الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/03/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب التعارض، انقلاب النسبة، تتمة الصورة الثانية و بيان الصورة الثالثة.

وصلنا إلی تتمة في الصورة الثانية. استشهد السيد الخويي بأن السبق الزماني في المخصص ليس له دور، لأنه لو تأخر المخصص عن العمل بالعام وسبق العام في نفس منطقة الخاص، ذكروا في بحث العام و الخاص أن الخاص الذي يأتي متأخرا لايعد ناسخا بل يعد مخصصا. طبعا لابنحو دائمي بل يعني مجرد تأخره عن العمل لايوجب النسخ مع أن العمل وظيفة فعلية وكان الحكم فعليا ومحل حاجة وعُمل بالعام وانقضی الوقت ويأتي الخاص بعد عقود من السنين مع ذلك لم يحملوا هذا الخاص في منطقة الخاص علی النسخ، طبعا في مورد لم يكن هناك شاهد علی النسخ، مجرد دوران المخصص المتأخر بعد العمل بالعام في منطقة الخاص إذا دار أمره بين النسخ و التخصيص لايحملونه علی النسخ بل الغالب يرجحون التخصيص لقاعدة اعتمد عليها السيد الخويي أن الأئمة بمثابة متكلم واحد.

لذلك لايقبل السيد الخويي أن الاسبقية الزمانية لها تقدم في العلاج بين الخاص السابق مع العام ثم تأتي المخصص المتاخر. هذا كان استدلال السيد الخويي. لكن مر بنا في جواب السيد الخويي ولانعيده فقط نقول: حمل التخصيص علی النسخ ليس بشاهد للسيد الخويي، نعم، هذه قاعدة متينة لكن أنهم عليهم السلام عندهم تدريج في البيان و نلتزم به، هذا التدريج في البيان لاينافي أن النطق له دخل في التشريع الفعلي، التدريج في البيان له دخل في فعلية التشريع.

غاية ما يثبت أن العام الذي عمل به في منطقة الخاص قبل مجيء الخاص كان حكما ظاهريا لاأنه حكم واقعي عمل به ونسخ. الحكم الظاهري فعلي في حق المكلف أو قل الحكم الفعلي الظاهري هو العام لاالخاص لأنه هو الذي أبرز وعمل به. هذا لايلزم أن التقديم والتأخير ليس له أي دور كما في زعم السيد الخويي رحمه الله، غاية الأمر أنه في منطقة الخاص قبل مجيئه مع وجود العام، الحكم الفعلي الظاهري هو العام. هذا يوافق مع ما نحن في صدده. التشريع الظاهري هو العام.

مثلا في الإجازة في الفضولي، بعد شهر أو أشهر بعد البيع، سبعة أقوال رئيسية لكن تقريبا أحسن الأقوال وتابعنا الاعلام فيه أن الإجازة بالانقلاب ويسمونه الكشف البرزخي، بين القول بالكشف الحقيقي و القول بالنقل أقوال كثيرة، هذه ظاهرة قانونية يستفيد منها الفقهاء في أبواب كثيرة، الإجازة متأخرة لكن هذه الإجازة المتأخرة تتعلق بالبيع المتقدم، تعلقها متأخرة أيضا لكن تتعلق بالبيع في زمان صدوره، هذا التصوير يسمونه البرزخي لاهو النقل ولاهو الكشف، يترتب عليه الآثار. الإجازة الان حدثت والأن تتعلق بالبيع السابق، حدوثها الان و تعلقها الان لكن متعلقها سابق، إذا تريد آثار المتعلق فسابق و إذا تريد آثار الاجازة فالان صدرت، بعض الأحكام هكذا طبيعتها، شبيه الشرط المتاخر في الوجوب والواجب، هو المتأخر لكن يتعلق بالمتقدم، غسل المستحاضة الكثيرة ليليا شرط متأخر في صحة الصوم السابق جماعة بنوا عليه. تصوير إمكانه موجود.

