41/01/23
الموضوع: القول المختار في مقتضی القاعدة و قاعدة الجمع مهما أمكن أولی من الطرح و شواهدها.
الشاهد الآخر: قرينية مبنی ركنية المتن علی أن مقتضی القاعدة في التعارض هو عدم التساقط و علی قاعدة الجمعكنا في قرينة من القرائن التي ذكرت حول قاعدة الجمع مهما أمكن أولی من الطرح وهي قرينية مبنی ركنية المتن في الحجية، أن ركن الأركان هو المتن وهذا مبنی القدماء قاطبة سواء كانوا من الأخباريين أو من الأصوليين من علمانا الإمامية، لكن مبنی السيد أحمد بن طاوس رحمه الله كانما مشاكلة لما عند العامة لاكلهم جعل السند أس الأساس و إن ليس بهذا الإفراط لكنه لمّا وصل النوبة إلی السيد الخويي رحمه الله أصبح الطريق و السند كل شيء في الحجية والبقية في ظل وتبع، هذا عكس علماء المشهور. متأخري الأخباريين للأسف أيضا تأثروا بنفس الوضعية تشددوا بقطعية الصدور واعتبار الصدور، لذلك ذكرت أنهم لم يعالجوا هذه المشكلة بل دخلوا أكثر في المشكلة بخلاف الوحيد البهبهاني رحمه الله و مدرسته، هو من الإنسداديين إلا أنه أعاد هذا المبنی وهو مركزية متن الحديث.
طبعا لسنا في صدد هذا البحث وهو أنه لماذا المتن هو الأساس دون الطريق، هذا مبحثه يبحث في حجية الخبر الواحد أو بحث الحجج لكن شيء من الإشارة نذكر ثم نذكر صلة هذا المبنی مع قاعدة عدم التساقط عند التعارض و قاعدة الجمع مهما أمكن أولی من الطرح وهذا ربما من أمتن الوجوه لعدم التساقط ولكون الجمع مهما أمكن أولی من الطرح. إذاً عندنا ثلاثة جهات يجب أن نبحث في هذا البحث، صحة المتن أعظم من صحة الكتاب و صحة الكتاب أعظم من الصحة الطريق، أصلا النجاشي والغضائري لايطلقون الصحة علی الطريق، الصحة يعني الحجية، حتی فهرس الشيخ الطوسي و حتی الصدوق، القدماء طرا رجاليوهم و فقهاءهم و محدثوهم لايطلقون الصحة علی الطريق، بل الحجية فقط وفقط عندهم تطلق علی المتن و علی الكتاب دون الطريق، يقولون طريق ثقات أو غيره لكن التعبير بالصحة لا، هذا مثار علماء الإمامية إن الصحة أبدا ليست وصفا للطريق. هذا مبنی النجاشي وابن الغضائري. يقولون صحيح المتن أو صحيح الكتاب أما أن يعبرون بصحة الطريق و السند هذا لايوجد في قاموسهم. عباراتهم الصريحة تقتصر علی وصف الصحة للمتن أو للكتاب. نعم، فيها بعض العبارات الموهمة لكن الدقة فيها يفهم أن الصحة للمتن و الكتاب أما العبارات الصريحة بأن يطلقون الصحة علی الطريق أبدا هذا ليس في قاموسهم.
فالجهة الأولی نشير إشارات إجمالية لهذا الدليل و الجهةالثانية في هذا الوجه هي أنه ماعلاقة هذا المبنی بعدم التساقط عند التعارض؟ الجهة الثالثة ماصلة هذا المبنی بقاعدة الجمع مهما أمكن أولی من الطرح؟ إذاً عندنا ثلاث جهات يجب أن نوضحها في هذا الوجه من الوجوه القويمة العمادية والأساسية لمقتضی القاعدة في التعارض و قاعدة الجمع.
الجهة الأولی: قبل قليل مر بنا أن مشهور القدماء حتی صاحب الجواهر يكترسون بصيرفة المتن و صحة مفاد المتن مع القواعد في الباب أو الفصل حتی في الفصل الخاص من الباب المعين يكترسون بدراسة المتن لأنهم الفقهاء لا المحدثون و لاالرجاليون، يعني في كتب الفقه الهمّ الشاغل هو النظام الفقهي لاالنظام الرجالي، لأن أصالة عندهم صحة المتن مهمة. هذا من جهة الأقوال و سيرتهم.
