الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/03/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:باب التعارض إشكالات الشيخ علی قاعدة الجمع. ذكر نماذج نوعية للجمع التاويلي

وصل بنا المقام إلی ذكر نماذج نوعية للجمع التأويلي أو الجمع التبرعي كما يسمی به عند المتاخري الأعصار وإلا هو الجمع التاويلي الخفي ومر بنا أن جميع المعالجات التي اكتشفها الأصوليون في مباحث الأصول في العلاقة بين الأحكام، في الحيققية عبارة عن وجوه توفيقية إستنباطية اكتشفها الفقهاء ولو لم تكن مبلورة سابقا، مع ذلك خفية و بعضها أخفی و بعضها غامض، مع ذلك اعتمدها الأصوليون والفقهاء. يعني أن هذه المسائل الكثيرة في كل أبواب الألفاظ وكل أبواب الحجج بالدقة هي عبارة عن المعالجات لاختلاف الأدلة وتدافع الأدلة في مفاداتها. في الحقيقة إذاً كل مباحث الأصول التي في حالة توفر و تنافي هذه المسایل كلها شواهد علی الجمع الإستنباطي يعني التأويلي تصلح شواهد علی ذلك، حتی مسئلة الصحيح و الأعم ومسئلة الحقيقة الشرعية و مسئلة الأوامر بمعنی الجامع لها والنواهي وأقسام الوجوب و أنواعها هذه كلها قوالب وقواعد في معاني الخطاب القانوني و الخطاب التشريعي، كلها عبارة عن اكتشافات الأصوليين لدقائق هذه المعاني والخطابات.

كان يظن سابقا أن الوجوب علی نسق واحد و اكتشف أن الوجوب تارة تعييني و تارة عيني و تارة كفايي، فلاحظ خطوة خطوة إلی أن تصل إلی مقدمة الواجب و الوجوب كلها عبارة عن خارطة أو منظومة في قوالب المعاني، مقدمة الواجب أو الوجوب الشرط المتقدم و المتأخر وهلم جرا، بالدقة نلاحظ أنها كلها عبارة عن خارطة أو منظومة في معاني الخطاب القاانوني بحيث لو ترك المعاني مبهمة وغامضة لتكدس لنا جملة من تنافي الأدلة الكثيرة جدا، ففي الحقيقة إذاً هذه المعالجات الأصولية التي توسع يوما بعد يوم (والا كانت أصول الفقه مختصرا) شيئا فشيء لاحظ الفقهاء أن هناك عناصر مشتركة و قواعد كليات ترتبط بالمعاني.

فإذاً الجمع التأويلي و الإستنباطي وغيرالعرفي بمعنی أن العرف لاينتبه إليه في الوهلة الأولی هذا في الحقيقة يشمل كل مسائل علم الأصول، كل مسائلها عبارة عن فذلكات طبق الشواهد والأدلة وماشابه ذلك وهلم جرا، حتی دقائق إستصحاب العدم الازلي كيف يستفاد من الدليل و كيف يجمع بينها و بين الدليل الآخر مما يدلل علی أن التوفيق بين الأدلة باب واسع بوسع علم أصول الفقه و بوسع علم القواعد الفقهية و وليس بين حالة الإسترسال الساذج السطحي العرفي. هذه ليست فقاهة «ليتفقهوا في الدين» يعني فرق بين الفقهاء و بين عامة الناس، يعملون فهمهم فهذا يدلل علی أن هذا الباب واسع، قضية الجمع مهما أمكن أولی من الطرح واسع جدا. هذا أيضا شاهد آخر لما تقدم في قاعدة الجمع.

لذلك نلاحظ علم البلاغة، لماذا صدّر علماء البلاغة علم المعاني علی علم البيان. اعتبروا العلم المعاني أخطر و أعظم من علم البيان. أخطر شيء في البلاغة علم المعاني. قوالب و أطر و شئون المعاني مهم جدا. علم البيان بعد ذلك يأتي يعني فنية الدلالة و نظامه و منظوميته و شبه ذلك بعد ذلك يأتي علم البديع مما يدلل علی أن المهم كل المهم هو المعاني وليس هو خصوص الألفاظ أو قوالب الألفاظ أو فنية قوالب الألفاظ. أصلا النكات التي استخرجها البلاغيون من التركيبات الكلامية يحتاج الانسان يقرأها مرات فمرات ليعرف دقيق البلاغية التي تسالم عليه البلاغيون كيف هي.

في المرحلة الأولی الإنسان يقول ماذا الفرق بين أحد الناس أو من الناس أحد؟ فرق كبير. فعلی كل هذه الدقائق التي تمرس بها البلاغيون شاهد علی قولنا أن عالم المعاني عالم كبير.

