الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/01/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب التعارض، إشكالات الشيخ الانصاري علی قاعدة الجمع

وصلت بنا النوبة إلی إشكالات الشيخ الأنصاري رحمه الله علی قاعدة الجمع. لايشكل الشيخ علی أن مقتضی القاعدة هو عدم التساقط بل فقط يشكل علی قاعدة الجمع مهما أمكن أولی من الطرح فاستدل الشيخ الانصاري بعدة أدلة.

الدليل الأول: لو نقبل بقاعدة الجمع يؤدي ذلك إلی انسداد باب الترجيح بالمرة، الترجيح بين الروايات و الحال أن العمل بالترجيح ضرورة من ضروريات سيرة علماء الإمامية فتواً و نصاً.

الجواب: هذا الاشكال فيه مسامحة من الشيخ الأنصاري لما انطبع عند المتأخرين من معنی خاطئ لقاعدة الجمع، المعهود في الأذهان أن المراد بقاعدة الجمع يعني الجمع التبرعي كيف ماكان، كأنما بلاموازين وبلاشواهد، لكن سبق في بيان القاعدة أن المراد بهذه القاعدة أبداً ليس العمل بالجمع والتأويل بلاموازين وبلاشواهد وبلامراعاة رتب، بل المراد من قاعدة الجمع مراعاة مراتب الدلالة الأقوی فالأقوی، غاية الأمر إذا امتنعت مراتب الدلالة الجدية بالوجوه و الشواهد المختلفة طولا، إذا امتنعت لاتصل النوبة إلی التساقط بل أدنی احتمال في مفاد الروايتين هو وجه جمع لا أنه إبتداءا يبني الفقيه علی صرف مجرد الإحتمال. هذا نوع من الإنطباع الخاطئ عند المتأخرين عن المتقدمين وما قديلاحظ من الشيخ الطوسي رحمه الله أو القدماء أنهم يبدون الإحتمالات إبتداءا لا لأجل أنهم يؤوّلون عليه إبتداءا، يبدون إبتداءا كي يذكّرون الباحث أن أفق دلالة الروايتين أو الآيتين أفق وسيعة وفيه احتمالات كثيرة، لكن انتخابها يراعی فيه الأقوی شواهدا وقرائنا، فالاقوی يقدم علی الأضعف لاأن مرادهم أن يؤوّل إبتداءا علی صرف الإحتمالات من دون الشواهد، فهذا الذي يبديه الشيخ الطوسي من فنون الإحتمالات في الروايات في التهذيب والإستبصار لكي يسد الباب علی التناقض أو التهافت أو التكاذب الذي يتخيله الباحثون عندما يلجون في الروايات يكي يبدون أن المراد غير منحصر في التنافي والتناقض فتصحيحا لمراد المشهور والقدماء لقاعدة الجمع، ليس مرادهم التبرع بقول مطلق، بل التبرع حتی الإحتمالي هذا عند نهاية المطاف حتی يبدي أن فيه إحتمالات و وجوها قابلة للتوفيق و التوافق والتوالم بين الروايتين أو بين الروايات المتعارضة. فإذاً هذه نقطة أخری تسجل علی الشيخ وعلي المتأخرين و نقطة ثانية في الجواب.

النقطة الثالثة في الجواب عن هذا الاشكال هي أن الترجيح وقرائن الترجيح تجعل الدلالة اكثر في الراجح والمرجوح في المرجوح، فيعطف المرجوح علی الراجح فما خرج عن قاعدة الجمع. من قال بان الترجيح خارج عن قاعدة الجمع؟ بالعكس مر بنا أن تفسير المشهور للترجيح ليس هو تفسير المتأخرين للترجيح يعني إسقاط المرجوح و العمل بالراجح، بل العمل بكليهما و الجمع بينهما بقرينة الترجيح بتأويل المرجوح علی مفاد الراجح ولذا المشهور إذا رأوا الرجحان من جهة في طرف و رجحانا من جهة أخری في الطرف الآخر، من جهة يؤولون مفاد الثاني علی الأول و في فقرة أخری وجهة أخری يؤولون مفاد الأول علی الثاني. هذا من فنون الترجيح عند المشهور لأن قرينة الترجيح عند المشهور تختلف عن ما هو في مدرسة الناييني و متأخري القرن الأخير بل مرادهم عن الترجيح هو التأويل و الجمع. فهذا أيضا من مؤاخذات الشيخ الأنصاري علی قاعدة الجمع وثلاث نقاط ذكرناها علی كلام الشيخ.