ذكرت هذا البحث لأن العام الان هو فعلي قبل مجيء الخاص في حق المكلف هذا الخاص متأخر لكن يتعلق بشيء متقدم فمن جهة الحكم الفعلي الظاهري العام فعلي قبل مجيء الخاص. واقعا الحكم الظاهري في حقه هو العام وانما لخاص يكشف عن الثبوت لكن مجيئه بعده. شبيه ظاهرة الاجازة. علی أية حال هذا المقدار لاينفي دور التاخر. لازم نوازن بين الجهات. يمكن أن يكون شيء متأخرا متعلقا بشيء متقدم. حيثيات تختلف بعضها عن البعض. شرط متأخر و تعلقه متأخر لكن متعلقه متقدم. بهذا المقدار نجمع بين التقدم والتأخر. في الأحكام القانونية يجب أن تأخذ الحيثيات بتعبير الأعلام الشيء القوامي بقدرها.

الكلام هو، أليس يعتقدون الأعلام بأن البيان تدريجي؟ جيد، فهذا البيان أول عام ثم بيّن خاصا ثم بين خاصا ثانيا، تعويلا علی ما قد انجز من البيان يأتي البيان الثالث لا أن هذين البيان الثاني والثالث يردان علی البيان الأول في رتبة واحدة.، هذا لايمكن تصويرها، يعني ماقاله السيد الخويي من أنه لادور للاسبقية الزمانية لايمكن مساعدتها، يعني ذهنية المكلفين والمتشرعة مع البيان التلفيقي العام مع الخاص المتقدم ثم هذا الخاص الثاني يأتي في هذه الذهنية وهذا الجو، بمثابة القرينة الحالية، لاأن السبق ليس له أي دور، كما يدعي السيد الخويي رحمه الله. نعم، ليس له دور بلحاظ الدوران بين النسخ و التخصيص و بلحاظ الحجية النهائية، الكل لازم الدخيل في العام، نعم، لكن ليس برتبة واحدة بل لابد من مراعاة الرتب، مثل تقدم العام والخاص مع أنه من متكلم واحد.

الصورة الثالة من الحالة الأولی: عام واحد والمخصصات، يأتي عام ثم يأتي خاص ثم يأتي خاص آخر، هذا الخاص الآخر أخص مطلقا. يعني عندنا عام وعندنا خاص ليس ضيقا ثم يأتينا خاص أخص من الخاص مطلقا، مثلا أكرم المؤمن ثم يأتي الدليل لاتكرم المؤمن الفاسق ثم يأتي الدليل يقول: لاتكرم شارب الخمر، شارب الخمر اخص من المؤمن الفاسق.

ليس بضروري أن يكون بين الثلاثة تعارضا لكن لوافترضنا التعارض حتی غير التعارض لما مر بنا أن انقلاب النسبة أعم من وجود التعارض وغير التعارض، مر بنا أنه قد يجري انقلاب النسبة ويولد التعارض، فهنا هذه الثلاثة سواء تكون التعارض أولا، هل نراعي الخاص الوسيع والخاص الضيق أو نراعي الخاص الضيق ثم نراعي الخاص الوسيع. إذا راعينا الخاص الضيق أولا ستنقلب النسبة بين العام و الخاص الوسيق إلی العموم والخصوص من وجه فسيحدث تعارضا وإذا راعينا معا قدلايحدث التعارض و قديحدث التعارض فلازم أن نشوف ماذا الحل.

المهم السوال المطروح علی نظرية انقلاب النسبة هنا هل الخاص الوسيع مع الخاص الضيق هما في رتبة واحدة بغض النظر عن السبق واللحوق أم لا؟ هنا أيضا الأعلام الميرزا الناييني والعراقي وبقية الأعلام عدا السيد الخويي قالوا يراعی الأخص، الخاص الضيق ثم تلاحظ النسبة مع العام، قد تكون حينئذ من وجه وقد تكون تباينا، فإذاً رفضوا هؤلاء الأعلام أن يكون الخاص الضيق في رتبة الخاص الوسيع في ملاحظته و مناسبته مع العام.

السيد الخويي يقول في رتبة واحدة فيصير تعارضا. طبعا حتی معالجة التعارض فيه اختلاف بين الأعلام وبين السيد الخويي، السيد الخويي في رتبة واحدة يعتبرهم و بقية الاعلام يعتبرونها أن الخاص رتبته غير العام يجب معالجة المشكلة بين الأدلة الخاصة ثم تأتي النوبة بالأدلة العامة. حتی علی مبنی التعارض فيه اختلاف.