القول الفصل في بحث قاعدة الجمع أننا نلاحظ المدار كل المدار علی المراد الجدي وليس التصوري والإستعمالي و التفهيمي بل علی الجدي النهايي، بالتالي الوصول إلی المعاني الجدية علی طبقات و طيات من المعاني لها قوالب وشئون.

إذاً هذه قرينة عامة وهي النكات الغامضة الأصولية أو النكات الغامضة في قواعد علم الفقه أو النكات الغامضة حتی في البلاغة.

لماذا اعتمد عليه الشارع؟ هذا بحث آخر. طبقات وفوق كل ذي علم عليم. طبيعة العلم الذي أنزل و بين، أنه ذو طبقات، «رب حامل فقه إلی من هو أفقه منه.» هذه الحالة تعني التصاعد في الفهم. قدرة الفهم ليست علی درجة واحدة و لايمكن أن تكون علی درجة واحدة إذاً باب مفتوح. هذه قرائن ثلاث عامة نوعية.

إذاً كون قرينة معينة مااكتشفها أحد لايدلل علی عدم قرينيتها، يعني أنه معقول أن لايكتشفها كل أجيال العلماء إلا أنت. إذا كان المطلب في نفسه موزونا فامش، لايترتب علی قدرات البشر و فهم البشر ووصول البشر وعلی هذا اكد الائمة عليهم السلام. في أصول الكافي في خطاب الإمام الصادق عليه السلام لهشام «ياهشام لو كان في يدك جوهرة وقال كل الناس إنها حجرة لاتلتفت و يا هشام لوكان في يدك حصاة و قال كل الناس إنها جوهرة لاتصير جوهرة». يعني أن ادراك الناس لاتغير الحقيقة والحقيقة لها موازين أخری. إذاً قدرة العلماء و فهم العلماء لاربط له بالواقع بل الربط بأن تمشي علی الموازين. هذا إجمالا في الميزان العام و الإستظهار . إذاً ليس من ضابط الظهورية أن الظهور قدرة فهم الآخرين.

مثلا هذا المثال الذي ذكرناه أن زمخشري اكتشف نكتة في آية المودة لم يكتشفها كثير من قبله. نكتة عجيبة و غريبة وشيء عظيم في ولاية اهل البيت. لطيف و لم يكتشفها من كلام الزمخشري إلا السيد شرف الدين وبلور هذه النكتة. إن التقريب المعروف هو ان الدين كله في ولاية الله و ولاية الرسول و ولاية الائمة عليهم السلام لكن هذا المطلب شيء عجيب وغريب. إكتشاف غامض ويبلوره انسان فحل في علم البلاغة. هذا ليس ممتنعا بل المهم هو الميزان لأن يطالب.

نقلنا مرارا عن السيد المرتضي في الشافي أن واحدا استشكل علیه أنتم تدعون أن إمامة علی بن ابي طالب بنص القرآن و دليل القرآن من أصول الدين. كيف يمكن أن تكون من أصول الدين و دليله ظني؟ هذه نكتة مهمة الذي يبنی علی أن أدلة إمامة أهل البيت ظنية لايمكن أن يكون اماميا. ظني يعني يحتمل خطأ و احتمال الخطأ لايناسب أصول الدين. المهم السيد المرتضی يذكر هذا المطلب في الشافي و استعرض الاشكال من الطرف الاخر بأنكم إذا تدعون قطعيته لازم أن تكفروا كل المسلمين. قال: لانكفر لأن هذا الدليل القطعي كان جليا في الآيات أما بعد مشاغبة المشاغبين و مكنة الأعلام من الطرف الآخر أنه حرف كثيرا من السيرة و الشواهد أصبح قطعيا خفيا. ليس فقط ظهورا بل قطعي. عندنا قطعي جلي و عندنا قطعي خفي وهذا لايخل بقطعية القطعي. يعني السيد المرتضی يقول فيه دلالة قطعية قد تكون خفية لايضر الخفاء بقطعيتها. شبيه أن القرآن و أهل البيت يؤكدون أن الحجج من الله علی البشر قسمان قسم ظاهر معروف و قسم مكتتم مغمور . كيف حجج من الله علی عباده مع ذلك هم مغمورين و مستترين. هذا بحث كلامي و مهم يعني هذا المطلب متواتر عن أئمة أهل البيت منهم من قصصنا عنك و منهم لم نقصص ،كانوا ربما حججا جليين في أزمانهم بالتالي في زماننا لايكونون معلنين.

مثل ما في سورة الكهف في قصة موسی و خضر يبين أن هناك جملة من الحجج ربما بعض شئونهم تفوق أولی العزم عدا سيد الأنبياء و هذا ليست قصة خيالية و استثنائية شاذة في القرآن الكريم بل يدل علی أنها سنة إلهية. المقصود كما أن يكون هناك حجة مغمور يمكن أن يكون هناك ظهور مغمور. ظهور حجة وقطعي وهو غير جلي ولايلتفت اليه إلا أندر أو بعض المسلمين أو بعض المومنين. هذا لاينافي الحجية. السيد المرتضی يؤكد أن من الإشتباهات أن كل حجة يجب أن تكون معلنة بل يمكن أن تكون حجة و هي خفية و غامضة.