نكتة في الترجيح
أن الترجيح أيضا ليس تاسيسيا و العرف يرون الترجيح قرينة الجمع لاقرينة الإسقاط للمرجوح. طبعا الشي بالشي يذكر وذكرناه سابقا، حتی المرجحات الصدورية تفصل عند مشهور القدماء أنها مرجحات دلالية وترجع إلی الدلالة باعتبار أن الأعلم و الأفقه في الرواة ضبطه من النص و الدلالة أكثر من قليل العلم و إن كان كلاهما ثقة. فالمرجحات الصدورية يرجعها المشهور إلی المرجحات الدلالية. هذا سابقا مر بنا لأن تفسير الترجيح عند مشهور القدماء غير تفسير الترجيح عند المتأخرين بمعنی إسقاط المرجوح.

الدليل الثاني الذي يستدل به الشيخ الانصاري إشكالا علی قاعدة الجمع: قال إذا بنينا علی قاعدة الجمع يلزم الهرج و المرج في الفقه إذا نجمع بين الروايات بلاضابطة كيف شئنا. وهذا أيضا لايخفی عليكم مسامحة من الشيخ و المتأخري هذا العصر لتفسيرهم لهذه القاعدة، ليس مراد المشهور أنه إبتداءا وابتدارا بمجرد الإحتمال يجمع بين الروايات. الشيخ الطوسي والصدوق والمفيد كل القدماء عندما يبدون ابتداءا و ابتدارا الإحتمالات لايؤوّلون عليه بل يذكرونها كأنها هي نهاية المطاف يعني لايكون تناقضا بين الروايات والا يجب أن يؤوّل علی القرائن و الشواهد. هذا سيرتهم حتی الشيخ الطوسي في التهذيب يؤوّل علی الشواهد و يراجح حتی بين قرائن الترجيح. علی كل هذا الاشكال مسامحة.

ثم هذا الهرج و المرج الذي يفرضه الشيخ طبعا هذه شبهة قد يعنونها الحداثويون أصحاب فلسفة الألسنيات لقرائة النص الديني و كذا أن باب الإجتهاد يعني لاحظ الإحتمالات في قرائة النص الديني، فبالتالي هذه نوع من ألفوظة في قرائة النص الديني أو قل نوع من السفسطة و التشكيك في القرائات في النص الديني يعني لا له ميزان ولا له موازين. و الجواب عن ذلك أولا ليس كل مساحة الدين ظنيات بل مساحات كثيرة من القطعيات والضروريات ولو العوام لايدركونها، إنما يدركها المتخصصون والفقهاء بل بعض مساحات الضروريات لايدركها جمهور الفقهاء بل يدركها نوادر الفقهاء مر بنا مرارا. وبالتالي مساحة البديهيات أو الضروريات عند الفقيه ليست قليلة هذه المساحة تشكل الميزان الأكبر والأسس الدستورية في الفقه كدستور للدين. المحكمات لمّا يصفها القرآن بأنها أمّ الكتاب يعني أصولا دستورية للدين فهي تضبط المثار عن الهرج و المرج وتجعل هناك خطوط حمراء.

