الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/03/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:باب التعارض إشكالات الشيخ علی قاعدة الجمع. تتمة الاشكال الثامن و الاشكال التاسع

كنا في صدد استعراض إشكالات الشيخ الانصاري علی قاعدة الجمع مهما أمكن أولی من الطرح.

الدليل الثامن الذي يعتمده الشيخ الأنصاري في نفي قاعدة الجمع أنه يقول لاثمرة في هذه القاعدة لأن مجرد تعداد و استعراض الإحتمالات في الظهور، هذا الاستظهار لاينبني ببنية بنيان الظهور بل هو مجرد استعراض الإحتمالات فما الثمرة في ذلك؟ لأن الدلالة لاتكون حجة إلا بعد تكوين بنيان الظهور و الظن النوعي أما مجرد احتمالات الدلالة فلايؤوّل عليها في عالم الظهور.

تقريبا هذا الإشكال من الإشكالات القوية التي يذكرها الكثير من الأعلام، أن قاعدة الجمع لاتؤثر في بنيان الظهور بل مجرد إحتمالات فني وعلمي في الرواية لافائدة فيها.

والجواب عن هذاالاشكال: لو تنزلنا إلی صورة هذا الإشكال بأنه مجرد الإحتمالات فمع ذلك، الظهور و الدلالة لها تمام الثمرة لأن أول ما يوجب هذه الإحتمالات هو نفي التناقض و التساقط للتناقض و التعارض وكفی به ثمرة.

حينئذ يكون لدينا علم إجمالي بحجتين دالتين علی الحكم الواقعي والظاهري، كل منهما حجة إلا أننا لانهتدي إلی التنسيق و النظم في المفاد و الدلالة، فبالتالي هاتان الحجتان تنفيان الثالث أو تنفيان الخروج عنهما. فالدليل الإجتهادي المتأخر عنهما أو الأصل العملي المتأخر عنهما لايمكن التأويل و الرجوع اليه لأن عندنا العلم الجمالي و هذا العلم بالحجة بين الخبرين ليس من موارد اشتباه الحجة بللاحجة بل هو علم بحجتين غاية الأمر لانعلم نسقهما و مفادهما . هذا العلم أقوی من العلم الإجمالي بالحجة بينهما غاية الأمر لانعلم نسق الدلالة ونظم الدلالة و بنيان الدلالة، لكن هذا لايوجب المآل إلی التناقض أو التعارض أو التساقط. كفی بذلك ثمرة. هذا هو الجواب الأول عن هذا الاشكال الذي تعرض اليه كثير من الأعلام. وأقل مايقال في هذه القاعدة.

مر بنا أن هذا الإستعراض للإحتمالات في الدلالة وبنيان الظهور بأنه ليست من بنيان الظهور، هذا مبني علی التصورات في مبنی الظهور أو علی المباني في معنی الظهور أو علی المباني والمسالك في مراتب الدلالة و كيفية الدلالة. بعبارة أخری الإحتمالات الضعيفة أو الإحتمالات التقديرية و التعليقية المبنية علی قرائن تعليقية و تقديرية التي تجد موردا لها فقط في ظل التعارض، تلك القرائن من بنيان الظهور لكن بنيان ظهور مؤخر، شبيه قرينة السياق و هي عند البلاغيين و علماء اللغة من أضعف القرائن لكن عند فقد كل القرائن يتحكم قرينة السياق فقرينة السياق إحتماليتها بالقياس إلی القرائن الخاصة الأولية من الدلايل وبنيان الظهور الأولي ضعيف و صحيح لكن ليس بمعنی أنها لايعتمد عليها.

كثيرا ما في مراتب الدلالة مثل الأصول اللفظية في كلمات القدماء مثل إصالة الحقيقة و إصالة المجاز المشهور و إصالة عدم الإشتراك أصول لفظية علی صعيد المدلول الوضعي أو الإستعمالي أو التفهيمي أو الجدي (يعتمد عليها إذا وصلت النوبة اليها.) حتی بعبارة أخری، الإطلاق.

