الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/03/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : باب التعارض، انقلاب النسبة.

مراتب العموم و الخصوصوصل بنا المقام إلی صور انقلاب النسة:

إجمالا الصور التي يستعرضها الأعلام لانقلاب النسبة ثلاث صور أو ثلاث حالات و كل حالة فيها ثلاث صورة فبالتالي لاأقل تصير تسع صور لكنها ثلاث حالات رئيسية. هذا التثليث و تثليث كل حال إلی ثلاث أو أكثر بالنسبة إلی كلام الأعلام يشير إلی أن سور القضية كما يعبر عنه في علم المنطق، (سور يعني عام أو القضية الجزئية) سور القضية مهم كي تلاحظ نسبة القضية للدليل مع الدليل الآخر. فسور القضية مهم أو ملاحظة المساحة باللغة الثقافية والمنطقية أمر مهم في معالجة التنافي والتعارض والتدافع بين الأدلة.

هذا السور أو المساحة أو النسبة هي بالتالي علی أشكال مختلفة مثل الأشكال الهندسية، مثلث و مربع و مستطيل و مسدس و مخمس و مسبع. سور القضايا من جهةٍ ومقارنة سور القضية إلی سور القضية الأخری من جهة أخری يأخذ أشكال أو حالات مختلفة ومن الضروري للفقيه في الأبواب الفقهية أن يركز علی هذا الجانب. أولا يحدد سور الدليل، كل دليل علی حده وبعده يستحصل معناها الأولي الذاتي ثم يعالج و يناسب سور هذا اللسان وهذا الدليل مع الدليل الآخر. فهذه خطوات صناعية أصولية مهمة في إستنباط الأدلة. يعني بعد استحصال أصل المعنی يأتي دور مساحة و نسبة الدليل ثم مقارنة مساحة هذا الدليل مع الدليل الاخر حيث يدخل تكثر الألسن أو الأدلة، بالتالي العملية الهندسية و الصناعية تصير معقدة يعني شيئاما. يعني طبعا تتذل صعابها بالتروي و التدبر خطوة خطوة في تحصيل خارطة نسب الأدلة مع بعضها البعض إلی أن بستطيع الإنسان أن يخطو خطوة خطوة في معالجة نسب الأدلة. حينئذ يمكنه أن يرسم صورة واضحة لمجموع نسب الأدلة. هذه نكات كلية يجب الالتفات اليها.

طبعا المتأخروا الأعصار أيضا من ضمن مبحث نسب الأدلة مبحث ابتكروه صناعيا و هذا ابتكار جدا عظيم بلوره متاخروا الأعصار، مبحث هندسي صناعي يعبر عنه في كلماتهم بمراتب العموم. يعني كل ما كان العام أوسع كان مرتبته فوقية، أضيق فأضيق إلی أن يصل إلی المراتب النازلة. يمكن أن يعبر عنها مراتب العموم أو مراتب الخصوص.

هذا النظام الذي ذكره المتاخروا الأعصار ليس تقريره في موارد التعارض بل أعم من أن يكون هناك تعارض أو ليس أصلا في البين تعارض، هذا مثل مايقال مقدمات خام في تدبر ذات الأدلة ولذلك عندهم أن الفقيه إذا لم يلتفت و لم يركز علی مراتب الأدلة فيكون غافلا عن أوليات الصناعة. يعني مراتب الأدلة شيء مهم ضروري بغض النظر عن كونه في باب التعارض أو غير باب التعارض. كلما كان الدليل أعم كان فوقيا.

مقصودهم من الفوقية والتحتاني هو أن الفقيه يلزم بالأخذ بالأدني فالأدني. هذا لاربط له و لايختص بالتعارض حتی لو لم تكن في البين تعارض مع ذلك هذا النظام جار في ترتيب الأدلة يجب أن يأخذ أولا بالأدني يعني الأخص الأضيق ثم إن لم يتم لإشكال أو نكتة يتوصل بالدليل الذي أعم، فنحن نستطيع أن نرسم هذه الخارطة في نظام الأدلة فنقول مراتب العموم و نستطيع أن نقول مراتب الخصوص. لماذا؟ لأن من جهة إذا تنظر إلی الأعلي في توسع الأدلة مثل حلقات من ضيقة تصبح وسيعة وإذا تنظر من الأعلى إلی الأسفل تشوف حال تضيقها فتستطيع أن تعبر عنها مراتب الخصوص. وكلا التعبيرين صحيحان و دقيقان.

