبر عنه النبي و الأئمة، سيما الأئمة بعد النبي أنهم ترجمان وحي الله لاترجمة لغة إلی لغة.

لنوضح التشريع في الفقيه حتی يصير واضحا ثم نصعد إلی تشريع النبي والائمة عليهم السلام، الفقيه في مدسة أهل البيت وهي مدرسة النص لامدرسة الرأي، ليس معني النص هي اللفظ وهذا اشتباه كبير يقع فيه الأخباريون وكثيرون، المرادمن النص هو الوحي سواء بحور المعاني أو الألفاظ، كل هذه الطبقات تسمی النص. فالفقيه في مدرسة النص لايأتي شيئا من جيبه ومن مقترحاته بل ينظر الضوابط مع بعضها البعض ويوصل النتيجة، يقول هذا حكم الله عزوجل وحكم النبي وحكم الأئمة صلوات الله عليهم. من أين قلت أيها الفقيه هذا حكم الله وحكم النبي وحكم الأئمة؟ «انظروا إلی رجل نظر في حلالنا و حرامنا وعرف أحكامنا فإذا حكم بحكمنا...» نفس هذه الألفاظ التي أفتی بها الفقهاء هذه لم ترد لافي رواية ولافي آية، نفس الألفاظ ماوردت، الجواهر يقال فيه ستين ألف فرعا كما يقال الشرايع فيه اثناعشر ألف فرعا، مع ذلك هذا ليس كل الفقه الموجود في الكتاب والسنة من المعصومين، كثير من الأبحاث مانقحت وبالحاجيات المستجدة للبشر تتلور أبحاث من الفقه موجودة في السنة والقرآن غفل عنها كل طبقات الفقهاء السابقين. الفقه الموجود في القرآن وسنة المعصومين بمثابة الدستور يحتاج إلی البرلمانات إلی يوم القيامة، تستخرج هذه القوانين.

هذا الإستخراج والاستنتاج التي يقوم به الفقه هو الحكاية لكن استنتاج خاضع لتنضيد المعادلات والمعلومات، نظم المعلومات الاستنتاجية وإلا دور الفقيه علی مدرسة النص هو الحاكي والمخبر لاالمخبر مثل الراوي المسجل الصوت بل الفقيه يسجل المعاني ويهندس المعاني. «لولا نفر» يعني الرواية بعد ذلك «ليتفقهوا» لأن النص كله لاينحصر في اللفظ، بحور المعاني لايجدها الراوي يجدها الفقيه الفهيم بسفينة الفهم لابسفينة الأذن، لذلك القران لايكتفي بنفر يعني روی بل يلزم الدراية. فالفقيه حاكٍ ليس حاكي الألفاظ إنما حاكي المعاني، «الله أذن لكم أم علی الله تفترون؟» الفقهاء طيل القرون لم يفتروا علی الله، يقول الفقيه بالله والله هذه الموازين يكون حكم الله وحكم الرسول وحكم الأئمة. أحد الإشكالات السطحية عند حشويي الأخباريين حتی عند بعض الأصوليين هذه الحشوية موجودة في الأخباريين والأصوليين هو ان الفقيه يفتري علی الله. إن الفقيه حاك والمخبر بتعبير الناييني يقول أهل الخبرة إخبارهم حدسي. هذا التعبير منطقي لكن أفضل من هذا التعبير والتعبير الدقيق هو أنه يحكي هندسة المعاني ويحكي المعاني الفقهية في الكلام والتفسير والأخلاق والروح والآداب الشرعية، دورهم حكاية لايعني أنهم ينشأون أحكاما من أنفسهم حتی إنشاء الحكم لبه عبارة عن الحكاية.

هذه البحوث لها ثمرة عظيمة في باب القضاء و باب الإجتهاد والتقليد. الان يقولون حكم الحاكم في الهلال نافذ أو لا؟ سنخه طريقي. لايعني أنه ينشئ شيئا، إنما علی الموازين في الهلال يقول ثبت الهلال. حكم طريقي، في الحقيقة الأحكام القضائية كلها طريقية كما صرح سيد الأنبياء «إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان» هذا الحكم القضائي له دور طريقي، فإذاً دور الفقهاء صحيح أنهم مبينون لكن ليس مثل الرواة بل هم مبينوا هندسة و نظم وتأليف المعادلات حتی يصلون إلی النتيجة، بهذا الاستنتاج ينسبون الأحكام إلی الله ورسوله والأئمة عليهم السلام. الفقيه لايقول رويت بل يقول علمت وفهمت أن هذا الحكم حكم الله وليس كذبا.

فمدار الصدق علی المطابقة وليس علی الصدور أو أن هذا الالفاظ صدرت من الله أو من رسوله. صدور المعاني غير صدور الألفاظ. هذه المعاني ونظام المعاني ومنظومة المعاني وطبقاتها من إنشاء الله ورسوله والأئمة.

مر بنا قبل أسبوع عندنا وثوق في الصدور والوثوق بالمضمون غير خبر الثقة. الصدور إما خبر الثقة أو الوثوق في الصدور الوثوق في الصدور اما خبر الثقة هو الإقتصار علی الصدور صدور الألفاظ مبنی خبر الثقة أو مبنی الوثوق في الصدور، إقتصار بالصدور. أما الوثوق بالمضمون يختلف سنخا عن الوثوق بالصدور، الوثوق بالمضمون يعني المعاني المطابقة للأصول من القرآن وسنة المعصومين محكمات القرآن والسنة، الأصولية الدستورية في القرآن والسنة. الوثوق بالمضمون يعني مطابقة المضمون. فصدور المعاني غير صدور الألفاظ، نص المعاني يختلف عن نص اللفظ. لذلك الفقيه يقول حكم الله وحكم رسوله و حكم الأئمة. فإذاً دور الفقيه طريقي لاالطريقي مثل الراوي.

حديث تدريه يعني تلتقته بفهمك خير من ألف حديث ترويه بلفظك أو عشر أحاديث. يعني حسب قدرة الفهم عند الفقيه بعض الفقهاء يفهم من الحديث مايعادل ألف حديث. بخ بخ ياأيها الفقيه. وفيه فقيه يفهم من الرواية مايعادل ثلاث روايات لفظية أو عشر. حسب درجات قدرة الفهم وجهد الفقيه. فهنا عندما يقال الفقيه مبين لابمعنی الراوي والحاكي للألفاظ بل يحكي نظام ومنظومة المعنی ونتائج المعاني الموجودة بشكل مطوي، نتيجة منطوية. فإذاً تشريع الفقهاء ليس بدعة كما يقوله الحشوي الأخباريين و الأصوليين.

يقولون ماورد النص في الشهادة الثالثة في الأذان ولاالنص في الشهادة الثالثة في الصلوة علی الفرض، الفقيه يحتاج إلی النص المعنوي لاالنص اللفظي. انظر المعاني موجودة أم لا؟ الضوابط موجودة أم لا؟ الموازين موجودة أم لا؟ هذا منهج الفقيه بالفهم يتبصر ويفتي لابسمعه. السمع ضروري لكن لايكفي لابد أن يقترن . «يتلو عليهم آياته ويعلمهم» يتلوا سمع ويعلمهم الفهم. الآيات الكثيرة في القرآن علی إقتران السمع والفهم. فإذاً الإخبار والبيان والطولية، طولية تشريع النبي هذا معناها وللكلام تتمة.