الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/04/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:باب التعارض، تقديم العموم أو الاطلاق الاستغراقي علی البدلي، بيان مبنی الميرزا الناييني وتأييده. دوران الامر بين التخصيص والنسخ

كان الكلام في مبنی الميرزا الناييني من تقديم العموم أو الإطلاق الإستغراقي علی العموم أو الإطلاق البدلي في موارد تعارض الدليلين من وجه. تقدم من الوجوه والإشكالات

الأمس كانت تتمة أن الميرزا الناييني يری أن كل عموم يحتاج إلی الإطلاق من زوايا، طبعا هذا الإطلاق الذي يراه الميرزا الناييني في المدخول قد يسمی الإطلاق الاستعمالي وقد يسمی الاطلاق الدلالي وبالتالي الاطلاق والشمول البدلي يحتاج إلی جريان الإطلاق في المدخول لأنه في دائرة محدودة، بخلاف الاستغراقي، طبيعته الشمولي، من ثم يكون الاستغراقي مستندا إلی قرينة خاصة وهي طبيعة الملاك، مثل المفسدة في الحرمة. بينما الاطلاق البدلي يستند إلی الاطلاق والاطلاق مؤخر عن القرينة الخاصة.

لكن فيه تتمة يمكننا أن نذكرها، لأن هذا التقريب الذي ذكره الناييني قد يخدش فيه فنضيف قرينة أو تتمة أمتن.

القرينة لتقديم الإستغراقي علی البدلي إذا تعارضا في الدليلين تعارضا من وجه: في صدر الكلام كان السيد الخويي أشكل علی الناييني بأن الوجه الأول الذي ذكره الناييني جار في باب التزاحم والحال أنا لسنا في باب التزاحم، في باب التزاحم دائما إذا كان هناك تعارض بين العموم الاستغراقي والعموم البدلي فالإستغراقي يقدم، لماذا؟ لأن الاستغراقي عيني أما البدلي تخييري. فيه مجال للخيارات الأخرى والمجالات الأخرى، فلايزاحم الاستغراقيُ البدليَ. هذا كان الوجه الأول الذي ذكره الناييني.

هذا الوجه أشكل عليه السيد الخويي بأنها من باب التزاحم ونحن في باب التعارض، هذا الإشكال صورة وجية باعتبار أنه في التزاحم الإمتثالي وليس في ما نحن فيه بل ما نحن فيه تعارض في الدلالة و ليس التزاحم الخارجي في الحكمين الجزئيين كي يقدم الاستغراقي علی البدلي.

هذا صحيح ثبوتا ولكن يمكن تمامية الوجه الذي ذكره الناييني: سابقا ذكرنا مبنی القدماء وهذا مبنیً جدا نفيس و له ثمرات كثيرة وهو أن حقيقة التخصيص عند القدماء تختلف عن حقيقة التخصيص عند المتأخرين، حقيقة التخصيص عند القدماء نحو من التزاحم الملاكي و ليس التزاحم الملاكي بالنحو المعهود بل نحو من التزاحم الملاكي بنمط خاص. يعني في الحقيقة في التخصيص عند القدماء الخاص لايكشف عن عدم وجود العام في منطقته، التخصيص عند المتأخري الأعصار هكذا معناه أن الخاص يكشف عن عدم وجود العام في الخاص من رأس في منطقته، أصلا لاوجود له يعني ضيّق تشريعه، يفسر المتاخروا الأعصار أن التخصيص أو التقييد معناهما هذا.

بينما عند المتقدمين، صحيح أن الحكم الإنشائي الرسمي -يعني المفعل، رسمية الحكم الإنشائي غير الحكم الفعلي الإصطلاحي في علم الأصول يعني من جهة إنشائيته هو فعلي لاالفعلي الجزئي بل يعني مفعل إنشائه وتشريعه ليس منسوخا وكذا- في منطقة الخاص الحكم الرسمي هو حكم الخاص أما حكم العام فيقول القدماء أنه ليس أن العام لاوجود له في منطقة الخاص من رأس بل انما حكم العام إقتضائي ومجمد. لاالإقتضائي المعهود في أذهانكم، هذا الإقتضاء في التشريع يعني تشريعه صار مجمدا.

طبعا هذا المبنی الذي يلتزم به القدماء في التخصيص يلتزم به السيد الخويي في معنی النسخ في كتابه البيان، فيه يستعرض ستين أو سبعين في النسخ وكثير من موارده يقول أنها ليس نسخا، هو يرفض النسخ عند المتأخرين إلا أنه يثبت النسخ عند القدماء يعني تجميد المنسوخ.

