الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/01/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:باب التعارض، إشكالات الشيخ الانصاري في قاعدة الجمع. العموم في الحجج إستغراقي و يلازم العموم المجموعي و العموم المجموعي لايتنافی مع العموم الإستغراقي.

كنا في الأدلة التي استدل بها الشيخ الأنصاري لمنع قاعدة «الجمع مهما أمكن أولی من الطرح.» و أجبنا عن بعض الإشكالات مثل أن التعبد بصدور كلاالخبرين غير معقول.

ذكرنا نقطة وهي من توابع فذلكة أن الحجية مجموعية وليست بدلية. المعروف أنه في مقام الاستدلال، الحجية بدلية لكن لاتقتصر علی العموم الاستغراقي بل علاوة علی الإستغرافية هي مجموعية وملحوظ من البعد المجموعي، سيما في مقام الحجج ويغفل عنه كثيرا في مباحث الحجج، سواء علی صعيد علم أصول الفقه أو الفقه أو الكلام.

لايبعد القول بأن العموم الإستغراقي في الحجج يلازم العموم المجموعي من دون التنافي ويمكن أن نستخرج قاعدة وهي أن العموم الاستغراقي في الحجج لامحالة يلازم العموم المجموعي من دون منافاة بين كونه مجموعيا و إستغراقيا.

الآن نأخذ في هذا الكلام لكي نشرح مباني المشهور، هذا المبحث خطورته أشد حتی من التعارض، وهو أن العموم الإستغراقي في الحجج طبيعته العموم المجموعي مع التنبيه علی أن العموم المجموعي لايتنافی مع العموم الإستغراقي مع أن العموم المجموعي كأنما مضادّ للعموم الاستغراقي غالبا لأن كونه مجموعيا يعني البعض لايكفي بل في الامتثال لابد من المجموع، لكن في الحجج العموم الاستغراقي يلازم المجموعي و المجموعي لايتنافی مع الإستغراقي حتی في العلوم العقلية و التكوينية و التجربية أيضا هكذا. هذا يمكن أن نسميه منهجا إستنباطيا و استدلاليا سواء في العلوم الدينية أو العلوم التكوينية. إن في الحجج العموم إستغراقي و يلازم العموم المجموعي و العموم المجموعي لايتنافی مع العموم الإستغراقي.

أذكر جملة من الموارد الخطيرة في هذا البحث في الأبواب العديدة في الفقه و علم الأصول و علم الكلام في كيفية هذا النظام. هذا يدلل علی خطورة النظام المجموعي الذي أُغفل عنها في مسلك السيد الخويي و كثير من تلامذته طبعا بسبب مدرسة السيد أحمد بن طاوس.

المورد الأول في باب مستندات الفقيه و المجتهد عندما يفتي: هو يعتمد علی جملة من الأدلة الروايات أو الآيات وربما الأصول العملية. هذه الأدلة ربما كل واحد منها معتبرة و بنفسه يفيد النتيجة فحجيتها إستغراقية باعتبار حجية الظهور وهلم جرا (المفروض تم الفحص وليس هناك من معارض و مخصص و قرينة منفصلة)

لكن مع ذلك تری الفقهاء في سيرتهم العلمية من أول الفقه إلی آخره، يقولون: دليل هذه المسئلة مجموع هذه الروايات وماهو السبب ان يلتزمون بالمجموع و لايكتفون بالجميع و النظر الإستغراقی، بل تلتزمون بالمجموع؟ واضح أن القوة الإحتجاجیة في المجموعية أکبر و أقوی درجة في الحجية من العموم الإستغراقي. مثلا قد يتولد الاستفاضة من مجموع الروايات من خمس روايات من طرق مختلفة كما يصرح به السيد الخويي. بل عنده رحمه الله أن خمس روايات صحيحة السند سنة قطعية، يعني التواتر. هذا ليس فقط عند السيد الخويي ربما مشهور المحدثين أو علماء العامة عندهم هذا المبنی أن التواتر ينشأ من خمس طرق. طبعا التواتر له عامل كمي و كيفي لايغفل عنه.

المقصود هذه النقطة الصناعية أن سبب لحاظ المجموعي في الحجج هو أن في المجموع درجة الحجية أقوی و أكبر ولايمكن أن يغفل عنها وأن هذه الدرجة من الحجية قد يترتب عليها أثر آخر مثل كونها سنة قطعية وحينئذ تصير ميزانا يعرض عليها بقية الأدلة. هذا أثر آخر للحجية غير أثر الحجية الاستغراقية.

