الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/02/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:باب التعارض إشكالات الشيخ الانصاري علی قاعدة الجمع.

الاشكال الخامس و السادس و السابع

كنا في كلام الشيخ الانصاري و الأدلة التي استدل بها علی منع قاعدة الجمع مهما أمكن أولی من الطرح.

أحد الأدلة و الشواهد التي مرت و استدل اليها في قاعدة الجمع هو أن تعارض الخبرين الظنيين صدورا و ارتكاب التأويل فيهما علی وزان و علی قياس الخبرين القطعيين صدورا وارتكاب التأويل فيهما. هذه أحد الشواهد التي مرت في قاعدة الجمع.

الشيخ الأنصاري استشكل علی هذا الشاهد و هذا الاشكال يفتح لنا بابا لتكميل هذا الشاهد بصياغة أخری.

الشيخ الأنصاري يشكل بأن قياس الخبرين الظنيين صدورا بالخبرين القطعيين صدورا مع الفارق و لايمكن أن يقاس تعارض الخبرين الظنيين علی التعارض البدوي بين الخبرين قطعيين صدورا مثل تعارض الآيتين أو الخبرين المتواترين أو التعارض البدوي بين مفاد الآية الكريمة و الخبر المتواتر. لماذا؟ يقول: إن قطعية الصدور هي بنفسها قرينة لأنه لايمكن أن يتصرف في الصدور القطعي فنفس قطعية الصدور قرينة علی التأويل. هذا الإحتمال و هذا الشق من الخيار لايمكن في القطعي الصدور فلامحالة يرتكب التأويل في الظهور. هذا استدلال الشيخ علی الاشكال علی هذه القاعدة أو هذا الدليل.

لكن هذا الاشكال أيضا غير متين والوجه في ذلك أن ظني الصدور نزل بمنزلة العلم يعني قطعي الصدور. إذا كان الجمع بين قطعيي الصدور دلالةً صائغ و علی منوال بنية الظهور و بنيان الظهور فهذا النظام موجود في الظهور و يرتكب في ظنيي الصدور كما يرتكب في قطعيي الصدور فكونهما قطعيي الصدور لايجعل الجمع بين الخبرين قطعيي الصدور جمعا خارجا عن نظام الظهور، لامحالة بالتالي الجمع يجب أن يكون ضمن منظومة بنيان و بنية الظهور. فإذا كان كذلك فالحل يجري في ظنيي الصدور مما يكشف علی أن هذا النظام ونظام الظهور يتحمل و يتسع بمثل هذا التأويل و هذا التصرف وهو ضمن نظام الظهور. فإشكال الشيخ غير تام بل هذا الإستدلال جدا تام مع الضميمة. لاسيما أن ظنيي الصدور اعتبر عند الشارع مثل قطعيي الصدور ولاسيما انه لايرتكب إلا ضمن منظومة و نظام الظهور. بل هذا الوجه مع هذه التتمة يصير أتم.

أحد الأدلة التي استدل بها الشيخ الأنصاري علی منع قاعدة الجمع مهما أمكن أولی من الطرح، هو أن العرف هو الحَكَم والعرف يقول: هذان المتعارضان متعارضان بالتعارض المستقر وهما متعارضان و ليسا متألفان و لامتوالمان فالتأليف في مفادهما خلاف نظر العرف حتی في بنيان الظهور.

أذكر الدليل السابع مع هذا الدليل لأنهما تقريبا في جو واحد.

الدليل السابع للشيخ فيقول: من البيّن في أدلة و نصوص التعارض أن الرواة متحيرون فالتحير كاشف عن الإرتكاز العرفي لديهم أن هذين المتعارضين متعارضان مستقران و لايمكن التوليف بينهما دلالةً ولو أمكن كيف تحيروا هؤلاء الرواة؟

روايات التعارض، مشهور المعاصرون جعلوها عشرين رواية أو أزيد في هذا الحدود لكن الروايات الواردة حول التعارض ربما قريب مأتين أو ثلاثمأة رواية. وتلك الروايات ليس فيها الترجيح و التخيير. أحد أدلة قاعدة الجمع هذه المأتان رواية أو ثلاثمأة رواية أو مأتان و خمسون رواية بحسب الإعتبارات. ذكرت مصدرها و سأذكر مرة أخری. يعني هذا الدليل دليل دامِغة علی قاعدة الجمع وعدم التساقط.