الإطلاق شأنه حسب مبنی متاخري العصر وفاقا لميرزا الناييني من القرائن الجدية يعني ليست قرينة تصورية أو إستعمالية بل الاطلاق الذي يعتمد علی مقدمات الحكمة أكثر المعاصرين بعد الميرزا الناييني يعدونه من القرائن الجدية. علی كل فيه اختلاف طبعا.

بين القوسين كمفردة، لها فائدة ثمينة ولو بالنسبة إلی ما نحن فيه جزئية.

هل الاطلاق من قرائن الدلالة التفهيمية أو من قرائن الجد؟ هذا البحث لابأس أن نتوقف عليها كجملة معترضة و مفيدة جدا في يوميات التعارض في الأبواب الفقهية و ليس لها صلة كلية بالبحث أصلا، فقط من باب المثال لكن مثال مهم.

هل الإطلاق والمقصود منه مقدمات الحكمة هل هو من الدلالة الجدية أو من الدلالة التفهيمية؟ هذا البحث في نفسه له ثمرة عجيبة في يوميات بحوث التعارض و يوميات الفقه. في بابه كلي و ان كان جزئيا في هذا الباب الذي نحن فيه.

عندنا خمسة أنواع للإطلاق،

إطلاق ذاتي: هو وضعي وليس تفهيميا و لاجديا. الإطلاق الذاتي يعني ذات الماهية للمعنی لها سعة ماهوية. هذا لاربط له بالتفهيم و الجد و الاستعمال بل مرتبط بالوضع.

الإطلاق الآخر إطلاق ملاكي: يعني ملاك الحكم. هذا أيضا ثبوتي، أصله ثبوتي. الآن كيف يستكشف و الكاشف عنه في أي مرتبة من مراتب الدلالة؟ بحث آخر لكن هو في نفسه ثبوتي.

الإطلاق الآخر إطلاق لحاظي: هذا الإطلاق يندرج في الاطلاق الاستعمالي و يندرج في الاطلاق التفهيمي. يعني النمطين. هذا قسم ثالث أو قل قسمان ثالث و رابع، الإطلاق اللحاظي الإستعمالي و الإطلاق اللحاظي التفهيمي.

الخامس الإطلاق الذي يعتمد علی مقدمات الحكمة. لماذا لانمزج بين الأقسام؟ لايمكن، أقسام وأنواع الاطلاق مختلفة، أنواع الدلالات مختلفة. لنلتفت في باب المطلق و المقيد أو العام والخاص أو باب التعارض، أي نوع من أنواع الإطلاق يراد.

فيها إطلاق سادس يعبر عنه بالإطلاق المقامي، هذا الإطلاق المقامي عين الإطلاق المقدمات الحكمة وفرق بينهما وهو أن الإطلاق المعهود من المقدمات الحكمة لفظي ويعبر عنه الإطلاق اللفظي مع ذلك لدينا اطلاق مقامي، نفس الشرائط التي تذكر في الإطلاق اللفظي يذكر في الإطلاق المقامي. البعض لايؤمن بالاطلاق المقامي و البعض يؤمن به. لسنا في صدد بحث الإطلاق، هذه فهرسة. فالمقصود الإطلاق أنواع.

هناك اختلاف حتی في بحث التعارض بين الأعلام وهو أن الإطلاق من أي مرتبة من مراتب الدلالة؟ أي إطلاق؟ الإطلاق اللفظي الذي يعتمد علی مقدمات الحكمة . هل هو من الدلالات الجدية أو هو من الدلالات التفهيمية؟ ولها إلی ماشاء الله من ثمرة. ويكفي في تنبه الإخوة أن الدلالة التفهيمية مقدمة علی الدلالة الجدية. هذه جملة معترضة كان ينبغي التنبيه اليها.

فما أشكله الشيخ الانصاري وكل من بعد الشيخ ممن لايؤمن بقاعدة الجمع من أن الجمع التبرعي وقاعدة الجمع لاثمرة علمية لها ذكرنا ثمرة أولا و الجواب الثاني أن هذه الدلالات تُعتمد، غاية الامر هذه الدلالات مؤخرة مثل الأصل العملي العقلي الذي لايناهض الدليل الاجتهادي و الأصل العملي الشرعي لكن إذا وصلت النوبة إليه يعتمد عليه. من هذا القبيل فالصحيح في الجواب الثاني عن هذا الاشكال إن هذه الفذلكات في الجمع تعتمد مع تلك القرائن في باب التعارض كما أسلفنا.

