41/01/28
الموضوع: باب التعارض، أشكالات الشيخ الانصاري علی قاعدة الجمع، الاشكال الثالث و الرابع
كنا في إشكالات الشيخ الأنصاري رحمة الله عليه حول قاعدة الجمع مهما أمكن أولی من الطرح مع الالتفات إلی أن الشيخ كمبنی المشهور يذهب إلی عدم التساقط لكن إشكالاته تكون حول قاعدة «الجمع مهما أمكن أولی من الطرح» والتأويل بالنمط الذي ينسبق اليه ذهن الشيخ وإلا مراد المشهور ليس كما انطبع عند متأخري الأعصار.
الإشكال الثالث لدی الشيخ: أن عند التعارض علی أقل تقدير، أربع حجج متعارضة، حجية الصدور في الطرفين و حجية الظهور في الطرفين. فلماذا يكون الترجيح مع التعارض لحجية الصدور في كلاالطرفين علی حجية الظهور في أحدهما؟ إنها نتيجة التأويل والجمع التبرعي وارتكاب التأويل في كلاالظهورين، لماذا يقدم الصدور علی الظهور؟
يمكن تلخيص الإشكال بهذه العبارة، لمَ يقدم الصدور علی الظهور؟ لماذا لايكون علی العكس؟
فقد يقال كما يذهب إليه الشيخ: إن الظهور يقدم علی الصدور فأحد الصدورين يسقط. إن الشيخ يذهب إلی مبنی عدم تساقط الخبرين لكن أحد الخبرين يسقط مقتضی القاعدة.
ببيان آخر لنفس هذا البحث و التقرير، أن الشيخ الأنصاري يريد أن يقول: أن رفع اليد عن أحد الظهورين فضلا عن كلاالظهورين بقاعدة الجمع هذا هو أيضا إسقاط الحجية، إسقاط حجية الظهور وبعده إسقاط حجية الصدور لأن معناها أن صدور هذا الظهور لم يتم. فالنتيجة هي نفس القاعدة التي يتبناها الشيخ أن الصحيح علی مقتضی القاعدة ليس تساقط الخبرين لكن سقوط أحدهما لابد منه. هذا كلام الشيخ الأنصاري.
والجواب: يتضح مما ذكرنا مفصلا في الإشكالات و البحوث السابقة لكنا نلخص: حجية الظهور ليست حجية بسيطة بل حجية الظهور في الحقيقة متركبة من الدلالة التصورية و الدلالة الإستعمالية و الدلالة التفهيمية والدلالة الجدية و الجدية لها مراتب، فقاعدة الجمع مهما أمكن ليس رفع اليد عن حجية الظهور رفعا محموليا. الأعلام المتأخرون هكذا فهموا من مسلك المشهور، أنه رفع محمولي يعني الظهور موجود لكنك ترفع اليد عن حجيته، هذا ليس مراد مشهور القدما بل مرادهم هو أن التعارض و الدليل المعارض هو بنفسه قرينة وعنصر من عناصر الظهور تستثمر والتناقض عنصر من عناصر الظهور هو بنفسه قرينة يدخل في كينونة الظهور بنينويا موضوعا لا أن الظهور موجود نرفع اليد عنه، كي يقال لمَ نرفع اليد عن حجية الظهور و لانرفع اليد عن حجية الصدور؟ هذا التقريب ليس في محله بل الظهور بنيويا مثل المخصص المعارض غير المستقر أو المقيد المعارض غير مستقر، قضية العام و الخاص بحسب المنطق تناقضا لكن عند الأصوليين والعرف لايعد تناقضا لان نفس الخاص و المقيد قرينتان فيبقی ظهور العام باقيا وتكونان عنصرين من عناصر التصرف في ظهور العام.