يمكن ان يقال: قوام الحجية بالوصول و الوصول يعني الظهور. ماذا هذا الدعوی؟ قبل السيد المرتضی أئمة اهل البيت يقولون الحجة قد تكون مغمورا. كيف يصير حجية مثل ابي طالب و عبد المطلب و عبدالله و عبد مناف كل آباء النبي كانوا حججا جبالا من الحجية راسيات ولاأحد يعرفهم إلی الآن حتی من علماء الامامية كثير منهم لايعرفونهم. مافيه مانع. ولاينافي عظم حجيتهم. مثل منطق القرآن في سورة الكهف.

طبعا ضابطتها في بيانات أهل البيت مذكور كيف الحجية مع الخفاء؟ النكتة هكذا. الحجية هي العلم الذي يبثونه. كيف بالجبرئيل أنه حجة لكنه خفي ومستور يصفه الله «قول رسول أمين» أمين علی الوحي يعني الحجية. كيف حجة و هو خفي. ملائكة المقربين حجج لكنهم خفية. علمهم يبث، هذا العلم هو حجة منهم علی الخلق.

فظهور الكلام كذلك خفي وهلم جرا. هذه نكتة لبحث الظهور ليس المراد من الظهور الظهور الفعلي بل المراد من الظهور تركيب بنيان الكلام بحيث من تدبر يستظهر المعنی. هذا تعريف آخر للظهور غير تعريف المعروف.

بعبارة أخری المراد من الظهور هو تركيب بنيان الكلام و نظام العاني بحيث من قدر أن يصل إليه يكتشف لديه بالأدوات الموزونة لابالهلوسة و الاستحسان و الذوق و الاقتراح بل موازين تركيبية.

من شواهدها تكررت منا، أن القرآن معجزة يعني تركيبات الكلام في القرآن استثمرها الباري تعالی قواعد علم النحو وعلم الصرف و علم الاشتقاق والعلوم اللغوية كلها وعلوم المعاني بدرجة لايقدر عليها أحد إلا هو. هذا لاينافي أن كلام الله مبني علی قواعد علوم اللغة لكن هندسة لايقدر علی اكتشافها كل البشر. مع أن كلام الله عربي مبين فيه نظام عقلي و مع ذلك لايقدر علی اكتشافها البشر كل مافيه. فكونه معجزا لايعني أنه ليس مبنيا علی القواعد و كونه مبنيا علی القواعد ليس يعني أنه مقدور. هذا هو معني الظهور في التركيب أن يكون مبنيا علی القواعد والموازين قدر عليها البشر أو لايقدر. قد لايقدر عليها البشر الا الأوحدي زمانا ليس فيه مانع.

إذاً الظهور شيء إقتضائي واصل هو لكن استجلائه قد لايكون في قدرة البشر أو قل دون القرآن بقية أنواع كلام الوحي القدرة علی استجلائها لايتسنی إلا لواحد دهره بعد واحد. هذا لاينفي أنه من الظهور. إذاً الظهور غير مرهون بقدرة البشر و قدرة وصولهم. هو واصل إليهم لكن لايمكن أن يستجلوه أو يفتحوه أو يرسلوا بافهامهم تجاهه. هذه نكتة مهمة في باب الظهور.

هذا بيان إجمالي عام و نبقی نذكر بعض النماذج بعد العام. نقطة أخری هي أن تركيب الكلام من أربع دلالات أو أكثر، هذا الامر ليس زخرفا نكتة فنية قالها البلاغيون، شيء مهم تصوري إستعمالي تفهيمي جدي أول أو ثاني ثم حتی الجدي النهايي في مقام الدلالة غير الثبوت عندنا، الثبوت غير الجدي، الثبوت والواقع الثبوتي لنظام القوانين غير الدلالة الجدية. هذه طبقة أخری من بحث الدلالات ذات المدلول بدون وصف المدلولية و الدلالة يعني الثبوت و لازم أن لاننسی. عندنا فرق بين مقام الثبوت و مقام الدلالة حتی الدلالة الجدية لانخلط بين الدلالة و المدلول الجدي ولو النهايي مع الواقع الثبوتي، بينهما بون نوعي و سنخي.

هذا النظام في الكلام ليس ديكورا بل بنيان بنيوي. إذا كان هكذا حينئذ بحث الجمع التاويلي يجي بشكل عجيب. فقط أشير اجمال هذه النكتة. إلی بقية قرائن الجمع التاويلي ان شاءالله نواصل البحث حتی نصل بمشية الله إلی أرمرمية البحث بحث انقلاب النسبة و هو أحد مصاديق قاعدة الجمع مهما أمكن أولی من الطرح