41/04/12
الموضوع: باب التعارض، تقدم العموم أو الاطلاق الاستغراقي علی العموم أو الاطلاق البدلي، مدعی الميرزا الناييني و النظر فيه
كان الكلام في تقديم العموم أو الإطلاق الإستغراقي علی العموم أو الإطلاق البدلي ومر أن الميرزا الناييني اعتمد علی الوجهين، الوجه الأول أن الإستغراقي الحكم في كل فرد مستقل عن الآخر، بينما في البدلي يكفي فردما في تحقق الطبيعة فلايتدافع الإستغراقي في مورد الاجتماع. محل البحث تعارض العموم الإستغراقي أو الإطلاق مع العموم أو الإطلاق البدلي من وجه. فهذا الوجه الأول أشكل عليه السيد الخويي بأن هذا من قبيل ضوابط التزاحم وليس من ضوابط التعارض.
الوجه الثاني الذي اعتمده الميرزا الناييني هو أن الاستغراقي دلالته ناجزة بينما البدلي دلالته مقدرة ومعلقة، يعني أن مرتبته مؤخرة ولايزاحم ما رتبته مقدمة أي الاستغراقي. أشكل عليه السيد الخويي وجملة من الأعلام حتی العراقي والإصفهاني بأن البدلي أيضا فيه مفاد الاستغراق، بإعتبار أن في البدلي حكما آخر غير اللزوم والوجوب البدلي، حكما إستغراقيا هو جواز إتيان الطبيعة في أي فرد، هذا الفرد جائز وذاك الفرد جائز وهلم جرا. هذا الاستغراق دلالته ناجزة في قبال الاستغراق في الطرف الآخر.
أضاف السيد الخويي إشكالا آخر وهو أن البدلي دلالته ليس بالإطلاق الدلالي ومقدمات الحكمة بل البدلي دلالته بالإطلاق الذاتي وهو دلالته ناجزة. -مر توضيح أقسام الاطلاق-
هنا في المنتقی يضيف نكتة أخری لدعم كلام الناييني ودفع إشكالات السيد الخويي، وهذه نكتة مهمة بغض النظر عن تطبيقها في المقام. هذه النكتة هي أن المتأخري الأعصار من الأصوليين الشيخ محمد تقي إصفهاني صهر الشيخ جعفر كاشف الغطاء صاحب كتاب هداية المسترشدين ومابعده نبهوا علی أن جملة كثيرة من دلالات الأدلة هي بسبب وناشئة من نمط الملاك. مثلا وجوب تعييني أو وجوب تخييري أو وجوب كفايي أو عيني أو غيري أو نفسي، سابقا البلاغيون كانوا يعتبرونها مشتركا لفظيا لکنه أخیرا في تحقیات علم الأصول قالوا: إن هذه الأقسام بالدقة خارجة عن دلالة الهیئة والموضوع له هیئة الوجوب، بل هذه المعانی كلها ناشئة من قرائن هي من ملاك الحكم ونمط ملاك الحكم. نمط الوجوب الغيري غير النفسي والتخييري غير التعييني و العيني غير الكفايي وهلم جرا.
قرائن دالة علی أن هذا الحكم ملاكه عيني أو قرائن دالة علی أن هذا الحكم تعييني أو ماشابه ذلك، هذه اقرائن المرتبطة بنمط الملاك هي التي تعطينا قوالب أقسام الحكم والوجوب، فالهيئة لم تستعمل لا في العيني ولا في الكفايي و لا في الغيري وهلم جرا بل أستعمل في معنی واحد وهو الطلب والقرائن الأخری تنضم إليه تشكّل الطلب من باب تعدد الدال وتعدد المدلول، لا من باب المجاز أو أن الهيئة مشترك لفظي.
