الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/03/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب التعارض، انقلاب النسبة، مراتب العموم واصالة التشريعات العامة في التشريعات الخاصة

كنا في صدد استعراض انقلاب النسبة في ثلاث صور رئيسية و هذه الصور الثلاث تنقسم إلی صور ثلاث.

كانت نكتة هناك قدمناها استحصلها المتأخرون هي أن العمومات مراتب أو الخصوصات مراتب وأن العموم امتيازه ثبوتي وأن الخصوص امتيازه إثباتي. من هذه النقطة يستفيد الشيخ جعفر كاشف الغطاء امتيازا ثبوتيا للعموم أنه أصل التشريع والخصوص أقوی من ناحية الإثبات والكاشفية وليس هو أصل في التشريع. هذا الخلط حصل الان في الأذهان أن قوة الدليل الخاص كأنما هو في التشريع وهو أمتن تشريعا والحال أنه ليس كذلك بل الأكثر أصالة و تأصيلا و قواعديا هو العموم و كلما ازداد درجة العموم كان بنيويته و اسسيته في التشريع أكثر لاالعكس. فثبوتا هكذا وإن كان إثباتا أمر آخر. هذا التمييز في كثير من الأبحاث العلمية كأنما صار مغفولا عنه و هذا خطأ و خطر. أصل التشريع هو العمومات ثبوتا

جيد أن نذكر كلام الشيخ جعفر كاشف الغطاء و وافقه صاحب الجواهر يؤكد هذه النقطة، أن ثبوتا العموم أو درجات العموم كلما تتصاعد هي متأصلة في التشريع ثبوتا. أولا نذكر مدعی كاشف الغطاء، ذكر في بحث تشهد الصلوة جملة من المستحبات عنده لم تتم دليلها الخاص لكنه استقرب ندبيتها بنحو الخصوص بالعمومات.

عندنا جزء عام و فيه جزء خاص. و عندنا استحباب عام و عندنا جزء عام. مثلا كلما سمع السامع ذكر النبي صلی الله عليه و آله يستحب أن يصلي عليه، هذا استحباب عام وغير مرتبط بالصلوة لكن هناك نصوص تقول هذا الإستحباب العام ينفذ حتی في الصلوة. هذا الاستحباب لايقف أمامه لاصلوة و لاغير الصلوة. شبيه رد السلام الواجب سواء كنت داخل الصلوة أو خارج الصلوة. هذا الوجوب عام «إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها» هذا الوجوب لايقيدها الإشتغال بالصلوة. هذا الوجوب عام عمومه يشمل كل حالات و منه الصلوة. كذلك عند سماع ذكر النبي استحباب الصلوة عليه لايقف أمامه الإشتغال بالصلوة هذا الوجه للصلوة علی النبي يسمونه الإستحباب العام. اذا نقيسه صناعيا بالصلوة. لكن الإستحباب الوارد أو الامر الوارد بالصلوة علی النبي في التشهد هذا يعبر عنه الجزء الخاص. هناك جزء عام في الصلوة و عندنا إستحباب عام و عندنا جزء خاص.

الجزء العام مثلا عندنا نص وارد كلما ذكرت الله و ذكرت النبي في الصلوة فهو من الصلوة. هذا يختلف عن الإستحباب العام و يختلف عن الجزء الخاص الوجوبي أو الإستحبابي لكنه جزء عام في الصلوة. عندنا ثلاث قوالب صناعية. إستحاب عام و جزء عام و جزء خاص.

هذه الصياغات صناعيا مختلفة للعمل العبادي و عندنا شعيرة و عندنا المشخصات الفردية الصياغات الأخرى ست صياغات صناعية و لانريد أن ندخل فيها.

