الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/03/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب التعارض، انقلاب النسبة، نقاط تمهيدية

في سياق مبحث أن الجمع مهما أمكن أولی من الطرح، هناك نمط من الجمع ارتكبه علماء العصر من النراقي فمابعد وهو معروف بانقلاب النسبة بين الأدلة وهو ظاهرة التعارض بين أكثر من دليلين. حسب كلام السيد الخويي كما مر أن هذه الظاهرة للتعارض بين أكثر من الدليلين هي مواردها كثيرة أو غالبة جدا. فهذه الظاهرة في التعارض مهمة و خطيرة.

النقطة الأولی: انقلاب النسبة بالدقة هو نمط من الجمع ليس عرفيا ساذجا بل هو بالدقة عملية الجمع بين الأدلة ونظرية استنباطية تحتاج إلی النظر و التدبر الكثير سيما في جملة من صورها كأنما مثل المعادلات الرياضية المعقدة. تلاحظ النسب بالترتيب والمداقة و اليغظة لتستخرج النتيجة سليمة متينة، مع ذلك جل المتأخرين و أكثرهم لم يستشكلوا في هذا الجمع الذي ليس عرفيا ساذجا. هذا مما يدلل علی أن إنقلاب النسبة إما ارتضوه فعلا أو ارتضوه في الجملة أو حتی الذي لم يرتضه إنما لم يرتضه لمناقشته في القرائن لافي أصل فكرة انقلاب النسبة وهذا نوع من التبني علی انقلاب النسبة بشكل تقديري. هذا أيضا هو بنفسه شاهد علی أن الجمع النظري والإستنباطي المعقد ربما أجيال من العلماء لم يلتفتوا اليه ولاينافي عملية الجمع مهما أمكن أولی من الطرح. لذلك أصل مبحث انقلاب النسبة يصب في ضمن الشواهد الدالة علی قاعدة الجمع.

هذه اجمالا النقطة الأولی في قضية انقلاب النسبة.

النقطة الثانية: ماهو انقلاب النسبة؟ يعني أن عندك ثلاثة أدلة أو لسان فأكثر، المهم أكثر من لسانين. فإذا لاحظت النسبة أولا ربما لايكون بين الأول و الثاني و بين الأول و الثالث و بين الثاني والثالث تعارض، لكن عند اجتماعها يكون هناك تعارض.

هذه النقطة مرت في الجلسة السابقة أن التعارض في انقلاب النسبة لايلزم أن يكون تعارضا بالذات بل قد يكون تعارضا بالعرض وسبق الإشارة في الفرق بين التعارض بالذات و التعارض بالعرض و اشتباه الحجة بللاحجة. اشتباه الحجة بللاحجة أصلا لايندرج بالتعارض بينما التعارض بالعرض هناك من استشكل في اندراجه في التعارض و الأكثر يرجعونه إلی التعارض.

النقطة الثالثة في بحث انقلاب النسبة: إن انقلاب النسبة لها صور عديدة. يعني أنه قد تكون النسبة بين الدليل الأول والثاني العموم والخصوص مطلقا و بين الثاني والثالث ربما قد تكون النسبة خاص وخاص لكن إذا لاحظنا المجموع قد تنقلب النسبة، مثلا العموم والخصوص مطلقا ينقلب إلی العموم والخصوص من وجه، فمعنی انقلاب النسبة أن الدليلين بينهما نسبة من النسب الأربع ثم يدخل علی الخط دليل ثالث أو رابع أو خامس يقلب هذه النسبة من نسبة معينة إلی النسبة الأخرى و هذا القلب للنسبة سواء بين الدليلين أو بين ثلاث ادلة أو أربعة أدلة. فإذا انقلبت و تغيرت النسبة فيوجب نوعا من الحل و معالجة التعارض الذي هو تعارض بالعرض. أصل مفهوم انقلاب النسبة.

النقطة الرابعة: ليس ضروريا أن يكون انقلاب النسبة فقط في التعارض بالعرض، ربما هو متضمن التعارض بالعرض و التعارض بالذات. أحد الصور التي يذكرونها هو أن يكون لسان الأول و لسان الثاني متتباينين ثم يدخل علی الخط خاص ثالث أو رابع أو خامس فيقلب النسبة من التباين إلی نسبة أخری . فإذاً مبحث انقلاب النسبة قد يكون في التعارض بالذات.