مثلا حتی الإستحباب عند المتأخري الأعصار من الأصوليين، أنه والوجوب ليست دلالة وضعية في هيئة الطلب أو الكراهة والحرمة في هيئة النهي بل إنما هي قرينة عقلية، الطلب بدون الترخيص ينتزع العقل منه الوجوب والطلب مع الترخيص ينتزع منه العقل الإستحباب فالإستحباب والوجوب معنی عقلي ينتزعه العقل ويحكمه العقل بنتيجة القرائن لا أن هيئة الطلب موضوعه الإستحباب أو الوجوب بل هي موضوعة لمعنی واحد، هذه القوالب والحدود تستفاد من أمر وراء ذلك.
كذلك هنا في المقام، البدلية والإستغراقية والمجموعية أنواع من العموم، هناك بعض الأدوات موضوعة لغةً لبعض أنماط العموم وكثيرة من الأدوات ليست موضوعة للعموم، حتی اللفظ الموضوع للعموم موضوع للسريان والشمولية أما الشمولية الاستغراقية أو البدلية أو المجموعية أو إذا لم تكن في البين وضع أداة العموم فالعموم تستفاد من القرائن العقلية للملاك، أن الشارع في صلوة الظهر يريد فردا من طبيعة صلوة الظهر لاكلها إستغراقا، طبيعة الوجوب يكفي في مصلحته صرف وجوده إلا أن تأتي قرينة علی إنه إستغراقي، بخلاف المفسدة فطبيعة الإستغراق في النهي طبيعة الملاك بنحو قالب النهي أو الحرمة الملاك فيه إستغراقي بخلاف الوجوب. بالتالي هذه البدلية في الوجوب أو الإستغراقية في الحرمة هذه الأمور تستفاد من قرائن خارجة عن المعنی الوضعي، قرائن ناشئة من الملاك.
إذا تتم هذه المقدمة يلتفت إلی أن الإستغراق ناشئ من نفس الملاك وهو قرينة ناجزة و ليست معلقة، وهي قرينة إستعمالية، بخلاف البدلي -نبه عليه في مكانه- أنه يستعين بمقدمات الحكمة وهي قرينة جدية. القرينة التي تكون إستعمالية أو تفهيمية مقدمة علی القرينة التي تكون في مرتبة الدلالة الجدية لأن مقدمات الحكمة من قرائن الجد، فمن ثم يقدم العموم أو الإطلاق الإستغراقي علی العموم أو الإطلاق البدلي لأن البدلي يستعين بمقدمات الحكمة.
علی هذا الوحه الذي بنی عليه في المنتقی يتبين أن الإستغراقي -مع التوضيح التي سيأتي- مطلقا يقدم علی البدلي سواء الإستغراقي بالإطلاق أو العموم يقدم علی البدلي ولو كان بالعموم. كيف، سنبين أكثر.
توضيح أكثر ربما ذكرت في المنتقی تتمة لهذا الدفاع للميرزا الناييني: تبنی الميرزا الناييني خلافا للشيخ الانصاري والآخوند والكمباني حتی السيد الخويي خالف أستاذه الناييني؛ تبنی علی نقطة أو ضابطة في الدلالة تستثمر في المقام. هذه الضابطة هي أن أدوات العموم الموضوعة للعموم مثل الكل وأيّ، هذه الأدوات للعموم لاتكفي بمفردها للدلالة علی العموم والشمول.
هذا مبنی حساس عند الناييني بغض النظر عن المقام. أدوات العموم (كل أي وصيغ الجمع) لاتكفي في دلالتها علی الشمول بل تحتاج إلی ضميمة الإطلاق الحاصلة من مقدمات الحكمية. يستشهد ويقول: لاحظ أنت لمّا تقول: أكرم كل عالم أو نفس العبارة الواردة في النصوص «انظروا إلی رجل نظر في حلالنا وحرامنا» نظر يعني تدرس وتفكر واجتهد وتفقه «وعرف أحكامنا فاجعلوها حاكما» أو فقيها أو مفتيا أو قاضيا «فإني جعلته عليكم حاكما». لاحظ إذا قلنا أن التنوين للتنكير من أدوات العموم «أنظروا إلی رجل» مع أن الرجل سعته الذاتية يعني كل رجل، لكن قيد الإمام بالنظر في حلالنا وحرامنا وبعده بقيد آخر عرفان أحكامنا، أو مثل النص الآخر «أما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه مخالفا لهواه» عدة قيود، هذه القيود لمّا تأتي هل تنافي ذات العموم؟ لاتنافيه.