ببيان آخر مر بنا: الظهور عبارة عن تطابق الإستعمالي للتصوري والتفهيمي للإستعمالي و الجدي للتفهيمي فضلا عن مراتب الجدية الأخرى فحينئذ مع وجود قرينة من أحد المراتب يرفع اليد عن أصالة التطابق. أصالة التطابق أصول لفظية و في عالم الظهور الأصول اللفظية بمثابة الأصول العملية والقرائن الخاصة بمثابة الأدلة الإجتهادية، فلامحالة تقدم القرائن الخاصة علی الأصول اللفظية في الظهور يعني أن الغفلة عند متاخري العصر في إشكالاتهم علی مبنی المشهور ممن تقدمهم من الأعلام هي أنهم جعلوا الظهور كأنما قالب حديدي لا أنه لين قابل للتصرف والحال أن الظهور طبيعته لين قابل للتصرف و التغيير فكأنما الشيخ كمتأخري العصر جعل الظهور قالبا منجمدا غير قابل للتغيير في إطار واحد فحينئذ لمَ نرفع اليد عن حجية الظهور ونقدم حجية الصدور؟ والحال أنه ليس هكذا، إن نفس التنافي عنصر يبيّن لنا ظهورا آخر بدون أن ترفع اليد عنه. و شيء مبده في عالم الظهور ونظام الظهور ان القرائن المنفصلة لها دور في بنية الظهور سواء الدور في المراد الجدي النهايي أو المراتب الأسبق حسب اختلاف مباني الأعلام. فبالتالي هناك تصرف أو تكوين أو صيرورة في تكوين الظهور لاأنه رفع اليد عن الظهور. هذا إجمالا الجواب و الواقع المتين
لو غمضنا العين عن هذا البحث مع أنه فذلكة بلاغية من عالم المعاني لكن لوتنزلنا و غمضنا العين وقلنا إن الظهور قالب حديدي ولايتبدل الظهور في كل طبقاته كأنما الظهور طبقة واحدة وإن المنفصل لايتدخل في الظهور كعنصر من عناصر الظهور لو غمضنا عن هذا المطلب فمبنی المشهور صحيح أيضا. لأنك إذا أسقطت حجية الصدور أسقطت حجيتين، حجية الصدور و حجية الظهور. أما إذا أسقطت حجية الظهور فحجية واحدة، فيدور الأمر بين إسقاط الحجيتين في خبر و بين إسقاط حجية واحدة في أربع حجج. فطبيعي الضرورات تقدر بقدرها. بخلاف ما إذا قلنا أن الحجيتين يسقطان ولو بتقديم حجية الظهور ربما عند المتاخري الأعصار من قبيل الورود، لكن أيا ما كان هذا ليس لها أولوية كما يزعم متأخروا الأعصار و الشيخ الأنصاري. فهذا الوجه أيضا غير تام.
شاهد علی قاعدة الجمع: أتصور ذكرنا في الشواهد علی قاعدة الجمع مهما أمكن أولی من الطرح هذا الوجه و أشرنا إليه إشارة إجمالية لاتفصيلية في وجوه استند إليه المشهور في قاعدة الجمع لكن ما بسطناه.
نفس القرآن الكريم عنده يكون هذا النظام، النظام التأويلي وأن الجمع مهما أمكن أولی من الطرح، في قوله تعالی من الآيات المهولة عظمة في نظام حجية القرآن و هي «هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب و أخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأوليه و ما يعلم تاويله إلا الله و الراسخون في العلم.» هذه الآية الكريمة تبين أولا أن أسلوب التشابه موجودة في القرآن الكريم و التشابه يعني أن المتشابه لايستطيع أن تستحصل المعنی الجدي النهايي من نفس فقراته لحكمة ما و الموجود في الروايات أن الحكمة إشعار البشر أنهم لايستطيعون الإحاطة بكل الوحي من دون الإستعانة بالراسخين في العلم المطهرين. بالتالي هذا الأسلوب يستخدمها القران أن من آية واحدة لاتستحصل الظهور النهايي بل يجب أن تقرأ هذه الآية بآيات مهيمنة أخری و هي المحكمات يعني أسلوب التأويل و التصرف في الظهور و تحويلها إلی معنی آخر بشواهد منفصلة. هذه هي قاعدة أن الجمع مهما أمكن أولی من الطرح، يعني بالقرينة القوية تأول الظهور الموجود بدلالات أخری، فهذا نظام موجود في القرآن الكريم.