ثم الجواب الآخر علی كلام الشيخ أنه ليس اتّباع الفقهاء بالموازين تختلف قال: هناك الإختلاف حتی في الموازين، نعم، لكن ليس الإختلاف في الموازين إلی مالانهاية بل إلی مساحة بل مساحة كبيرة فيها ضروريات و بديهيات و قطعيات فالقطعيات في أحكام و قواعد أحكام علم الأصول والقطعيات وا لبديهيات في أحكام و قواعد الفقه تأمن عن الخروج عن الجادة فالإلتفات للموازين يحفظه عن الهرج و المرج والسفسطة و التشكيك والوسوسة.

اعتبار كتب الحديث بماذا؟

لابأس أن اذكر هذه النكتة النفيسة المرتبطة بالمقام وللأسف منهج السيد الخويي غائب عنه هذه النقطة تحليلا و تفصيلا وإلا إرتكازا ليس غائبا عند السيد الخويي، نكتة نفيسة و خطيرة جدا يجب أن نلتفت اليها في بحث التراث و التعامل مع التعارض.

إعتبار الكتب الحديثية لتراث أهل البيت ليس محصورا بأسانيد هذه الكتب. إن اسانيد هذه الكتب ظنية أو متواترة أو مستفيضة، بعض الكتاب متواترة و بعض الكتب مستفيضة و قليل منها ظني مع ذلك من المحال أن يكون حصر اعتبار هذه الكتب ناتجا ومتولدا من التواتر أو الإستفاضة أو الأسانيد المظنونة. من المحال ان يكون اعتبار هذه الكتب ناشئا حصرا من التواتر أو الإستفاضة أو الأسانيد المظنونة. من أين ناشئ؟ لو كان ناشئا فقط من التواتر أو من الاستفاضة أو الاسانيد المظنونة أبدا ماكانت هذه الكتب الحديثية وحيا ولانقدر أن نعتبرها وحيا.

كيف القرآن لم يتوهم أحد ارتكازا أن اعتبار القرآن ناشئ من المسلمين يعني تواتر القرآن عن رسول الله صلی الله عليه و آله إلی المسلمين، لما مر مرارا أن التواتر لايرقی إلی اليقين العقلي. التواتر يبقي في درجة اليقين الحسي وفي كل مدارس المعارف اليقين الحسي دون بمراتب عن اليقين العقلي. يقين لكن ليس مثل يقين ناشی عن القضايا العقلية. فضلا عن الوحي، الوحي يقين فوق اليقين العقلي بشري. شبيه بالبديهيات و الضروريات. فالقرآن الذي نصفه بأنه وحي هل لأجل نسبة التواتر القطعية؟ أعوذ بالله، حاشا، شأن القرآن أجلّ من هذا، لذلك تطلع أن المسلمين والكتّاب و المفكرين لمّا أرادوا أن يحاجوا منكري الإسلام و القرآن يحاجونهم بالمعجزات العلمية في القرآن أو بكون الأشخاص معجزا كالنبي و المعصومين صلی الله عليهم و سلم، هم شاهدون علی إعجاز القرآن ووحيانية القرآن. يتشاهد الوحي ببعضها البعض.