ربما قبل السيد الخويي رحمه الله موردا واحدا في النسخ بالمعنی عند المتأخري الأعصار، البقية قال بأنها ليست نسخا. مثلا الآية الكريمة في الزانيةٰ ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ ۖ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾[1] هذه الآية منسوخة بالآية الأخرى ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾[2] السيد الخويي لايقبل النسخ فيها، نعم، الان الحكم الفعلي والتشريع الفعلي مأة جلدة لكن الحكم بالحبس ليس منسوخا بل هذا الحكم مجمد لاأنه ليس مشرّعا، كلام السيد الخويي صحيح حسب مبنی النسخ عند جملة من القدماء، جملة من القدماء عندهم النسخ ليس بمعنی انتهاء أمد المصلحة من رأس، كما هو معناه عند المتأخرين. عند القدماء وهذا هو الصحيح معنی النسخ ليس ارتفاع أمد مصلحة التشريع بتاتا، بل إنما هناك استجد تشريع مصلحة أهم وهذه جمدت. مثل الحصورية وهي نسخت بسنة النبي صلی الله علیه واله وكانت من سنن النبي عيسی عليه السلام و قال سيد الرسل صلی الله عليه وآله النكاح سنتي ومن رغب عن سنتي فليس مني أو الآية الشريفة ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾[3] (أول شيء مثنی بعده ثلاث وبعده رباع وان لم تعدلوا فواحدة، المقصود أن التكاثر والتناسل وظيفة استراتيجية علی الفحول. هذا علی كل هي نظرة المشهور) فنسخ الحصورية في شريعة النبي عيسی، مع ذلك سيد الأنبياء و الائمة صلوات الله عليهم قالوا: في آخر الزمان إذا صار كذا وكذا تحل العزوبة يعني الحصورية، هذا مما يدل علی أن النسخ في الشرائع أيضا له معنی التجميد.

الإلمانيون والحداثويون أو الماديون يقولون أن النسخ يكشف عن أن المنسوخ انبطل، علی هذا المبنی عند القدما الشرایع السابقة مثل المرحلة الإبتدائية وبعده تصل المرحلة الوسطی و المرحلة الإعدادية لاأن الإبتدائية باطل بل كانما تطورت و تنامت. ليس يعني أنه ليست فيه مصلحة، المصلحة موجودة لكن مجمدة.

طبعا يسئل انه ماالفرق بين التخصيص والنسخ عند القدماء؟ كلاهما تجميد. القدماء يعتبرون المنسوخ أشد تجميدا من العام المخصص. العام المخصص ليس منسوخا لكنه مجمد لكن المنسوخ أشد تجميدا. كيف أشد تجميدا شرحناه سابقا وبيانه يجتاج إلی بيان المراحل الإنشاء الثلاثة أو الأربعة ولانريد أن ندخل فيه.

إجمالا إذاً عند جملة من القدماء أن التخصيص لايرفع العام من منطقة الخاص من رأس بل يجمد العام لأن العام يدل علی طبيعة عامة ذات مصلحة أو ذات مفسدة بحسب حكم العام وجوبيا أو تحريميا، فهذه الطبيعة هي العام تقتضي الحكم الإلزامي فيجيء الخاص عنده اقتضاء ملاك آخر يتزاحمان تزاحما ملاكيا وتشريعيا، لاالتزاحم الإصطلاحي فيجمد ملاك العام. يصير الخاص هو المحكم.

المهم هذا أصل فكرة التخصيص عند جملة من القدماء والنسخ، إنصافا مبنی جدا قويم سواء في التخصيص أو في النسخ وإن كان النسخ اشد تجميدا من التخصيص. لأن العام مفعل في هذه الشريعة غاية الأمر في دائرة الخاص خصص وجمد فهو أقل تجميدا بخلاف النسخ.

إذا اتضحت هذا المطلب أن التخصيص نوع من التزاحم الملاكي ويعبرون عنه التزاحم الملاكي في مقام التشريع في قبال التزاحم الملاكي الذي ذكره الآخوند في باب إجتماع الأمر والنهي غير التزاحم الإمتثالي فالتزاحم الملاكي في مقام الحكم الجزئي في باب اجتماع الامر والنهي ونعم الإلتزام . التزم به الآغاضياء ورفضه الناييني لكن الصحيح مع آغاضياء والاخوند والعراقي بلوره بكل قوة حتی بعض النخبة من تلاميذ الناييني لم يوافق الناييني في إنكار هذا التزاحم. ذاك التزاحم الملاكي الذي يسميه الاخوند والعراقي ذاك بين الحكمين الجزئيين لكن له معنی آخر أما هنا التزاحم الملاكي باصطلاح آخر في مقام تشريع الأحكام الكلية. فإذاً حقيقة التخصيص عند القدماء شيء مهم والان صار نسيا منسيا مثل مبحث النسخ عند السيد الخويي هو لسانا ينكر النسخ لكن بالدقة ينشط مبنی القدماء في النسخ. فالتخصيص إذاً حقيقته تزاحم ملاكي في التشريع.

