41/01/22
الموضوع: باب التعارض، القول المختار في مقتضی القاعدة و الشواهد عليه
كنا في الوجوه التي تشيد لمقتضی القاعدة من عدم التساقط و أيضا لقاعدة «الجمع مهما أمكن أولی من الطرح» والنقطة الأخيرة التي مرت بنا أمس هامة جدا و هي أن الدلالة الجدية دلالة لبية و ليست دلالة لفظية فإذا كانت دلالة لبية تقدم عليها بقية الحجج إذا كانت لفظية فلامعنی لفرض الدوران.
مثلا -ولو هذا البحث سيأتي لكن نذكره تطبيقا لهذا البحث- عندما كان عندنا ظهوران و عندنا صدوران يعني أربع حجج، إذا كان عندنا أربع حجج هل يقدّم الظهور أو الصدور أو الصدورين أو احدهما علی أحد الظهورين؟ هل نقدم الظهورين ونقول بسقوط الصدور إما فيهما أو أحدهما؟ لايقال ذلك كي يقال مقتضی القاعدة تساقط الصدور. الصدوران حجتان و الظهوران لكل من الخبرين حجتان لايقال ذلك، لم؟ للوجوه العديدة طبعا، لكن أحد الوجوه هو الذي مر بنا أمس أن الظهور الجدي لبي و لايعارض حجية الصدور التي هي اللفظي واللبي يعني دائما يكمن سببه أنه ليس له دلالة لفظية كي يتمسك بعمومه أو بإطلاقه اللفظي، مضافا إلی ذلك أنه يستحصل من نتيجة مجموع القرائن ولايستحصل من صرف الدلالات التي قبله من التصورية و الاستعمالية وكذا. هذه نكتة أخری. لماذا المشهور يقدمون التصرف في الظهور الجدي علی أقل تقدير علی التصرف في الصدور؟ من تلك النقطة التي مرت بنا أمس.
الشاهد الآخر: التعارض بين الأدلة بلحاظ المدلول الجديأيضا نقطة أخری تتولد لتبيان مدعی المشهور في مقتضی القاعدة أنه عدم التساقط هي أن التعارض ناشئ من أين؟ مر بنا أن فيها الإختلاف بين الشيخ و الآخوند، هل هو التعارض بين الأدلة أو التعارض بين مدلول الأدلة؟ هذا البحث أثرناه سابقا، الشيخ يركز علی المدلول و الآخوند يركز علی الدلالة أيا ماكان التعارض في الدلالة بسبب المدلول، تناقض المدلول في الطرفين لاالدلالة بما هي فالدلالة دائما بلحاظ المدلول. إذاً أي مدلول يصور فيه التعارض؟ المدلول التصوري أو المدلول الاستعمالي أو التفهيمي أو الجدي؟ أي مدلول هو الذي يسبب التعارض؟ صرف التناقض و التنافي بين المدلول التصوري أو الاستعمالي أو التفهيمي هذا لايسبب التعارض وإلا كما في علم المنطق نقيض الموجبة الكلية هو السالبة الجزئية و نقيض السالبة الكلية هو الموجبة الجزئية، إذاً في علم المنطق هل الخاص نقيض العام أو لا؟ نعم، لكن هذا المقدار من التناقض بين الخاص المنفصل و العام علی صعيد المدلول التصوري و الاستعمالي و التفهيمي لايوجب التعارض والتناقض المستقر بل يوجب التعارض البدوي، لمَ؟ لأن العمدة و منشأ التعارض هو المراد الجدي وإلا في المراد الاستعمالي، الشارع يبني علی التنافيات لكن التنافيات الأولية لتنظيم بيان نظام القوانين، دائما العمومات و الخصوصات والعمومات علی طبقات وفيه الأدلة الواردة و الأدلة الحاكمة تفصيلا وهلم جرا وكلها علی صعيد المدلول التصوري أو الاستعمالي أو التفهيمي بين السالبة والموجبة إما كلي كلي أو الكلي و الجزئي لكن بهذا المقدار لايوجب التعارض لأن التعارض الحقيقي فقط علی صعيد المراد الجدي، لأن تلك المرادات لايكترس بها إلا آليا طريقيا للوصول إلی الجدي فالعمدة إذاً الجدي فإذا كان المفروض أن الجدي يستحصل من المجموع أي تناقض يحصل في البين؟ لايصير تناقضا في البين كما مر. هذه نكتة أخری أن منشأ التناقض و التعارض هو الجدي لاغير و الجدي حاله هكذا، فإذاً ما افترضه الميرزا الناييني من التساقط هذا فيه ما فيه بهذا اللحاظ.