«وما يعلم تأويله إلا الله و الراسخون» يعني أن هذا التحويل خفي جدا يلزم أن تستعان بقدرة من الله و خلفاء الله. ما قال الراسخون في الجهل بل الراسخون في العلم يعني أنه تكون قناة وحيانية بينهم و بين الله عزوجل. فبالتالي إذاً نوع من التأويل الخفي موجود ولايخرج عن حجية الظهور و الإستعمال. هذا نظام تقريبا أربعة عشر قرن قبل كان الطرف الآخر يطعن علی مذهب و منهاج أهل البيت بأنه باطني لكن الآن عقل البشر تطور و عرف بأن القرائات المتعددة للنص من فلسفة الألسنيات. الان هذا الطعن الذي يطعن الطرف الآخر أصبح برهانيا وإعجازيا لإمامة أهل البيت يعني تعدد الخفاء في الدلالات هذا علم جم امتاز به اهل البيت دون غيرهم فإذاً هذا نظام أن الدلالة علی مراتب. أنظر هذه الآية الكريمة لعل جل قواعد علم التفسير في هذه الآية حتی جل كثير من العقائد. فعلی كل هذا وجه آخر في قاعدة الجمع و مراتب الدلالة و مراتب التأويل وصياغة الظهور وهلم جرا.
نرجع إلی إشكالات الشيخالاشكال الرابع: أن حجية الصدور في كلا الطرفين ممتنعة و غير معقولة. مبنی الشيخ عدم التساقط في كلاالطرفين بل تساقط أحدهما هذا غير مدرسة الناييني و السيد الخويي رحمة الله عليهم . لماذا أنه غير معقولة؟ قال: لأن الظهورين متناقضان. و هذا الظهور غير ممكن التعبد به.
هذا الاشكال ليس فيه زيادة عما تقدم. يعني جوابها يعلم مما تقدم و نحن نقول: ياشيخنا أنتم علمتمونا و علی يدكم تعلمنا من المشهور و الكبار أن الظهور دلالة تصورية و دلالة إستعمالية و دلالة تفهيمية ودلالة جدية، أي منها غيرمعقول؟ علی الصعيد التصورية التعبد غير معقول؟ بل معقول و ما فيه أي مانع، العام تصورا بحسب عرف العلوم العقلية العام و الخاص المتخالفين سلبا و إيجابا متناقضان مستقران و لاأحد يقول بأن الخاص المنفصل يتصرف في التصور في العام. التصور الخاص لايتصرف في التصور في العام المنفصل، غاية ما قال القدما قالوا الخاص المنفصل يتصرف في الدلالة الإستعمالية في العام. كيف يتعبدنا الشارع بالظهور المتناقض؟ التناقض علی صعيد التصور مافيه مانع و التناقض علی صعيد الإستعمال أيضا ما فيه مانع، التناقض علی صعيد التفهيم أيضا ما فيه مانع. سواء في التناقض السلب الكلي والايجاب الكلي أو السلب الكلي و الايجاب الجزئي لان التناقض ليس من ضرورة أن يكون بين السالبة الكلية و الموجبة الكلية بل حتی الموجبة الجزئية مثل التخصيص والتقييد فالتناقض في الظهور علی صعيد التصور والتفهيم و الإستعمال مافيه أي مانع. سواء الكلي و الكلي أو الجزئي والكلي. التناقض علی صعيد الجدي الكل من الاولين والآخرين يقولون لابد من التصرف فلايشكل التصوري و الاستعمالي و التفهيمي تماما عناصر الدلالة.