هذه الروايات مصادرها المجلد الثاني في البحار كتاب العلم حشّد المجلسي أكثرها أو جلها والمصدر الثاني الوسائل كتاب القضاء أبواب مقدمات القضاء أو آداب القاضي، صاحب الوسائل ذكر خمسة عشر بابا من الباب الثالث كل باب يشتمل علی خمسين أو ثلاثين أو أربعين رواية. و المصدر الآخر مستدرك الوسائل في باب القضاء و المصدر الرابع جامع أحاديث الشيعة للسيد البروجردي في بدايته و أيضا في باب القضاء و الكتب الأربعة أيضا موجود فيها لكن هذه المصادر الجامعة يغني عنها. هذه المصادر الأربعة إذا واحد يراجعها كلها في صدد الجمع المتني و التأويل بالاستعانة بمحكمات القرآن و محكمات سنة المعصومين. تكون آليات و موازين كثيرة في قاعدة الجمع أو عدم التعارض أو العلاج و سأذكرها لكن عمدا أخرتها ليصير الهيكلة الصناعية و مختار المشهور واضحا بعد ذلك ندخل فيها و إلا في الدور السابقة ابتدأنا بها.

المقصود هذا المطلب، أن هذه الروايات تذكر أن أعظم الموازين العرض علی الكتاب و السنة القطعية محكمات الكتاب و محكمات السنة و محكمات العقل و الفطرة هذه الأمور دستورية فيعلم ما هو مطابق للدستور وما هو مخالف للدستور وهذا منطق قانوني تحكيم الأصول الدستورية لأن نظام لغة القانون و علم القانون هكذا طبقات القانون، يحكم ماهو الأصل فيها علی ماهو الفرع. هذا امر مرتبط بلغة قانونية عند العقلاء ولم يتخطاها الشارع. طبعا فيها موازين أخر مثل مخالفة العامة أو التعريض لكن من أهم الموازين هي ماوافق الكتاب و السنة لا بعنوان الترجيح بل بعنوان الوقوف علی تفسير الخبرين، تفسير ذلك كله في هذه الأصول. هذا وجه مستقل ربما غفلت أن اذكرها في ما سبق وجه مستقل في قاعدة الجمع عند القدماء و في التوصل وتوليف المتن بشواهد محكمات الكتاب و محكمات السنة و هي شواهد مهيمنة. لأن محكمات الكتاب و السنة هي جد الجد عند الشارع جد ليس فوقه جد. شواهد و قرائن لاريب فيها. يعني إن أتيناها من جهة أنها شواهد فهي شواهد محكمات الكتاب و السنة و أتيناها من جهة أنها لاتساقط بمجرد التعارض. فهذه الروايات متواترة جدا.

نرجع إلی إشكالي الشيخ الانصاري السادس و السابع، ان العرف مرتكز عندهم أن الروايات المتعارض متعارضة مستقرة فكيف نرتكب التأويل و ندعي أنها بالتدبر و التأمل خارجة عن التعارض تخصصا. هذا خلاف ارتكاز العرف و كل هؤلاء الرواة حتی في ثلاثمأة رواية لأن فيها سؤال الرواة عن التعارض. إذاً قاعدة الجمع ليست بتامة و سيرة العلماء من الأول قائمة علی أن هذه الروايات متعارضة علاوة علی الرواة.

الجواب عن هذا الاستدلال من الشيخ الانصاري و ربما ذكره الآخرون أولا نقضي. هذا الجواب حلي لكن ظاهره نقضي:

ماذا يقول الشيخ الأنصاري عن وجوه الجمع الذي جزم بها متأخروا العصر مثل انقلاب النسبة؟ انقلاب النسبة في كلام النراقي صورتان أو ثلاث صور و من أتی بعد النراقي جعل انقلاب النسبة ربما خمس صور أو ست صور. انقلاب النسبة بالدقة فذلكة صناعية كأنما معادلات رمزية في كيفية نسبة الدلالات مع بعضها البعض.