هذا البحث و هذه الخارطة لاتختص و لاتقتصر بموارد التعارض هذا بحث عام. هذه نكتة مهمة في باب التعارض أو باب انقلاب النسبة أنك قبل أن تلاحظ المناسبة و المقارنة بين الأدلة يجب أن تلاحظ خصائص و امتيازات كل دليل في نفسه ثم بعد ذلك تقارن الدليل مع غيره. بدون الخطوة الأولی المسير إلی الخطوة الثانية عبث. لأن علم القانون (كما قالوا أن علم الفقه و علم الأصول من علم القانون) ان علم القانون فيه معادلات كالرياضي فيه جنبة رياضية وإن كان فيه جنبة علوم الأدب و اللغة. لذلك هذه الخارطة لنظام الأدلة باتت متسالمة عليها عند متأخري الأعصار نعبر عنها مراتب العموم او مراتب الخصوص.

قبل أن نغادر هذه النكتة إلی النكات الأخرى نسئل: لماذا يعبر عن هذه الخارطة مراتب؟ نكتة مهمة، يعني في الدلالة و الكاشفية ليست هذه الأدلة في العرض الواحد كلما تنزل الخصوص يصير أقوی دلالة من العموم. من حيث الكاشفية كل خصوص أقوی من العموم، لم؟ لأن الخصوص مثل العدسة تركزها علی شخص خاص ثم تركز علی عضو من ذلك الخاص. دائما الخصوص أقوي دلالة. هذا من حيث الإثبات، الخصوص أقوی دلالة لكن من حيث التشريع يسلم الأعلام، من حيث الثبوت و البعد الثبوتي كل ما كان العام أعلی مرتبة يكون أشد أصالة في التشريع . في الثبوت عكس الخصوص، لذلك يقول مقتضی القاعدة العموم دائما يؤسس القاعدة. إذاً ثبوتا الأمر بالعكس. فإذاً ثبوتا باتفاق الأعلام كلما تصعد هو أكثر أصالة في التشريع نعم إثباتا كل ما تنزل أكثر دلالة.

بعبارة أخری العمومات الفوقية آباء وأجداد و أصل النسب منها. كل ما تنزل الأولاد هم فروع ولاتعرف الفرع إلا بالاصل لابالعكس.

لاحظ المحقق الحلي من أول الشرايع إلی أخر الشرايع، نستطيع أن نقول أن الشرايع تلخيص لكتاب المبسوط، ليس تلخيصا فقط إنما هو أيضا عارضة و القوة الفقهية لدی المحقق الحلي يعني المحقق الحلي كأنما حذف الأقوال العامة و اقتصر علی الخاصة و ألف الشرايع و كتاب المهذب لإبن براج أيضا هكذا ربما يكون بين المبسوط و الشرايع كتاب ابن براج و ابن حمزة أسبق من المحقق الحلي.

علی أي تقدير الشرايع معجون من الكتب التي تقدمته. صاحب الشرايع أخذ هذا المنهج من المبسوط و الخلاف، دائما يبدأ من أصول التشريع من الأيات أو الروايات العامة ثم ينزل. فإذاً الخصوص أقوی كاشفية إثباتا لكن العموم أقوی أصالتا في التشريع. العموم الفوقي بمثابة الأصول الدستوري، نعم صاحب الشعب الإدارية لايقدر أن يتمسك بالدستور لابد أن يجيء بالبرلمان ثم الوزارات ثم الشعب الإدارية يعني يصير جزئية جزئية. هذا لايعني في بنيان التشريع ثبوتا التشريع الوزاري و التشريع البلدي أقوی من التشريع الدستوري. أصلا هوية التشريع الوزاري مستمدة بالتشريع الدستوري لكن كدلالة في مقام الإثبات لابد أن يستمسك بالقوانين الجزئية ولايقدر أن يتمسك بالعمومات الفوقية.

فنلاحظ أن الخصوصيات الأضيق دلالة فالأضيق لها امتيازات إثباتية لكن من جهة البنية الثبوتية، أصل التشريع من العمومات الفوقية. هذه النكات لازم أن لانغفل عنها.

لذلك يقول الشيخ جعفر كاشف الغطاء، كنا نظن أن هذا الكلام من صاحب الجواهر بعد ذلك اتضح أنه من استاذه الشيخ جعفر كاشف الغطاء في تشهد الصلوة في كشف الغطاء. صاحب الجواهر ذكرها في الأذان و الإقامة لكن أصل المبحث ذكره الشيخ جعفر كاشف الغطاء خمس مرات في تشهد داخل الصلوة. يقول: أصل مشروعية الخصوصيات يمكن أن تثبت بنفس العام.