إذا صار هذا واضحا فكلام النايني واضح، الحكم الإستغراقي يزاحم الحكم البدلي لكن ليس التزاحم المعهود هذا تزاحم في مقام التشريع فيقدم الإستغراقي علی البدلي حتی في ذلك النمط من التزاحم الملاكي، فإذاً الوجه الذي ذكره الناييني تام بهذه التتمة المسعفة من القدماء. بالتالي إن ملاك الاستغراقي سرياني شمولي وملاك البدلي لايفوت التشريع له، له خيارات أخری. هذه ديدن المشهور تقدم الإستغراقي مطلقا علی البدلي وإن كان الاستغراقي بأداة الإطلاق والبدلي بأداة العموم. لأن الإستغراق ليس متكأ علی الإطلاق ومقدمات الحكمة ودلالته بقرينة خاصة أن الملاك منتشر سريانه مثل المفسدة. هذا تمام الكلام في الدوران بين الإستغراقي والبدلي والحق مع الميزا الناييني أن الاستغراقي يقدم مطلقا.

مبحث دلالي آخر ذكره الأعلام في التعارض.

ضابطة أخری في المعالجة الدلالية ذكرها الأعلام وهي عند الدوران بين النسخ والتخصيص يقدم التخصيص ولايؤول علی النسخ. التخصيص أقل تجميدا من النسخ بخلاف النسخ و الضرورات تقدر بقدرها.

إذاً يبنون الأعلام أنه إذا دار الأمر بين النسخ والتخصيص يبنی علی التخصيص ويذكرون صورتين.:

الصورة الأولی: أن العام صدر أولا من القرآن أو من الروايات وعمل به في أفراده، ربما العام صدر من القرآن أو من سيد الأنبياء أو من الائمة السابقين عليهم السلام ثم يأتي خاص من الإمام الصادق أو الباقر عليهما السلام بعد عشرات سنين. تكون روايات من الامام العسكري عليه السلام خصص كثيرا من الروايات في باب الصلوة و باب الحج حتی المعاملات. فإذا أتی الخاص بعد وقت العمل بالعام، هنا ظاهر صورة الحال أن الخاص يصير ناسخا لأنه في منطقة الخاص عمل بالعام سنين وقرون وبعده أتی الخاص، إذاً الخاص ناسخ للعام في منطقة الخاص لأنه عمل بالعام رسميا، فالمفروض ناسخ.

الأعلام يقولون لانحمل علی النسخ بل نحمل علی التخصيص من الأول ويكشف من الأول أنه مخصص.

طبعا فيه ثمرة: إذا كان ناسخا الأعمال السابقة في زمن العام كان صحيحا أما بناءا علی التخصيص يكشف عن أن عمله في منطقة الخاص طبقا للعام غير صحيح. التخصيص يكشف عن عدم صحة العمل بالعام، أما النسخ يقول العمل بالعام صحيح الآن فما بعد إعمل بالخاص. الثمرة ليست هذه فقط بل الثمرة الثانية أن العام المنسوخ مجمد أزيد من العام المخصص، إذاً سنخا فيه فرق بين النسخ و التخصيص.

الصورة الثانية عكس الصورة الأولی: أول ما صدر هو الخاص، الصدور السابق للخاص وعمل به سنين بعد ذلك يصدر العام فهذا العام أضعف من الخاص أو العام يصير أقوی وينسخ الخاص؟ إن بنينا علی تقديم الخاص و التخصيص فبردا وسلاما، أما إذا بنينا علی تقديم العام ينسخ الخاص ولايقدم الخاص. بل يقدم العام. هنا أيضا يدور الأمر بين النسخ والتخصيص وثمار الصورتين تختلف في كلاالصورتين المشهور بنوا علی التخصيص لاالنسخ. لماذا؟ البحث طويل.


[1] النساء/السورة4، الآية15.
[2] النور/السورة24، الآية2.
[3] النساء/السورة4، الآية3.