المشكلة في جو هذا العصر الا القليل من القميين أو النجفيين هي أن لحاظ جانب المجموعي مغفول عنه مع أن له آثار عجيبة في الأبواب العديدة. ربما ذكرت الاخوان أن القدماء حتی المتأخري الأعصار يذهبون إلی أن الأصول العملية الموافقة للأدلة الإجتهادية ليست متاخرة رتبتا عن الأدلة الاجتهادية يعني يحتج بها لاأنه يحتج بها تعليقا و استطرادا. مثلا الإستصحاب الموافق للرواية معتبرة مع أن الرواية المعتبرة دليل اجتهادي كيف تصل النوبة إلی الإستصحاب؟ قالوا لاتصل النوبة إلی الإستصحاب إذا كان الأصول العملية مفادها مخالفة للأدلة الإجتهادية، أما إذا كانت موافقة فمبنی القدماء علی أنها حجة. نعم هذا صحيح أو لا فيه اختلاف لكن أيا ماكان يشير إلی أهمية المجموعية في الأدلة.

حتی في القرآن الكريم و المصحف الشريف إذا تكاثرت الآيات الدالة، يقال استفاضة دلالة القرآن. المجموع له خاصية تختلف عن العموم الإستغراقي و للأسف الجو الغالب غافل عن الحجية المجموعية.

هذا مورد و ليس موردا بل باب وهو مستند الفقيه في الفتوی و الإستنباط. سيرة علماء الشيعة علی تحشيد الأدلة يعني مجموع الأدلة ولايكتفون بدليل واحد.

من ثمرات المجموع أنه دائما المجموع يعطيك نظرا للموضوع من زوايا متعددة كاملة بخلاف الدليل الواحد. هذا طبعا واضحة.

المورد الثاني من الأمثلة في باب القضاء: إذا وجد القاضي أن هناك بينات يعتمد علی مجموعها حتی لو الطرف الآخر أتی ببينة يلاحظ عدد البينات في الترجيح و هذا مسلم في باب القضاء و منصوص عليه و متفق عليه في الفتوی.

المورد الثالث: الترجيح الذي ذكر في باب القضاء بين البينات حتی في باب التعارض أيضا موجود. ان العدد و التعداد المجموعي له ميزة و إمتياز. هذا هو الباب الثاني و الثالث.

المورد الرابع: أيضا في باب القضاء ذهب جملة كثيرة من الأعلام لاسيما القدماء إلی أنه إذا كانت قضية معينة في مسئلة معينة قضائية هل يصوغ فيها أن يتصدی في القضاء عدة قضاة ذوي الشرائط أم لا؟ جملة كثيرة من فحول الفقه و القدماء يذهبون إلی صحته بل هو راجح في المسائل القضائية حتی في القوانين العقلائية، إذا كانت قضية خطيرة لايجعلون قاضيا واحدا بل يجعلون لجنة قضائية. هذه نكتة مهمة مع أنه في القضاء سواء في القضاء الشرعي أو القضاء الوضعي كل واحد من القضاة له صلاحية بلحاظ العموم الإستغراقي لكن الأرجح في القضايا الخطيرة مثل الدماء أن يتصدی للقضاء مجموع القضاة. إذاً إذا اختلفوا القضاة فالأكثر و الأكفأ كما و كيفا. ذكرت للإخوان أن هذه المسئلة موجود عند كثير من اعلام الامامية من القدماء حتی المتاخرين لعل صاحب الجواهر.

باب القضاء باب جدا دسم ضخم، لعلنا بعد المعاملات إذا بقينا أحياء نشرع باب القضاء لأنه باب عجيب يدخل علی الفقه و الأصول و العلوم السياسية و العلوم الكثيرة و هو من أصعب أبواب الفقه.

في باب القضاء هذا المبنی عند كثير (لاأقول أكثر و لاأقول مشهور هذه الاصطلاحات تختلف عن بعضها البعض. كثير يختلف عن الأكثر و يختلف عن الغالب و يختلف عن المعظم و يختلف عن المشهور و الأشهر و هلم جرا) كثير من الأعلام. و أشير إلی القضاء المجموعي في مصححة عمر بن حنظلة. هذه المصححة رواية عظيمة في العلوم و القواعد الفقهية و باب الفتياء و معجزة عجيبة ولذلك بعض كثير من أعلام الإمامية وثّقوا عمربن حنظلة لاجل هذه الرواية نفسها. لأن الامام لايعطي العلم الثقيل لأيّ واحد مع أن الحمدلله استقصينا قريبا من ثلاثة عشر قرينة مسندة صحيحة علی جلالة وزعامة عمربن حنظلة و أنه كان أحد مراجع الشيعة متقدما زمانا علی محمدبن مسلم بنص صحيح إلی محمد بن مسلم و شواهده ذكرناها في الكتب. هذا مثال رابع.