بيان ذلك: الجهة العمومية في الخصوص مشروعيته أتت من العمومات. هذا الخصوص فيه جهة عامة وفيه جهة خاصة. أصل الجهة العامة مشروعيته من العموم الفوقي، هذا الخاص ليس من شأنه أن يثبت مشروعية العام، بعد الفراغ من الجهة العامة الدليل الخاص يقول كالخصوصيات أثبت تشريعها. إذاً المشروعية في الطبيعة العامة المنطوية في الخصوص أتت من العمومات. أي عموم؟ بحسب مراتب العموم. يعني كل عموم بلحاظ مافوقه خصوص و بلحاظ مادونه عام. كل دليل بلحاظ مافوقه خاص و بلحاظ مادونه عام.

إن الدليل الخاص إنما يشرع الخصوصية و العمومية أتت الدليل العام. بعد الفراغ من مشروعية الطبيعة العامة فيه يثبت الخصوصية. ليس كلامنا في التزاحم و التعارض هذا بحث عام حتی لولم يكن في البين تعارض ذكرنا في البداية هذه النكتة، أولا لاحظ أصل الدليل ثم بعد ذلك تجيء بحث المقارنة و المعارضة والمعالجة. أصل امتيازات الدليل في نفسه نوضحها.

إن الدليل الخاص أين مساحة تشريعه؟ تشريعه في الخصوصية ليس تشريعه في المساحة العامة المنطوية فيه. المساحة العامة أتت تشريعه من الدليل العام. هذا ليس مختصا بالشيخ جعفر كاشف الغطاء بل الكل يقولونه. الشيخ جعفر كاشف الغطاء مختص بشيء آخر و تبع عليه تلميذه بجزم. الكلام هنا أن الدليل الخاص إنما يثبت و يشرع الخصوصية و الطبيعة العام يثبت من الدليل العام الفوقي و إذا تريد الطبيعة الأعم لازم أن تلاحظ الدليل العام الفوق الفوقي. لأن العموم مراتب. فأصل هذا التشريع و أبوالتشريع العموم الفوقي الفوقي و البقية إنما يثبتون التشريعات الإضافية الزائدة. هذه النكة جدا مهمة.

مشروعية زيارة الأربعين أصل مشروعية الزيارة لاتاتي من الدليل الخاص، أربعينية الزيارة شيء و عمومية مشروعية الزيارة شيء آخر. أصل مشروعية الزيارة ما أتت من الدليل الخاص. الدليل العام يقول زيارة الحسين دين و كمال الايمان. هذه مجرد مقبلات و الخصوصيات إنما تتعرض إليها الدليل الخاص. أصل المشروعية أتی من العمومات في الزيارة. الصلوة خير موضوع و زيارة الحسين خير موضوع. يعني العبارة في الصلوة يجري في زيارة الحسين و هي أعظم من الصلوة بمعنی لأن غاية الصلوة هي الولاية. أصل مشروعية زيارة الأربعين إنما أتی من العمومات الفوقانية. إن الفقهيه يجب أن يميز بين أصل تشريع العام و تشريع الخاص. الدليل الخاص فقط يثبت لك الخصوصيات. أصل التشريع جاء من الفوق . مراتب الأدلة جدا مهمة.

كاشف الغطاء في صفحة واحدة من بحث تشهد الصلوة و مستحبات الصلوة يجزم و جزمه في محله يجزم بأن مشروعية الخصوصية للدليل الخاص هذا الدليل الخاص لاأصل له بل لاأب له و لانسب إلا بالعام. يعني يقول حتی التشريع و المشروعية التي يتكفله الدليل الخاص لم يأت من الخاص بنفسه. يقول حتی الخصوصيات بالدقة يأتي من العمومات الفوقية لامن نفس الخاص. سنشرح كلامه. هي أدلة منتزعة مستخرجة بقدرة الائمة من نفس العمومات لاأن الدليل الخاص مصدر التشريع للخصوصيات منقطع عن العممومات. هذا ممتنع.

أوضح هذا المطلب باللغة العصرية. الان القوانين البرلمانية أخص من القوانين الدستورية لاريب، القوانين الوزارية أخص من القوانين البرلمانية و القوانين البلدية والشعب أخص و أخص. إذا تسئل علماء القوانين البشري إن القوانين الخاصة في البرلمان أتوا بها البرلمانيون من مصدر غير الدستور؟ يقولون لا، ممتنع. هذه الخصوصيات أتت من الدستور. وكذلك في الوزارية و البلدية. فقط أذكر هذه النقطة و غدا نواصلها. يقول أتت من تركب العمومات الفوقية. تتركب تصير خصوصا. ينسجون بينها نسيجا.

و التتمة غدا إن شاءالله