الكلام في هذا المطلب أن الشيخ جعفر كاشف الغطاء في تشهد الصلوة يقول: أفتی جملة من الأصحاب بكذا و كذا في تشهد الصلوة، لكن أنا ماوقفت علی النص الخاص فيها فيأتي به من باب الإستحباب العام أو الجزء العام. لكن لايأتي بها من باب الجزء الخاص. قصد الخصوصية يحتاج إلی قصد امر وارد خاص يعبرون عنها قصد الورود. في خمس مستحبات في تشهد الصلوة يقول لم يتم عندي نص خاص فيه ولو ضعيف فيأتي بها من باب الإستحباب العام أما القصد بالجزئية من أين؟

هنا يفذلك توجيها خاصا يقول: نعم يمكن دعوی أن العمومات يستفاد منها الخصوص، نفس العمومات يستفاد منها الدليل الخاص. و يستفاد منها الخصوصية. صاحب الجواهر في كتاب الصلوة في الأذان و الإقامة بنفس الوجه اعتمد وقال: لولا مخالفة المشهور لكان العمومات الواردة في الشهادة الثالثة أنها تقرن بالشهادتين هي بنفسها دالة علی الجزئية. هذه العبارة مأخوذة من الشيخ جعفر كاشف الغطاء. الكلام في توجيه كلام الشيخ كاشف الغطاء أن العمومات كيف يدل علی الخصوصيات؟

توجيهها باعتبار ان بحثنا في انقلاب النسبة وهو يقوم به الأدلة الخاصة عمدتا. إثباتا مر بنا أن الدليل الخاص أقوی من الدليل العام لكن ثبوتا بالعكس الدليل العام أقوی من الدليل الخاص يعني أساس مشروعية الدليل الخاص متولدة من الدليل العام. فهذا الخاص تشريعه من أين أتی؟ بغض النظر عن من له ولاية التشريع الله عزوجل و النبي و الأئمة بشكل طولي. ليس كلامنا في معرفة من له صلاحية التشريع بل كلامنا في فهم تشريع الخاص، من أين أتی؟ يعني يصلح بالنسبة إلی من ليس له صلاحية التشريع لكي يوازن و يقارن بين الأدلة مراتب الخصوص و مراتب العموم. فتشريع الخاص من أين أتی؟

اذا كان تشريع الخاص آتيا من منظومة غير العمومات إذاً هذه العمومات ناقصة. شبيه ما مر بنا، أن البرلمان إذا يقنن القوانين الخاصة خارجة عن منظومة الدستور إذاً هذا الدستور فيه نقص. و ليس لهم أن يشرعوا القوانين الخاصة وراء الأصول الدستورية. حسب علم القانون، كما أن مجلس الوزراء أو البلديات في لغة القانون في العالم ليس لهم أن يقننوا شيئا من خارج منظومة الدستور أو منظومة البرلمان. فمن أين أتوا بالخصوصات؟

الولاية التشريعية للوزرا دون البرلمان كما أن الولاية التشريعية للبرلمان دون الدستور يعني تابع. بحسب علم القانون البرلمانيون تابعون للدستور و الوزراء دون البرلمانيين. دون يعني تابعون. النبي تابع لله و ليس كفوا و لاندا له، فمن أين أتی النبي بالتشريعات الخاصة؟ أتت من التشريعات العامة. أو الأئمة تابعون لله و للرسول. ههنا يأتي تفسير الشيخ كاشف الغطاء. بالدقة هذه الخصوصات مستلة من خليط العمومات من امتزاج العمومات فيتولد هذا الخاص فننظر إلی هذا الخاص أخص من العام الواحد لكن هو بالدقة معجون ممتزج من توازن العمومات الفوقية هي تنظم عموما آخر. نوع من التقديم و التأخير بين نفس العمومات فحقيقة الخاص و تشريع الخاص هو عبارة عن امتزاج العمومات وفي نقطة الإمتزاج يخصص أحد العمومات. مقدم عليها. فعلی هذا التفسير يذكره كاشف الغطاء أن الخصوص بالدقة من مواليد نفس العمومات لا أنه أتی به من خارج منظومة العمومات، نعم هو من خارج دائرة هذا العموم الذي خصصه لكنه انطلق و انتشأ من العمومات الأخرى لا أنه براني و طارئ واجنبي تماما. من ثم الخاص ومراتب الخصوص بالدقة هي فروع لأصول تشريع العمومات هذه الفروع تولدت من تزويج العمومات.