النقطة الخامسة مع أن لاننسی أن انقلاب النسبة شاهد من شواهد قاعدة الجمع. النقطة الخامسة أن انقلاب النسبة كبلورة صناعية هي اكتشاف المرحوم النراقي. الشيخ الأنصاري لم يرتض غالب انقلاب النسبة إلا في موارد قليلة كصاحب الكفاية. بينما الميرزا الناييني ارتضی اغلب موارد انقلاب النسبة و سنبين سببه و السيد الخويي إجمالا فصل و كثير من المعاصرين فصلوا في انقلاب النسبة. هذا كتاريخ العصر في انقلاب النسبة كبلورة صناعية.

لكن بالدقة أصل انقلاب النسبة ارتكازا عند القدماء كانت مسئلة معهودة. لا أنها من رأس ابتكرت من ملااحمد النراقي. طبعا يدعم دعوی وجود انقلاب النسبة هو ما أشار اليه السيد الخويي رحمة الله عليه من أن التعارض بين أكثر من الدليلين ليس قليلا في الأبواب بل كثيرة جدا ان لم يكن أكثر. إذاً أصل المسئلة و كيفية المعالجة في الأدلة شيء ملموس عند القدماء ارتكازا لاأنه شيء جديد. بلورته الصناعية من ملااحمد النراقي وإلا أصل الظاهرة موجود عند طبقات الأعلام .

بشكل بين جدا مسئلة العارية فيها أربعة ألسن و اختلف الأعلام في كيفية التوفيق بين هذه الأسن الأربعة. كيف يجمع بين هذه الالسن الأربعة. هل يثبت الضمان أولا؟ هذه مسئلة معهودة و أشار اليه صاحب المسالك الشهيد الثاني و كذلك مسئلة من افضی زوجته دون تسع سنين فهل يجري عليها النفقة إلی آخر الحياة أو يجب عليه المهر أم تحرم الزوجة عليه أو تبقی عليه الزوجة؟ هذه المسئلة فيها ثلاث السن و أربع السن. هناك جملة من المسائل أنها تعارض الأدلة ليس بين الدليلن و تلك المسائل كثيرة و معهودة بين طبقات العلماء فإذاً تاريخيا و ارتكازا ارتكب طبقات العلماء انقلاب النسبة ولكن بشكل بلورة صناعية رسمية ابتدأت من المرحوم النراقي صاحب كتاب مستند الشيعة الذي يفتي في كتابه المستند بجواز الشهادة الثالثة في تشهد الصلوة وفاقا لاستاذه صاحب الحدائق. هو تلمذ عند صاحب الحدائق و عند أبيه وعند الوحيد البهبهاني. فإذاً تاريخ المسئلة هذا.

جملة من الأعلام منهم صاحب المنتقی استاذنا قالوا بأن ادلة التعارض في علاج التعارض لاتشمل موارد التعارض لأكثر من الدليلين. أولا هو تعارض بالعرض و ليس تعارضا بالذات و أيضا أنه غير مشمول للروايات العلاجية في التعارض المقتضية للترجيح والتخيير. وهي موردها و موضوعها التعارض بالذات بين الدليلين. هكذا ادعي.

لكن هذا الدعوی لايمكن قبولها. أولا لما مر بنا أن هناك فرقا بين التعارض بالعرض و اشتباه الحجة بللاحجة. التعارض بالعرض نوع من التعارض لغتا و عرفا حتی العرف الساذج و الاولي.

ثانيا أن التعارض بين اكثر من الدليلين كما ذكر السيد الخويي ليس نادرا في العلوم الدينية وظاهرة موجودة كثيرة إن لم تكن أكثر أو أغلب، فإذا تكون كثيرة كيف تكون أنظار الرواة منصرفة عنها و في محط نظرهم كي يكون السوال مورده فقط التعارض البسيط بين الدليلين. المفروض هو كثير الوقوع.