نفس الآية النبأ ﴿ إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ ﴾[1] ما علقت الآية الحجية علی وثاقة المنبأ و الراوي بل علقت علی الشيء الآخر، علی المتن «فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة» واضح في الآية و صريح في الآية و منطوق في الآية أن المدار علی صحة المتن «تبينوا» يعني يصير عندك علما بأن المضمون صحيح و مطابق. بل حتی هذه الآية يقال فيها الدلالة و التعليل علی عدم حجية الثقة حتی الشيخ المفيد استدل عليه حتی ابن ادريس، القدماء استدلوا علی عدم حجية خبر الثقة بمنطوق آية النبأ و التعليل فيها. القدماء لاينفون حجية الخبر الواحد، معروف أن الشيخ المفيد ينفي حجية الخبر الواحد من الشيخ المفيد إلی تلميذه السيد المرتضي و المحقق و ابن ادريس هم لاينفون حجية الخبر الواحد بل يقولون الخبر الواحد بمفرد الطريق لايشكّل الحجية بل يجب أن تكون الحجية مشروطة بشيء آخر. الطريق يتكأ علی صحة المتن لاالعكس.
الشيخ الأنصاري نقل كلمات القدماء في حجية الخبر الواحد نقلهم بعنوان المانعين عن حجية الخبر الواحد لكنهم ليسوا مانعين بل هم يقولون: الطريق بمفرده لايسمن و لايغني بل هو مؤيد والعمدة المتن. نفس القدماء استدلوا بهذه الاية، المدار علی المتن ثم التعليل في الآية، «تصيبوا قوما بجهالة» احتمال الإصابة بجهالة حتی لو كان الرواة ثقة، لكن بموازين صحة المتن نجتنب عن هذا المحذور. يعني هذا الميزان صحة المتن ضابطة قويمة سواء في خبر الفاسق أو خبر الموثوق.
لدينا عشرات الروايات مستفيضة يسأل الإمام يأتينا الراوي عنكم ثقة أو غير الثقة أو كذا أو كذا، الإمام لايؤول علی الوثاقة بل أول الإمام و قال انظر علی الكتاب و السنة يعني الأصول الثابتة سواء العامة أو الخاصة بهذا الباب و هو نفس منطوق الآية النبا.
حتی آية النفر نفس المفاد، «لولا نفر» يعني سافر وهاجر ليروي، هذا دور الرواة والمحدثين وشكر الله سعيهم و دورهم مقدمي ويجيء بعده غاية و الغاية أهم من المغيی، «ليتفقهوا» يعني يتفهموا في الدين يعني الفهم و الإجتهاد سواء في الفروع أو الكلام أو الأخلاق يعني يجتهد بفهمه. أصلا أحد الآيات الدالة علی حجية الخبر الواحد جعلوها آية النفر و صحيح لكن ليس حجية الخبر الواحد بمعنی الطريق، بل بشرط الفهم يعني يفتهم الدين يعني نفس المتن، يعني كأنما أيها الراوي الرواية لديك ليست حجة كاملة إذا لم تكن فقيها، إذا كنت فقيها وتعمل آلية الفقاهة فحينئذ يكون الخبر حجة «ليتفقهوا في الدين»
الآية الثالثة التي يستدلون بها علی الخبر الواحد كلها نفس المبنی، أن المدار علی المتن لا علی الطريق، الطريق قرينة معاضدة و ليس بنية وعمودا وأساسا. الآية الثالثة هو «الذي بعث في الأميين رسولا يتلو عليهم آياته و يزكيهم ويعلمهم الكتاب»، التلاوة مثل الإنباء أما «يعلمهم الكتاب» عالم المعنی و التفهم.
هذه ثلاث آيات واضح فيها أن الميزان الأكبر هو الفهم و المتن ودراسة المتن. هذه أدلة واضحة علی مبنی القدماء وهذا المبنی مبنی الوحيد البهبهاني وهو الذي نتبناه. ثم تأتي دور صحة الكتاب، عند المشهور كتاب صحيح فيه رواية مرسلة يعملون بها أقوی من كتاب غير المشهور فيه رواية صحيحة السند صحيحا أعلاييا. من الاولين و الاخرين ديدنهم هكذا. صحة الكتاب أعظم من صحة الطريق. إذا كان الكتاب غير مشهور ربما يزيف ربما ينقش فيه صورة طريق معين. لذا صحة الكتاب أوكد في الوثوق وفي الإعتبار من نفس الطريق في الرواية. هذه سيرة علماء الإمامية.