أيضا في كلام الشيخ نقوض كثيرة مثلا في باب القضاء عند تعارض البينات (ولو يكون هذا المبحث شبهة موضوعية و من زاوية شبهة حكمية في باب القضاء) تعارض البينات بين المدعي و المنكر و إن كان إقامة البينة حق المدعي لكن للمنكر حقا أن يأتي بالبينات لتعارض بينات المدعي، في طريقة الجمع العملي مع أن هذا الجمع العملي المذكور في باب القضاء في تعارض البينات هناك علی الجمع العملي بأدني شاهد مع أن هذه الشواهد ليست شواهد الظهور في هذه الطائفة من البينة و ذاك الطائفة من البينة مع انه نوع من الجمع ولم يحكم بتساقط البينات. هذه الجموع التأويلية ولو ليست بنيان الظهور الأولية بل بنيان الظهور الطارئ مع ذلك عول عليها.

نظير ذلك نظيرا ثانيا و شاهدا نقضيا علی الشيخ رحمة الله عليه: علی أنها موارد للجمع التبرعي وليست فذلكة علمية محضة بل يبنی عليها. مثال آخر من الأمثلة التي مرت بنا سابقا تعارض العامين من وجه في تعارض العامين من وجه لايسقطون العامين في مورد التعارض لاأقول عند الكل، لكن عند الأكثر لايسقط العامين في مورد التعارض بالتالي يبنون علی أدنی وجه للتوليف و الجمع بين العمومات في موارد عديدة. فهذه ثلاثة أجوبة من إشكال كثير من الاعلام و هو اشكال متين وقويم.

الإشكال التاسع: يقول الشيخ الانصاري رحمه الله إن مادام في البين تعارضا و تنافيا بين الخبرين فبالتالي هذان الخبران لم يصلا إلی الحجية الفعلية فمع الشك في الحجية الفعلية الأصل العدم ويستصحب العدم. نظير الشك في الحجية الإقتضائية كما قرر الأعلام الأصل في الشك في حجية أي شيء الأصل العدم سواء في مرتبة أصل الحجية الاقتضائية أو عند الشك في الحجية الفعلية الأصل هو العدم. إشكال الشيخ و كثير من الأعلام.

في هذا الاستدلال مسامحة، فيه الفرق بين الشك في أصل الحجية الإقتضائية و بين الشك في الحجية الفعلية بينهما بون شاسع. لان الشك في الحجية الفعلية هو شك بعد الفراغ عن الحجية الاقتضائية لأن مصداقية هذه الأمارة لعمومات حجية الأمارة محرزة والدليل قائم عليه و الشك في وجود مانع عن حجيتها فعليا و الأصل عدم المانع. حتی مع العلم الإجمالي بوجود المانع.

مر بنا أن قاعدة الجمع تجمع دعوي العلم الإجمالي بالمانع إلی تقرير الحالة بأنه من باب احتمال المانع و ليس العلم بالمانع. لأن احتمالات الجمع التأويلي إذا كان موجودا إذاً العلم و الجزم بالمانع ليس موجودا.

نعم، إذا أردنا نقرب العلم الإجمالي بوجود المانع نقول العلم الإجمالي بوجود المانع عن الأخذ بالقالب التصوري للخبرين أو التفهيمي. أكثر من هذا ليس عندنا علم إجمالي بوجود المانع مع هذه الإحتمالات و هذه هي فائدة قاعدة الجمع. هذه القاعدة تنسف دعوی وجود العلم الإجمالي. إذاً حجية إجمالية موجودة و ليس لدينا علم إجمالي بوجود المانع. نعم، في رتبة التناقض التصوري والتفهيمي نعترف بوجود المانع لكن زائدا علی هذا ليس لدينا علم اجمالي بوجود المانع فباتالي هنا يختلف الحال.