الشاهد الآخر: عدم التساقط في التعارض و التناقض من وجهأيضا من الوجوه التي تبين أن الحق مع المشهور ما يوجد من حالات التعارض التي تسالم فيها الكل حتی الناييني علی عدم التعارض والتساقط. أحد حالات التعارض و هو التعارض من وجه يعني العموم و الخصوص من وجه. في منطقة الإفتراق لاتسقط و لم يقل أحد بالتساقط فيها حتی السيد الخويي. أما المنطقة المشتركة نفس الميرزا الناييني سلم أن فيه تأويلا لأحد الطرفين و عطف الآخر عليه. هنا مقتضی القاعدة ليست التساقط. هذان متعارضان إنحلاليان، أولا المنطقة التي لااشتراك فيها لاتساقط أصلا و لامجوز لرفع اليد عن حجية الدليل يبقی المنطقة المشتركة فالصحيح فيها عرفيا وعقلائيا التأويل لاالتساقط من الطرفين أو من أحد الطرفين، حتی التساقط من احد الطرفين خلاف المقررة عرفا لأنه إذا حاله التساقط فلمَ يسقط في المشتركة و لايسقط في غير المشتركة؟ المفروض العموم و الخصوص من وجه. فيعمل التأويل يعني أن هذا الصادر صادر و ذاك أيضا صادر يجب عطف أحدهما علی الآخر. علی هذا ماالفارق بين التناقض و التعارض الكامل و بين التعارض من وجه؟ فهذا نفسه منبه علی أن العقلاء لايفرطون في أصل الأمارية سواء في التعارض من وجه أو بالتباين. وهذا نوع علی كل من طبيعة انحلال الحجية. لاحظ حتی انحلال الحجية في التصوري و الاستعمالي و التفهيمي والجدي التطابق ليس في كل الإطار هذه الأربع دلالات، بعض التصوري متطابق مع بعض التفهيمي بعض التفهيمي متطابق مع بعض الجدي البعض الآخر في كلا الأربع غير متطابق. يمكن و قابل للتصوير والتصرفات إلی ما شاء الله يقوم بها العقلا في موارد الأدلة.
الشاهد الآخر: الترجيح ليس تساقطا للمرجوح بل عطف المرجوح علی الراجحأيضا الوجه الاخر ذكرناه إشارة إجمالية لكن لم نذكره تفصيلا غير الوجوه التي مرت هو أن الترجيح عند المشهور أو التخيير عند المشهور حتی ربما عند الميرزا الناييني، الترجيح ليس اسقاطا للمرجوح بل الترجيح عبارة عن تقوية الجانب الراجح لكي يتصرف في دلالة المرجوح و يعطف المرجوح علی الراجح. هذا هو دأب المشهور شهرة عظيمة حتی الناييني في موارد عديدة في الفقه. حتی السيد الخويي. هذا منبه علی أن المشهور حتی في مورد الترجيح لم يفهمو منه التساقط بل فهموا منه أن الجمع أولی من الطرح، غاية الأمر قرينة الجمع هو راجحية الراجح. راجحية الراجح هي قرينة علی تأويل المرجوح، فإذاً واضح أن مقتضی القاعدة أن الترجيح و التخيير الذين أتا من قبل الشارع ليسا ناسخين لهذه القاعدة بل مقرران لها و يزيدها تثبيتا بخصوصية و ألية لاسيما أن الترجيح كما سياتي ليس تعبديا محضا يعني الترجيح كعلاج ليس تعبديا إذا أصل حجية الخبر الواحد و الامارات ليس تأسيسيا بل إنما هو إمضائي فالترجيح أيضا إمضائي، نعم فيه التهذيب من الشارع لكن أصل الترجيح له إعتبار كاشفية و حاكوية من الشارع أصل هذا إمضائي وطريق عقلائي. لذلك المشهور ذهبوا إلی أن الترجيح أصل إمضائي و ليس تأسيسا من الشارع. نعم، الشارع يقيد و يهذب لكن أصل الترجيح إمضائي و نحن ذكرنا بصيغة أخری أن الناييني لمّا يلتزم بالتخيير والترجيح حتی السيد الخويي، الترجيح و التخيير للأمارة الموجودة أو الأمارة الغير الموجودة؟ الأمارة الموجودة، علی هذا كيف يدعی في مدرسة الناييني و السيد الخويي أن مقتضی التعارض إنتفاء الأمارية. إذاً الشارع يخير أو يرجح أيّ أمارة؟ إذاً مقتضی القاعدة ليس انعداما و زوال الحاكوية و الكاشفية التكوينية و الاعتبارية. فإذاً المشهور في التخيير أنه نوع من التاويل بالدقة تأويل للمرجوح و التخيير أيضا هكذا.