أكرم كل عالم وعادل مدبر ومدير، كل قيد لايتنافي مع الكل، حيث أن القيود المتصلة مهما أتيت بها لاتتدافع ولاتتنافی مع العموم الوضعي الذي يؤتی في الكلام، هذا دليل علی أن أداة العموم إنما هو استعملت أو موضوعه لتعميم وسريان مدخولها.
إذاً ماذا مدخولها؟ هل المدخول «رجل» فقط أو «رجل نظر في حلالنا وحرامنا»؟ هل الفقيه أو الفقيه الصائن لنفسه ؟ هذا يستفاد من مقدمات الحكمة بالإطلاق إذا شككت.
فنلاحظ حسب دعوی الميرزا الناييني يسبقها في الرتبة، يعني داخلة علی لفظة فيها إطلاق ذاتي لفظة واحدة أو ثلاث أو جملة ، فمدخولها مقدم رتبة عليها، كيف تحدد أنت نطاق مدخولها؟ بمقدمات الحكمة لابالأداة . فلابد أن تجري مقدمات الحكمة والإطلاق في مدخول أداة العموم ثم تركب مفاد العموم مدخولها مع العموم.
هذا دليل من الناييني علی أن ذات العموم لاتغني عن الإطلاق، طبعا من زاوية أخری غير زاوية المدخول وهي في رتبة سابقة علی دخول أداة العموم. سؤال يطرح الناييني علی نفسه إذاً ماذا دور أداة العموم؟ يقول بعد ماتحدد المدخول، أداة العموم يقول هذا المدخول سارٍ في أفراده. السريان هو بتوسط أداة العموم.
نوضح أكثر: كاأما الناييني يقول أولا لاحظ أنه ماهو تنظير القالب؟ ثم النظر بالقالب بالنظرة الآلية، أولا فيه النظرة الذاتية، هو في نفسه كيف قالبه، هو رجل أو هو رجل نظر في حلالنا وحرامنا؟ «أما من كان من الفقهاء» الفقهاء صيغة الجمع، كل الفقهاء أو صائنا لنفسه ومخالفا لهواه؟ بعد ماتحدد تنظير القالب بالنظرة الذاتية إذاً أنظر به بالنظرة الآلية للأفراد بأداة العموم لتنظر به النظرة الآلية.
بعبارة أخری: هذا المبنی كيف يستثمر في المقام؟ هذا طبعا بيان آخر، أصل فكرته الكبروية تقريبا يدقق فيها الأصوليون. الدليل ومفاد الدليل فيه زوايا للسعة والضيق أو الإطلاق والتقييد أو قل العموم والخصوص. الإطلاق الزماني والإطلاق الأفرادي أو الإطلاق الأحوالي أو الإطلاق الحيثي. هذه غير الإطلاقات الخمسة التي مرت بنا في الجلسة السابقة، يعني زوايا أخری في المفاد وقالب المفاد تجري فيه في السعة. ليس فقط خمسة إطلاقات زوايا عديدة من السعة والضيق في المفاد. فأي مكان أتی أداة العموم بدل الإطلاق يستغنی من مقدمات الحكمة وإذا ماأتی نستعين بمقدمات الحكمة.