ما هو دليل الأعلام؟ لماذا يقدمون الخاص الضيق ثم الخاص الوسيع في معالجته مع العام؟

بين القوسين قبل أن ندخل في الدليل نذكر نكتة سبق ذكرها لكن ننبه به: مايذكره الأعلام في صور انقلاب النسبة ليس من الضروري أن تكون القرينة التي ذكروها في الصورة أن لايجتمع مع قرينة أخری، مثلا السبق الزماني وقطعية المخصص إذا اجتمع في صورة واحدة يحتاج إلی ماهر كي تؤلف بين هذه الشواهد. كيف توازن و ترجح بين الشواهد يعتمد علی المهارة، يعني هذه الصور المعقدة قد تتركب بتركيب معقد. هذه نقطة أساسية ذكرناه في المقدمات.

نرجع: ما الدليل الذي استند إليه الأعلام في تقديم الخاص الضيق علی الخاص الوسيع؟ قالوا: إذا جعلنا الخاص الوسيع والخاص الضيق في رتبة واحدة، الخاص الضيق يكون لغوا ولاأثر له، فحفظا من لغوية الخاص الضيق نقدمها في التخصيص بعد ذلك، تصل النوبة إلی الخاص الوسيع.

أشكل علی ذلك بأن الخاص الضيق قد تكون تأكيدا لأهمية هذا الخاص الضيق في قبال أفراده الأخرى إما لأنه خفي أو لأنه أهم في الرعاية أو غيرهما، فصدور الخاص الضيق لايعول إلی اللغوية مع الخاص الوسيع. هذه نكتة مهمة في الأدلة الخاصة، أن الشارع و علم القانون عنده روية بأنه قديكون أصل الخاص لالخصوصية فيه انما أصل الخاص للتاكيد علی اندراجها في الخاص الأخر الأوسع منه إما لأهميته أو لأسباب معينة أخری تستدعي بيان الخاص بهذا الضيق، لاأن التخصيص والتشريع ضيق به، فهنا حاجة بيانية وليست حاجة في الجعل. شأن بياني و ليس شانا تشريعيا.

علی أية حال، كيف نعتمد إذاً علی تقديم الخاص الضيق علی الخاص الأوسع في ملاحظته مع العام؟ نحن نفصل: إما يكون الخاص الضيق يقيني الصدور فحينئذ يكون الواقع علی طبقه وهذه قرينة ترجيحه علی الخاص الوسيع في ملاحظة العام. فهذه مراعاة التخصيص مع الخاص الضيق ثم تأتي النوبة إلی الخاص الوسيع أو لكون أن الخاص الوسيع هو مبتلی بالتعارض مع العام لأنه يخصص أغلب أفراد العام، إذا يخصص أفراد العام يصير مستهجنا أو كالمستهجن يعني غالب أفراده يأخذه. مثلا ثلثي أفراده يخرجها فإذاً التعبير بالعام بلحاظ الثلث لامعنی له، ليس فصيحا. أو حتی إذا ليس ثلثي بل كان نصفا أو ثلاثة أخماس يعني العام يخرج منه ثلاثةأخماس و يبقي ثلثين، فلماذا لايعبر من الأول بالثلثين، دائما العام نصبيه أكثر من الخاص. في مثل هذه الموارد يحدث تعارض بين العام والخاص الوسيع وإذا حدث التعارض هما في نفسهما كالمتعارضين وليسا عاما وخاصا. الخاص الضيق القدر المتيقن ويقدم ويعالج النسبة بين العام والخاص الوسيع. هذا إتمام الكلام في الحالة الأولی والصورة الثالثة.

هذا ليس تخيلا نظريا بل محل ابتلاء يومي في أبواب الفقه، أحد مراحل الإستنباط هو أن تضبط هذه الزوايا والمقاسات. لها دور في أدوار البناء.

الحالة الثانية من العمومات، هو أن يكون في البين عامين من وجه، الحالة الأولی كانت عام واحد والحالة الثالثة العامان متباينان. الحالة الثانية أيضا لها ثلاث صور بلحاظ المخصصات. طبعا هذه حالات مركبة تعتبر بلحاظ باب العام والخاص وقد يجيئك تعقيد أكثر من الحالات الثلاث. أنت إذا ضبطت الحالات الثلاث تقدر أن تضبط الحالة المعقد. هذه خلاصة البحث ولازم أن تحفظها.