ذكرنا مرارا أن مبنی السيد الخويي و مدرسة السيد الخويي و أكثر تلامذة السيد الخويي علی حسب أن كل رواية حجة مستقلة. لكن ما فيه استقلال بل استقلال صوري. فيه دائما تشابك علی صعيد المراد الجدي، الصدور و السند لايشكل كل شيء بل الأسانيد و الصدورات، لأن حقيقة الحجية هي تراكمية. سواء في علم الأصول أو علم الفقه و الرجال و التاريخ. هل رأيت أحدا فتح كتاب لسان العرب و يقول ما هي الأسانيد الموجودة في كتاب لسان العرب أو كتاب الصحاح للجوهري أو القاموس المحيط. كلها مراسيل. أو كتاب العين أو أساس البلاغة أو تاج العروس أي كتاب.بل هو من باب تراكم القرائن بين كتب اللغة و بين الروايات و بين الآيات تنجمع والضريب الاحتمالي كما و كيفا يتصاعد مثل التواتر. القيام الكبری في الإستنباط تقوم بكتب اللغة و كلها مراسيل. هذا المنهج الذي اتخذتم في كتب اللغة اتخذوا في الروايات. مسلك صاحب الجواهر و الشيخ الانصاري و الشيخ المفيد و السيد المرتضی كلهم مسلكهم هكذا حتی المحقق الصدوق رحمه الله. المراد الجدي مجموعي و ماعندنا مراد جدي فردي و هذا محال. ما عندنا حجج حتی استغرافي بل مجموعي لذلك أصر في باب التقليد و الفتاوی لمن هو واجد للشرائط حتی من الطبقات المختلفة في الفتاوی المتفقة تعيينا التقليد للمجموع. هذا البحث ينسحبها حجية الخبر الواحد و حجية الفتوی و حجية الروايات. فإذاً هذا الاشكال الذي ذكره الشيخ مبني علی استقلال الحجج و هو غير صحيح.
أن القدماء ذهبوا في باب العام و الخاص أو باب الدلالات أن القرينة المنفصلة غالبا تكون قرينة استعمالية لأن الخاص أو المقيد أو المفسر أو الحاكم والدليل المنفصل يتصرف في المعنی الإستعمالي يعني عند مشهور الاصولين القدما إلی سلطان العلما و هو في القرن الحادي عشر يعني عشرة قرون من علما الفريقين يرون بأن المنفصل دخيل في تكوين ظهور الدلالة الاستعمالية في الخبر أو الآية. هذا يعني أن الأدلة سواء في الآيات و الروايات حتی علی صعيد الظهور الإستعمالي هي مجموعي و ليس منفكة و منفصلة عن بعضها البعض. هذا أبعد من تخيل الإنفراد في الأخبار. هذه جوهرة جديدة و جيدة. الروايات مجموعية حتی علی صعيد الإستعمالية و التفهيمية و الجدية. الميرزا الناييني يقول علی صعيد التفهيمي للمنفصل له دور و الآخوند ماقبل وقال التفهيمي ليس له دور وفي الجدي له دور، بل الاخوند قال في الجدي الأول ليس له دور بل الجدي النهايي و هذا بحث من بحوث علم البلاغة و علم البيان. كانما الظهور والدلالة بحيرة واحدة، هذه البحيرة يصب فيها روائد عديدة. البعض يقول علی صعيد الاستعمالي و البعض يقول علی صعيد التفهيمي وبعض يقول علی صعيد الجدي الأول و بعض يقول علی صعيد الجدي النهايي أيا ما كان علی مسلك الشديد للمرحوم الاخوند ما عندنا رواية واحدة هي حجة مستقلة و ممتنع أصلا.
جوهرة نفيسة ولغز حججي و صناعي بنی عليه المتاخرون لكن تفسيرها مبهم و معقد: قالوا: إن الخبر الضعيف صدورا و دلالة جزء لايتجزء من ظهور الخبر المعتبر. هذا يبني عليه الكل خلافا للسيد الخويي رحمه الله. حتی الناييني هذا المبنی عنده أن الخبر الضعيف صدورا و دلالة جزء لايتجزء من صدور و ظهور الخبر المعتبر. كيف يسير؟ الشيخ الأنصاري ذكر هذا البحث في حجية الخبر الواحد و حجية الظهور. و للأسف تركوا كتاب الرسائل و من أكبر المحرمات.
إن شاء الله نخوض فيه غدا.