في الترجيح في بحث سيأتي هل الترجيح بالقرائن و الضوابط المنصوص عليها أو أن المرجحات لاتنحصر؟ الأكثر قالوا: بأن المرجحات لاتنحصر بالمرجحات التي نص عليها الشارع، قالوا: أن الترجيح يتوسع فيه حتی البعض أشكل بأن الترجيح إذا كان موسعا فيه بلغ مابلغ لايبقی مورد التخيير. قالوا: نعم و هو الأحوط، إنه إذا دار الأمر بين التخيير والترجيح الأحوط أن يكون ترجيحا. بعبارة أخری ليس التخيير و الإختيار في التخيير إقتراحي يعني المستنبط إختار هذا أو هذا. ولو كان القرائن غير منصوصة من الواضح أنه الأحوط الأخذ بهذه القرائن و عطف عديم القرائن علی ذي القرائن، فالأكثر ذهبوا إلی هذا حتی فسروا التخيير بهذا المعنی يعني التخيير فيه ضوابط و قرائن غير منصوصة أيضا يرجح بها ففي الحقيقة أن التخيير نوع من الترجيح بين القرائن الغير المنصوصة. بعبارة أخری أن التوسع المشهور في الترجيح شاهد واضح علی قاعدة الجمع مهما أمكن و عدم التساقط. لأنهم فهموا أن قرائن الترجيح هي القرائن للتأويل لا التعارض والتنافي بين الأدلة.
هذا علی كل لااقول تمام الكلام في القواعد وا لشواهد و الأدلة لكن جملة كثيرة من الشواهد. أيا ما كان وفيه شواهد كثيرة قد تاتي لاحقا في البحوث اللاحقة.
الان ندخل في كلام الشيخ الأنصاري و هو مع أنه مشهوري و ليس كمدرسة الناييني و هو يقول الأصل عدم التساقط إلا أنه خصوص هذا العلاج الجمع مهما أمكن أولی من الطرح استشكل فيه ولايوافق فيه مشهور القدماء حتی مشهور المتأخرين وأشكل عليه ربما بإشكالات ثمانية.
الشاهد الآخر: اصالة المتن شاهد علی عدم التساقطقبل أن ندخل كلام الشيخ أذكر وجها آخر لقاعدة الجمع، أحد الشواهد الأخرى لهذه القاعدة وقد يتفق لبا مع بعض الوجوه المتقدمة هذا الوجه اشرنا اليه إشارة اجمالية. هذا الوجه المشهور شهرة عظيمة حتی الناييني يقبل هذا المطلب عدا مدرسة السيد احمد ابن طاوس و مدرسة السيدالخويي أن المشهور عند الصدوق كما نبه علی ذلك الشيخ الأنصاري في حجية الخبر الواحد الصدوق و المفيد المرتضی حتی الشيخ الطوسي إجمالا كما يقول المحقق الحلي و أيضا إبن إدريس و سلار و المحقق الحلي بالإصرار و صاحب المعالم مع أنه تلميذ المقدس الأردبيلي و صاحب المعالم لم يتبع استاذه لأن المقدس الأردبيلي يتبع مدرسة السيد احمد بن طاوس قويا، المبنی عند القدما أن الركن الركين في الحجية هو المتن ثم في الدرجة الثانية صحة الكتاب ثم في الدرجة الثالثة الضعيفة صورة الطريق و السند.
العمدة حتی الإنسداديين مبناهم هكذا صاحب الجواهر الوحيد البهبهاني و تلاميذه، له ثلاث طبقات من التلاميذ و آخرهم طبقة صاحب الجواهر و أوسطهم صاحب مفتاح الكرامة و أولهم طبقة شيخ جعفر كاشف الغطاء ربما بالعشرات و كلهم إنسداديون ولعل مأتين عالم فحل مجتهد من تلاميذ الوحيد البهبهاني. بركة عجيبة في درس الوحيد البهبهاني و كان شديد الخلاف مع صاحب الحدائق. فالوحيد البهبهاني مدرسته مدرسة الشيخ المفيد المدار علی المتن. الأخباريون حاولوا أن يدافعوا عن الحديث و التراث لكن بدل أن يعالجوا ما وفقوا و سددوا في الدفاع. لاأقول كبارهم، كبارهم مبناهم مبنی المفيد مثل الصدوق، الشيخ الأنصاري قال مبناه نفس مبنی المفيد، يعني أصالة المتن ثم صحة الكتاب ثم الصدور إلا أن الأخباريين عمدوا إلی الصدور الصدور القطعي أو كلها معتبر و هذا ليس علاجا لمشكلة مدرسة السيد احمد بن طاوس بل ترسيخ لها. و زادوا اشكالا بخلاف المدرسة الوحيد البهبهاني و هو عالج و دافع عن الحديث.
المهم كيف علی مبنی أصالة المتن لايبنی علی تساقط الصدور؟ هذا كوجه نذكرها قبل أن ندخل في كلام الشيخ الانصاري إن شاء الله.