مثلا في انقلاب النسبة أقل ما يفترض فيه ثلاث أدلة متعارضة، الدليل الأول والثاني والثالث. إن لاحظت الدليل الأول و الثاني أولا ثم لاحظت الدليل الثالث فالنتيجة ستكون من نمط معين وإن لاحظت الدليل الأول و الثالث أولا ثم لاحظت الدليل الثاني فالنتيجة ستكون من نمط آخر و ان لاحظت الثاني و الثالث أولا ثم لاحظت الأول فالنتيجة ستكون من نمط آخر. و إذا تلاحظ الثلاثة معا ستكون النتيجة غيرها. هذا من موارد انقلاب النسبة. المهم أدلة متكثرة يلحظ فيها الأدلة المتكاثرة مع بعضها البعض أولا ثم يرتب و يلاحظ البعض اللاحق و البعض اللاحق.

اكثر الرواة بل حتی أكثر العلماء و أكثر العرف لايلتفتون إليه، مع ذلك المتاخروا هذا العصر قالوا إن انقلاب النسبة في كل صوره الثلاث أو الست أو الخمس المهم في ثلاث لسانات فأكثر و إن كانوا في رواية واحدة. فبالتالي المتاخروا هذا العصر يعترفون بأن العرف لايلتفتون إليه مع ذلك يقولون جزما هو الصحيح. حتی السيد الخويي و الميرزا الناييني و هم من أصحاب مدرسة التساقط قالوا انقلاب النسبة في بعض صوره جزما صحيح. بحث نظري جدا. هذا الاشكال أيضا يرد علی انقلاب النسبة، لاالرواة يلتفون اليه و لاأجيال العلماء السابقين جلهم و لاالعرف يلتفتون اليه. مع ذلك الشيخ يقول هو مسوغ. هذا الجواب كنقض.

هذه النقوض تجمع في عبارة واحدة، أن الجمع الصناعي الإستنباطي الإجتهادي لاالعرفي فيه أنواع من الجمع ارتكبوه الأصوليون لايلتفت إليه العرف بل لم يلتفت اليه العلماء السابقون و ابتكرها العلماء اللاحقون و اكتشفوها مع ذلك محكمة.

النقض الآخر: الورود. يبنون عليه القدماء و التعارض علی أنه من التعارض. الشيخ الانصاري رحمه الله اكتشف الورود و ربما استاذه النراقي شمشم الورود وهو حل منطقي و مرتب. هذا أيضا جمع إستنباطي إجتهادي و ليس عرفيا. لكنه اكتشفه جملة من النوابغ. بعده أنواع الحكومة التي اكتشفها الشيخ ربما استاذه النراقي حسب كلام المظفر. أنواع الحكومة الحكومة التفسيرية و الدلالية والثبوتية و الورودية حتی السيد الخويي ابتكر قسمين من أنواع الحكومة لم تبتكر قبل السيد الخويي و ابتكار جدا جزل. و اشرت في السنين السابقة عليه و نِعم به. الناييني و الآخوند عندهما ابتكار في اقسام وأنواع الحكومة و باب واسع و كلها من الجمع النظري والإستنباطي و الإجتهادي الذي لم يكتشفه السابقون.

مثال آخر: كل المسائل النظرية التي اكتشفها الأصوليون جمع الأمر والنهي أو مقدمة الواجب هذه البحوث كلها نظرية و صعبة. الواجب المعلق و الواجب المنجز و الواجب المشروط. هذه الصور التي اكتشفها الأصوليون رمز بأن الحالات للاحكام الشرعية ليست سهلة الوقوف عليها والقدماء ربما كانوا يبنون علی التعارض و الإبهام بينما المتاخرون جيلا بعد جيل اكتشفوا إطر و أحوال الأحكام و قوالبها. هذه الحالات جديدة علی الذهن الإجتهادي لكن موجودة.

هذه المباحث الموجودة الضد و المقدمية و الجامع للصحيحي و الجامع للاعمي هذه ليست طرف فكري بل ماهيات الأحكام وماهيات الجعل الشرعي. توليفات بين الأحكام و معرفة خواص الأحكام ليست علی وتيرة واحدة يمكن التوليف بينها كل هذه البحوث النظرية بالدقة هي جموع نظرية وتصرفات في الأدلة. الحكم الوضعي والحكم التكليفي و الوجوب الضمني و غيرها و نِعم ما اكتشفوا و كلها تصرف في دلالة الدليل و التوليف بين الأدلة بشكل نظري، بينما الرواة و غير الرواة يبنون علی أنها تعارضات.

هذه النقض فيه حل.