ثالثا لنفترض أن مورد الأدلة العلاجية كلها بين التعارض بين الدليلين، لكن عرفا ما فيه خصوصية في كيفية العلاج و ليس فرقا بين التعارض بين الدليلين أو أكثر من الدليلين. سيما الترجيح بأقوائية الدلالة والكاشفية وهذا بالتالي نظام عام في الظهور وليس خاصا بالدليلين فلو افترضنا أن مورد الأدلة و انصراف الأدلة بالدليلين فنعمها لأن نكتة التعدي موجودة و هي أن قصة الترجيح معتمدة علی الدلالة. كما أن نكتة التخيير يتعدی إلی أكثر من الدليليين لان التخيير كما يقال لأجل الحيرة و الحيرة أشد في التعارض بين اكثر من الدليلين. هذه تامل ثالث يسجل علی هذه الدعوی.

التامل الرابع ببالي كما سيأتي بعض الروايات العلاجية نص فيها علی مورد التعارض بين أكثر من الدليلين. إن الروايات العلاجية بعضها نص فيها علی موارد التعارض بين اكثر من الدليلين. لماذا عالجنا هذه النقطة ولو هي نقطة مستقلة لأن انقلاب النسبة علاج موضوعي وليس علاجا محموليا يعني ليس علاجا بالتخيير والترجيح التعبديين بل هو علاج موضوعي يعني الجمع العرفي أو الجمع النظري.

العلاج الموضوعي يعني ترفع موضوع التعارض بخلاف العلاج المحمولي فالموضوع و التعارض فيه موجودان لكن يعالج في جانب المحمول فيحكم بالتخيير و الترجيح. الروايات العلاجية الواردة و هي قرابة عشرين رواية هي علاج محمولي. يعني تعالج الحجيتين المتعارضتين في المحمول يعني أي الحجتين يعمل بها ولاترفع موضوع التعارض. الروايات العلاجية هي في الأصل علاج محمولي. ابتدائا و صورتا و اطارا و قالبا هي علاج محمولي يعني تعالج حجية الدليل و لاتعلاج التنافي بين الدليلين. بينما انقلاب النسبة هو علاج موضوعي. يرفع موضوع التعارض. هذه نقطة مستقلة ان انقلاب النسبة علاج موضوعي. في بعض الصور من انقلاب النسبة الذي لايرتضی انقلاب النسبة يضطر إلی الصيرورة إلی العلاج المحمولي في الروايات التعارض. إذاً انقلاب النسبة لو تم في جميع الصور أو بعض الصور يقطع الطريق عن الروايات العلاجية أما اذا لم يتبنی انقلاب النسبة في بعض الصور يضطر الفقيه إلی الروايات العلاجية فقصة اندراج انقلاب النسبة هذا النزاع ثمرته بهذه الحاظ، باعتبار أنه إن لم تتم انقلاب النسبة لامحالة سيؤول المآل إلی الاضطرار إلی الروايات العلاجية.

جملة معترضة: مرارا كرارا ذكرنا في بداية التعارض أن الروايات الواردة لعلاج التعارض ليس عشرين رواية التي اقتصر عليها المعاصرين لانهم ركزوا علی العلاج المحمولي و التخيير و الترجيح بينما حقيقة الروايات الواردة لعلاج التعارض ربما قريب ثلاثمأة رواية. بين مأتين و خمسين رواية و الثلاثمأة في المصادر القديمة أجمعها وسائل الشيعة و بحار الانوار. المهم ما الموا به المصادر القديمة في العلاج الموضوعي.

هذه الروايات مفادها دائما العلاج الموضوعي. العلاج المحمولي مثل الأصل العملي و العلاج الموضوعي مثل الدليل الاجتهادي لان رتبة المضووع مقدمة علی رتبتة المحمول ومن ثم نلتفت أن انقلاب النسبة يصب بقوة علی أهمية وتقدم العلاج الموضوعي علی العلاج المحمولي وهو نفس قضية قاعدة الجمع مهما أمكن أولی منا لطرح. هذه جملة من النقاط.

فيه نقاط دقيقة ممتعة و مهمة سنتعرض اليه إن شاءالله في الجلسات اللاحقة.