فالحقيقة الثبوتية التشريعية للدليل الخاص أنها متولدة وناشئة من العمومات لاأنه شيء أجنبي.نعم هو أجنبي عن هذا العام المخصص ولكنه منطلق و متولد من العمومات الأخرى، لذلك يقول الشيخ إذا الفقيه تمت عنده الموازين يمكنه أن يفتي بالدليل الخاص من دون وجود الدليل الخاص إعتمادا علی العمومات.

يقول زيارة الأربعين مستحبة بالخصوص استنادا إلی العمومات. لو افترضنا جدلا ( والا الأدلة الخاصة موجودة) ان الدليل الخاص ماموجود مع ذلك العمومات من المعصومين والقرآن تثبت الإستحباب الخاص لزيارة الأربعين.

أذكر مثالا بعيدا صناعيا. السيد محسن الحكيم لم يستبعد وجوب الشهادة الثالثة في الأذان و الإقامة مع أنه حسب مبناه وعشرات من الفقهاء سبعين سنة قبل يرون ما فيه دليل خاص علی الشهادة الثالثة في الاذان و الإقامة. الدليل الخاص ليس موجودا. لاعلي الجزئية العامة و لاعلي الجزئية الخاصة. مع ذلك السيد في المستمسك و مال إليه السيد الخويي قال بأنه واجبة في الأذان و الإقامة من باب الشعيرة. لأنها الشعيرة للايمان و تركها مخل بهوية الايمان. لاحظ النكتة أنهم لاحظوا العمومات الأخرى عمومات الشعائر وركبوها مع العمومات الأخرى استفاد منها الدليل الخاص علی ايجاب الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة. قاعدة الشعائر ليس دليلا ثانويا. موضوعه ثانوي لكن محموله أولي، مثل النذر موضوعه ثانوي لكن محموله اولي و ليس من قبيل الإضطرار و النسيان. هذا تقريب امتزاج العمومات مع العمومات.

نرجع إلی كلام الشيخ كاشف الغطاء وصاحب الجواهر. هذا المنطق صحيح إذا لم يكن الرسول صلی الله عليه و آله ندا لله عزوجل في التشريع ،كثير ممن أراد أن يستشكل في تشريع النبي صلی الله عليه وآله يقول إن الحكم إلا لله، كيف يصير النبي مشرعا؟ ليس معنی ولاية التشريع للنبي أن يكون النبي في عرض ولاية الله بل في طوله يعني أي دليل خاص و أمر خاص يأمر به النبي بالدقة تولد من العمومات الإلهية و الربانية فريضة من الله أو تشريعا من الله. طولي يعني هذا .لذلك عندنا في الروايات حرم الله الخمر فحرم النبي كل مسكر يعني انطلاق النبي من نفس العموم. هكذا بالنسبة إلی ولاية التشريع للائمة. كثير يريدون أن يستشكلون في ولاية التشريع، انهم حفاظ شريعة رسول الله. لكن تشريعهم بهذا المعنی يعني كل تشريعاتهم منطلقة من تشريعات الله و تشريعات الرسول. إذاً بهذا المقدار نستوضح هذا المطلب أن ثبوتا العمومات هي الأصل للتشريع وإنما الخاص مقدم إثباتا من العام لاأنه ثبوتا الخاص أصل في التشريع. هذه نكتة مهمة

نذكر الآن الحالات الثلاث كفهرس

صور انقلاب النسبة التي يذكرها الأعلام: عندنا يكون في البين عام واحد و عندنا خصوصات لهذا العام. هذه حالة أولی و فيها صور. الحالة الثانية عندنا عامين من وجه وعندنا أدلة خاصة وفيها صور. الخالة الثالثة عندنا عامين متباينين و عندنا أدلة خاصة. هذه ثلاث حالات منضبطة في تصوير انقلاب النسبة لكن كل حالة تشتمل علی صور. إما عام واحد و الخصوصات أو عامين من وجه و الخصوصات أو عامين متباينين و خصوصات.