المورد الخامس: أيضا باب آخر في الحجية المجموعية في علم الحديث من الواضح ان التواتر يختلف عن الروايات الاحاد، حتی لو كانت الروايات معتبرة لكن التواتر صفة و ميزة للحجية بدرجة تختلف عن الروايات المعتبرة. الأخبار الاحاد داخل التنازع في كل مذهب هل يعمل بأخبار الآحاد أم لا؟ بينما التواتر مسلم. مثلا منسوب إلی الشيخ المفيد إلی المحقق الحلي بل إلی الصدوق و المرتضی و ابن حمزة و الحلبيون و ابن سلار إلی ابن ادريس لايعملون بأخبار الآحاد. المقصود درجة حجية المجموع تختلف عن درجة حجية الآحاد هذا في علم الحديث. ( الاستفاضة أقل حاجة كمية أو كيفية لتحصل )

ذكرت هذا المثال، بعض الاعلام قبل سنوات كان أشكل علی البينات في الهلال كيف تعد البينات حجة مع أنهم كذا و كذا و ذكرت الإجابة: أن هذه البينات ليست اثنين و لاأربعة بل هذه قريب ستة عشر و عشرين من مدن مختلفة ليس بينهم معرفة ومع وصول الشهود في الهلال إلی الاستفاضة، حينئذ المسئولية في تعديل كل فرد فرد لاتكون اليها حاجة. هذا الفرق بين الاستفاضة و المجموع و الاحاد.

المورد السادس باب في الحقيقة و قاعدة: لدينا خمسة أبواب في الفقه و خمس قواعد نص عليها في الروايات أنها تثبت بالشهرة و الإشتهار ومفتی بها. النسب و الوقف و الملك و الولايات و الوصايا. المهم خمسة أبواب تثبت بالشهرة. يعني هذا مسجد. فمن قال انه ليس مسجدا وليس لدينا دليل تاريخي لبناء هذا المسجد أو من بناه، ليس له الحق أن ترفع اليد عن مسجدية المسجد. طبعا يدالمسلمين شهرة. في هذه الموارد النفي يحتاج إلی الإثبات. الاثبات موجود بالشهرة بيد المسلمين. هذا البيت متولين لهذا المسجد أو هذا المستشفی و ليس عندنا دليل تاريخي. مادام اليد و الشهرة موجودة عكسه يحتاج إلی الإثبات و الدليل. طبعا الفقهاء حتی ذكروا أن قاضيا موجودا في المدينة و مشتهرا أنه منصوب من الإمام المعصوم ليس للبعض الحق أن يشكوا فيها مادام الشهرة موجودة. الاثبات لايحتاج إلی الدليل. هذا المطلب ذكره المحقق الحلي في باب القضاء.

هذه المراقد لأولاد الأئمة عليهم السلام نفس الكلام. لانحتاج إلی الدليل التاريخي لاثبات السيدة رقية أو الشريفة العلوية عليهما السلام. مادام الشهرة موجودة، فقهيا لاندبيا أنت ملزم الأخذ به. إلا أن يثبت العكس. طبعا هذا حكم ظاهري و و الواقع بيد الله، نعم كل الأحكام ظاهري. إذا ثبت عندك خلاف ذلك هذا بحث آخر. لاأنك تحتاج لاثباتها إلی الدليل فقاعدة الشهرة كاف. البعض يخوضون في هذه القضايا كأنما لايلتفتون إلی أبجديات الفقه. أنت ملزم أن تأخذ بظاهر الحال إذا كنت ملتزم بالفقه. هذه موازين فقهية. هذا مثال آخر و باب آخر.

المورد السابع: نذكره لأن الحجية المجموعية تختلف عن الحجية الاستغراقية. في باب الاجتهاد و التقليد في موارد توافق الفقهاء و المجتهدين في الفتواء لاموارد الإختلاف، فتوی المشهور حتی المتأخرين أنه يخير الإنسان في تقليد الأعلم أو غير الأعلم في موارد توافق الفتوی فيجوز يقلد غير الأعلم. هذه فتوی مسلمة ويترتب عليها الآثار. نعم في موارد الخلاف يلزم تقليد الأعلم. هذا متفق عليه في كل فتاواهم. الإلزام بالأعلم فقط في موارد الإختلاف. الذي أذهبُ إليه هو أن المقلد ليس مخيرا بل يلزم بتقليد المجموع و الجميع في الفتاوی المتفقة عليها. ماذا آثارها؟ غدا نذكرها.