إشارةً إجمالية، في الوجه الذي مر بنا الأمس أو قبل أمس، أما مر بنا أن المدار في حجية الدلالة علی المراد الجدي و بالله المراد الجدي لايكون حجة بالخبر الواحد و لاثلاثة و لاعشرة و لاطائفة من الروايات ولاطوائف من الروايات بل بمجموع من الأدلة، هذه مبنی الكل من الأولين و الآخرين، أن المراد الجدي لايعين إلا بمجموع الأدلة، إذاً هل كلام الشيخ المفيد صحيح أو كلام السيد أحمد بن طاوس صحيح؟ كلام الشيخ المفيد صحيح، القدماء كلامهم صحيح، كلام الوحيد البهبهاني صحيح، في قبال السيد الخويي. إن المراد الجدي لايمكن أن يستحصل بالخبر الواحد ولابالعشرة و لاالخبر المتواتر ولاالخبرين المتواترين و لاالأخبار المتواترة بل بمجموع الآيات ومجموع كل الأدلة عقلية وبديهية وقرآنية ومحكمة. إذاً الحجية تدور مدار المتن لأن المراد الجدي هو المتن معناه يعني أنت الفقيه لايكترس بالراوي و الرواة لاتأخذ الدين منهم بل تأخذ الدين من مجموع الأدلة يعني المتن. لابد أن يفحص الفقيه يعني يشترط في حجية المراد الجدي منظومة الدين كله. إن الحجية ليست بالطريق، الطريق كأنما شيء إعدادي بسيط حقيقة و صناعة هو بسيط. فالقضية ليس شعرا و لاعواطف ولاشعارات بل حقيقة صناعية. الطريق شرط شرَيط من الشروط وليس شرطا كاملا ومن ثم حجية الفقيه في الدين وصلاحياته غير حجية الراوي، الفقيه سواء في الفروع أو في الكلام أو في الأخلاق أو التفسير الفقه بمعناه اللغوي. هذه هي الجهة الأولی إجمالا، أن الحجية مداره علی المتن و المتن يعني الفقاهة و الإستنباط و الاجتهاد وليس مشيه مشي المحدثين والرواة عكس من لايكون مداره علی المتن وإن تغمص في التحقيق هو مشي روايي.
الجهة الثانية: ماصلة هذا المبنی بعدم التساقط عند التعارض؟ صلته واضحة لأن الطرق ليست هي كل شيء، المدار علی المتن. هل هناك صيغة توفيقية بين المتون أو لا؟ إذا كانت هناك صيغة توفيقية لايمكن أن يقول أن الصدور كقرينة علی الاعتبار تسقط أو لااعتبار له أو تزول أو ما شابه ذلك. المدار علی المتن، لذلك التعارض شبيه باب القضاء يحتاج لفقاهة قوية واجتهاد قوي كي يلتفت المجتهد العالم إلی الوجوه واحتمالات المتين أو المتون المتعارضة صورة وبدوا. يحتاج إلی هذا الشيء. فإذاً صلة هذا المبنی -حجية المتن المدار علی المتن- التنافي إن كان موجودا فهو في المتن، تعريف الشيخ الأنصاري من التعارض في مدلولي الدليلين، أصل و منشأ التعارض في المدلولين ثبت العرش ثم انقش. التعارض موجودة أم لا؟
الجهة الثالثة: ما صلة هذا المبنی بقاعدة الجمع؟ لأن تثبيت التنافي مر بنا ان الجدي ليس مطابقا بالضرورة مع التصوري والاستعمالي والتفهيمي، أصلا نفس ناموسية الفحص -الفحص ناموس في الاجتهاد يعني شيء بديهي فوق البديهي- الفحص و التتبع و الإحاطة يعني في مايعنيه أن الجدي لايطابق التصوري لأن دأب الشارع ولغة القانون ليس علی بيان تمام خصوصيات الواقع ببيان واحد وكلام واحد بل بمنظومة ومجموعة كل القانون وهذا يعني أنه دوما أن الجدي لايطابق الإستعمالي أو التصوري فلذا مر بنا في البحوث السابقة أن التعارض غنيمة لا أن التعارض أزمة، لكي يتنبه ولاينام سطحيا مع الظهور الأولي للروايات أو الآيات. حتی في الآيات سجلت التعارض بين آية و آية هذا غير النسخ. لكن هذا تعارض بدوي وبالتدبر الفقهاء و المفسرون و المتكلمون يرفعون هذا التنافي، فنفس التنافي البدوي والإبتدائي علی صعيد المرتبة التصورية أو الإستعمالية أو التفهيمية هو حافظ علمي و مادة علمية. قرينة مثمرة لا أن التنافي هي مشكلة وأزمة. فهذا هو وجه ربط حجية المتن بعدم التساقط و قاعدة الجمع. هذا المقدار نكتفي من الوجوه لمقتضی القاعدة عدة قواعد.
إن شاءالله غدا نشرع في أدلة الشيخ الأنصاري يستشكل فيها علی خصوص قاعدة الجمع. و سيبين أن إشكالات الشيخ هي أدلة زيادة لقاعدة الجمع.