الميرزا الناييني يقول في التنظير والحمل الأولي لمفاد الدليل تحتاج إلی مقدمات الحكمة. ما فيه أداة العموم، إن ذات العموم موضوعة للسعة والشمولية لافي الحمل الأولي وفي التنظير الذاتي للمفاد بل للسريان الآلي في الأفراد. هذه نكتة دقيقة في علم المعاني، أحد أبواب علم المعاني التي يبحثها علماء علم المعاني أدواة العموم والخصوص ويبحثون عن أدواة العموم و معنی أدواة العموم فمحصل مبني الميرزا الناييني يستثمر في المقام لكن أصل مبنی أن أدواة العموم لاتغنينا عن الإطلاق ليس معناه أنها لاتغنينا عن الإطلاق في نفس المورد الذي يدله العموم وذات العموم، بل في زاوية أخری ليس فيها أداة العموم فنحتاج الإطلاق ومقدمات الحكمة. لأن زوايا المفاد عديدة وليست واحدة.
مثل ما مرت بنا من مراحل الحكم، فإنها مثال وتبيان لما ادعی الميرزا الناييني في المبنی الثاني الكلي. أنت إذا لاحظت الحكم الإنشائي، تقول وجوب الصلوة ضرورة في الدين ووجوب الحج في العمر مرة ضرورة في الدين. أيّ وجوب تصفه بأنه ضرورة والمنكر له كافر؟ أيّ وجوب؟ يعني الحمل الأولي للوجوب لاالحمل الآلي والشايع. ربما الفقير طول عمره لايستطيع للحج. بينما وجوب الحج مرة في العمر ضرورة في الإسلام، هذا الوصف يكون للوجوب المدون في لوح الشريعة وما له ربط بالانحلال التطبيقي علی المكلفين. إذاً النظرة للحكم نظرة ذاتية بما هو مدون في لوح الشريعة، لكن فيه نظرة يقول زيد يجب عليه و القاسم يجب عليه وهلم جرا هذا نظرة إنحلالية.
الميرزا الناييني يقول: كلّ أيّ وصيغ الجمع موضوعة للسريان والشمولية في النظرة الآلية للحكم أو مفاد الألفاظ و ليس موضوعة للسعة والشمولية في نفس النظرة الذاتية بالحمل الأولي لمفاد الكلام، لدليل أنك تقول كل عالم عادل، تجيء بالقيود، لكن الكل ما تتأثر و لامنافاة للكل، هذا دليل علی أن الكل أصل معناها ليس لطرد قيد العادل أو غيره. بعد ما تحدد مدخول الكل تنظر به المصاديق بالإنحلال.
بالتالي هذا المبنی للميرزا الناييني أن أدواة العموم وضعا وضعت للشمولية للأفراد لاالسعة والقوالب الذاتية للأفراد بالحمل الأولي، هذه النكتة مهمة. صحيح أو لا، بحث آخر لكن أصل إثارته مهمة. مر بنا أن الإطلاق و الضيق له زوايا عديدة. إذا تم هذا المبنی الثاني بغض النظر عن بحث الإستغراقي والبدلي وبغض النظر عن بحث التعارض بل بنفسه مبحث خطير وحساس أن العموم يحتاج إلی الإطلاق و لايكفي بمفرده لأن الحيثيات مختلفة. تكون عبارة يقولون في الأصول والفقه أن الحيثيات في علم القانون ناموس، يعني إذا لاتدقق في الحيثيات يخلط الأول بالآخر، الحيثيات لازم أن تفرض بعضها عن البعض. فهنا الميرزا الناييني يدعي أن أداة العموم تجري في حيثية غير حيثية تحتاج إلی الإطلاق، نعم لو لم تكن أداة العموم نحتاج إلی الإطلاق الذي يجري في الذاتيات و الذي يجري في الآليات. حينئذ في الإستغراقي يقول لايحتاج إلی مقدمات الحكمة هو قرينة إستغراقي نفسها يدل علی السريان والشمول، بخلاف البدلي هو يحتاج إلی مقدمات الحكمة، هذا المقدار نكتفي اليوم به والكلام يحتاج إلی التتمة.
نقرب كلام الناييني بتقريب آخر لعله يسعف مدعاه غير ماذكره صاحب المنتقی.