الان تحف العقول إذا تريد أن تقول هذا كتاب حديثي معتبر أو مسائل علی بن جعفر أو كتب الصدوق أو أي كتاب لانقول لاندرس دراسة كتاب علم الرجال لكن ليس كدراسة السيد الخويي، السيد الخويي عظيم من عظماء الأمة لكن ليس تخصصه في اعتبار الكتب. السيد الخويي رحمه الله باحث عظيم لكنه ليس المتخصص والمتضلع بل المتضلع و المتخصص هو الآغابزرگ التهراني وميرزا عبدالله الافندي لأنهما يبحثون تراث علماء الإمامية جيلا بعد جيل ينظرون بصائر الدرجات موجود أو ماموجود؟ في القرن الأول أو الثالث أو الخامس أو السادس و يذكروه. هذا المجال للتتبع لايسعه السيد الخويي لأنه كان مشغولا بالفقه والأصول و زعامة الحوزة والمرجعية شكر الله سعيه. لكن كل خندق علمية لها رجال باب اعتبار الكتب آغابزرگ تهراني ميرزا عبدالله افندي وصاحب روضات الجناة و السيد محسن الأمين في اعيان الشيعة و السيد حسن الصدر هؤلاء عمرهم صرف في هذا المجال مع أنهم الفقهاء و المجتهدون. لا اعتبار الكتب كما خصصه السيد الخويي، السند موجود أولا؟ تواتر الكتاب بوجود اسمه في جيل بعد جيل من علماء الإمامية هذا أعظم و غفل عنه السيد الخويي و ليس تخصصه. هذا تراث مع احترامنا لعظماء المذهب لكن هذا تراث المذهب ولايمكن جعله مرهونة للشخصية العلمية مهما بلغ من العظمة. الواقع العلمي شيء آخر. مع ذلك هذا الذي قام به هولاء الكبار حتی الميرزا حسين النوري رحمه الله هذا كله بحث الصدور، لكن اعتبار الكتب شيء وراء ذلك مع ما أقاموا به شكر الله سعيهم وأقام به النجاشي و الشيخ الطوسي شكر الله سعيهما. لاحظ علماءنا قالوا النجاشي مقدم علی الشيخ الطوسي مع أن الشيخ الطوسي كان زعيم الأمة لأن تخصصه للنجاشي وتخصصه مقدم علی الشيخ. آغابزرگ لم يكن زعيم الأمة لكن تخصصه يقدم علی السيد الخويي. النجاشي مع أنه ليس مرجعا إلا أن كل طبقات الإمامية إلا القليل قدّموا النجاشي علی الشيخ الطوسي. يا أخي في اعتبار الكتب السيد الخويي ليس بأعلم بل نقول أن السيد الخويي في بحث اعتبار الكتب متجزء و ليس مجتهدا مطلقا. لاحظوا انتقاداتهم للشيخ الطوسي هذه لاتقل شأن الشيخ الطوسي بل بالعكس تحقيق علمي كل علماء الطائفة ذكروا أعلمية النجاشي بل ذكروا كلمات عجيبة علی الشيخ الطوسي لكن لايضر بالشيخ الطوسي مثار علماء الامامية لايسير بالمجاملات.

اعتبار الكتب ككتب وحيانية ليس ناشئا من الصدور، الصدور لو كان حتی المتواتر هذا الصدور غاية مايولده اليقين و القطع الحسي. أنت تريد أن تقول هذا كتاب الوحي و كتاب الوحي لازم أن تشوف معاجز علمية إجمالا. طبعا إذا كنت متخصصا في الفقه تری المعاجز العلمية، التخصص في علم الكلام و التفسير و المتخصص في العلوم المتعددة يعرف المعاجز. توحيد المفضل هل هو كتاب المعصوم أو غير المعصوم؟ مسح البعد التشريعي في الطب و غير الطب طبعا فيه معاجز. ميزان في وحيانية الكتاب إجمالا فيه مساحات الغيب إذا طبعا عندك تخصص.

هذه نكتة جدا مهمة أن اعتبار تراثنا ليس وليد الأسانيد سواء المتواتر أو المستفيض. نعم يبدي جزئيا لكن ليس هو العمدة بل العمدة في إثبات كتاب الوحي و الدين غيره. أنت إذا تريد أن ترجع إلی مسائل أبي جعفر هل ترجع لأنه صحيح السند؟ هذا كتاب ديني و وحياني ولازم أن يجد مساحات وحيانية و غيبية موجودة فيه، تطابقها مع موارد القرآن و السنة القطعية موجودة فيه، هذا هو الميزان الأكبر. هذا هو الميزان عند النجاشي و الشيخ الطوسي حتی ابن غضائري المتشدد، يقولون كتابه صحيح يعني المفاد. الصحة يعني اعتبار المتن و تطابقه للضروريات الوحيانية العرشية هو هذا، أما ان نكون أرضيين، لا، نحن لاأرضيين و لاسماويين جزء من السماء و جزء من الأرض. مزيج من الإثنين و لازم أن يراعی الإثنين.