ليوضح هذا الجواب بمثال حققه المتأخرو الأعصار و هذا المثال دليل برأسه مستقل علی قاعد ةالجمع وذكرنا ربما سابقا إشارة إجالية.

المثال هو كلي جامع للأبواب باب الجمع بين الأمر و النهي. أو باب مسألة اجتماع الأمر والنهي أو مسئلة التزاحم و التضاد هذه المسائل حتی بحث مقدمة الواجب يعني المسائل العقلية غير المستقلة الخمس بعبارة جامعة. استعرضها المرحوم مظفر رحمه الله هذه المسائل عند القدماء في الوهلة الأولية يعتبرونها من التعارض المستقر. أتی المتاخرون وقالوا إجتماع الامرو النهي من التزاحم من أنواع مختلفة. قليل نادر منه من باب التعارض. طبعا عدا الميرزا الناييني حتی الميرزا فصل لكن الشيخ الانصاري و صاحب الكفاية اكثر من جمع أقوال مدرسة الوحيد البهبهاني و كذا. أصبحث مسئلة اجتماع الامر والنهي محل استعراض الأنواع الجديدة من التزاحم لاالتزاحم المعهود في ذهننا. تزاحم ملاكي و تزاحم في الجعل و غيرهما. مثل تطهير المسجد ووجوب الصلاة ،القدما يبنون علی أنها من باب التعارض و التناقض مسئلة النهي عن العبادة. خمس مسائل عقلية غير المستقلة كانوا القدما يبنون علی أنها من التعارض لكن متأخروا الأعصار قالوا الحكم له مراحل وببركة مراحل الحكم التفتوا أن التنافي ليس في الجعل ليكون تعارضا وانما التنافي في مراحل أخری لاصلة لها بالجعل و الدلالة و لاالتعارض. مراحل الحكم قرائن عقلية جدية لحل التعراض المتوهم الموهوم. الإقتضاء موجود، وجوب الصلوة و وجوب تطهير المسجد موجود أو الحرمة موجود و الوجوب أيضا موجود ببركة الالتفات إلی مراحل الحكم التفتوا انه ليس من التعارض. بالنسبة إلی القدماء كانت من الاحتمالات والان المتاخروا الأعصار حصلوا الشواهد فالحجة الإقتضائية هذه هي البيت القصيد في المسائل العقلية غير المستقلة أنه مع وجود الحجية الإقتضائية لاموجب لتوهم التنافي.

تتمة و نختم وبعد ذلك نمهد الطريق لبحث انقلاب النسبة وهو بحث رائع من مصاديق قاعدة الجمع مهما أمكن أولی من الطرح. مصداق عظيم معقد صعب بنی عليه المتاخرون

تتمة لهذا المبحث: إذاً بلحاظ المراتب و مراحل الحكم ليمكن الجمع و هذا بنفسه شاهد مستقل. هذه النكتة أذكرها أخيرا. ان الإقتضاء في الحكم الفقهي يصل إلی المرحلة الفعلية و يجب أن نفرق بين الإقتضاء في الحكم الفقهي و الإقتضاء في الحكم الظاهري و الأمارات و في كلاالسنخين الحكم الفقهي و الحكم الظاهري (يعبر عن الحكم الظاهري الحكم الأصولي من علم اصول الفقه) هذا الحكم أيضا فيه اقتضاء و اقتضاءه هو الكاشفية ولو الارائة المجملة و المبهمة لاننسی أن الإقتضاء في الأمارات يختلف عن الإقتضاء في الحكم الفقهي. ذاك حكم ثبوتي فقهي و هذ الإقتضاء حكم ظاهري لكن بلحاظ درجات مراحل الحكم الشرعي يجري عليهما. سواء المرحلة الاقتضائية و المرحلة الفعلية الناقصة والمرحلة الفعلية التامة و غيرها فهذه خارطة مهمة في مراحل الحكم وتشابه الحكم الفقهي مع الحكم الشرعي في علم أصول الفقه و هو الحكم الظاهري للأمارات.