الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/01/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : باب التعارض، القول المختار في مقتضی القاعدة و الشواهد عليه

الوجه الاخر لعدم التساقط موافقا للمشهور و أيضا يستفاد من هذا الوجه قاعدة «الجمع مهما أمكن أولی من الطرح» هذا الوجه يبتني علی مراتب الدلالة.

الغفلة الحاصلة عند مدرسة الناييني هو حسبان أن إطار و قالب الدلالة في مراتبها الأربعة التصورية و الاستعمالية و التفهيمية والجدية الأولی و الثانية دائما متطابقة و لاينخرم التطابق، هذا ليس بمتين و لابقويم و لاسديد لأن غالبا تتخالف قالب الدلالة الإستعمالية عن التصورية أو التفهيمية عن الإستعمالية أو الجدية عن التفهيمية أو الجدية الثانية.

منظومية الأدلة و استحصال المعنی الجدي عن مجموع و منظومة الأدلة

هذه نكتة عجيبة وعظيمة أنه عند كل الأعلام أن المراد الجدي النهايي أبدا لايستحصل من آية واحدة أو رواية واحدة و لامن طائفة واحدة من الروايات و الآيات و لاحتی من مجموع الطوائف بل من مجموع و جميع الأدلة و هذا شيء عظيم. الحجية النهائية و الباتة لاتستفاد إلا من جميع مجموع الأدلة وهذا جدا هندسة وقالب عظيم لنظام الحجية و الكل متسالم عليه. هذا النظام من الحجية في الحقيقة حبل الله المتين عاصم من كل الزلات لأن فيه المحكمات و فيه القواعد و فيه طبقات التشريع إلی ماشاءالله.

مثلا واحد سألني عن كتاب روائي فلان، قلت: معتبر لكن لاأعتبره كما يعتبر الكتب المشهورة، قال: فيه رواية بهذا المعنی، قلت المعنی للرواية لازم أن تعرضها علی بقية الروايات. منهج أصالة السند و أصالة الطريق هي يتعدي لهذا التفكير المبعثر المبتور عن بعضها البعض، فحينئذ مفاد الروايات لازم أن يعرض علی القاعدة الفلانية و القاعدة الأخرى فعلی هذا يتبدل معناه، إن الدين لايؤخذ من الرواية الواحدة، حتی النتيجة النهائية لهذه الرواية لاالدين بل المعنی الجدي لهذه الرواية نفسها لايؤخذ منها بنفسها بل منظومة، فلذا الفرق بين المحدث و حجية الراوي و حجية الفقيه هو هذا، أن الراوي و المحدث مع احترامنا للرواة والمحدثين ينظر إلی الرواية الواحدة و الثلاث، أما الفقيه في علوم الدين يأخذ منظومة ومجموع جميع الأدلة، حينئذ ينصب لذلك المفاد الجدي، بخلاف الراوي فإنه ينظر سطح هذه الألفاظ و يجمد علی هذه الرواية. هذا لايمكن و لايمكن استحصال المعنی النهايي. إذا كان النظام هكذا نظام الحجية هو المجموعية دعوی السيد الخويي رحمه الله بأن السند لاينجبر غير صحيح. بل من الأصل هذا السند ليس حجة مستقلة و ما عندنا لافي الدين و لافي ناموس أن السند الواحد في الرواية الواحدة أو الآية الواحدة حجة مستقلة بلغ مابلغ. ما عندنا هكذا. ما معقول.

القرآن الكريم يقول: «أفتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض؟» بعض الكتاب مع أن صدوره قطعي. فلذا ليس عندنا في الأصل حجية مستقلة بل دائما الحجج إنضمامية و تراكمية والبحث بشكل حجة حجة مستقلة فقط لقولبة القرائن حين الإنضمام وإلا الحجية إنضمامية. السند قرينة من القرائن ومرارا ذكرناها. السيد الخويي في يوميات الفقه إذا يراجع لسان العرب أو الصحاح للجوهري أو قاموس المحيط أو كتاب العين هل الأسانيد موجودة فيه أو كلها مرسلة؟ أنت تريد أن تشكل ظهور الآية أو الرواية أو الدلالات و الإستنباط القائم في التفسير والكلام والفقه، كلها مراسيل. في مصادرنا و مصادر الطرف الآخر.

تراكم القرائن ارتفاع ضريب الإحتمال. هذه قاعدة رياضية. كتاب الرجال للنجاشي و كتاب الكشي و الشيخ الطوسي و ابن غضائري و البرقي و العقيقي تعتمد علی توثيقهم و تضعيفهم مع أن أكثرها ليست لها أسانيد. أنا أريد أن أصحح رواية توثيقها و تضعيفها بمراسيل؟ لماذا التسامح في الرجال؟ إذا أنت تتشدد، تشدد في الرجال و إذا أنت تتشدد تشدد في كتب اللغة، كلها يرجع إلی تراكم الإحتمالات، دليل عقلي -لاعقلائي- متين وقويم ذكروه المناطقة في بحث الإستغراء إنه يولد اليقين. مكتب السيد أحمد ابن طاوس مثل السيد الخويي إجمالا. الأخباريون أيضا دائما أرادوا أن يفروا من مدرسة السيد احمد بن طاوس و جعلوا المحورية للسند و قالوا إن الصدور قطعي أو الصدور معتبرة في الكتب الأربعة. يا أخباريين افترض أن الصدور معتبرة إذا يتراكم القرائن ما المانع فيه؟ بالعكس هم بدل أن يعالجوا المسألة جذروا الإشكال لمدرسة السيد احمد بن طاوس أو السيد الخويي أكثر لا أن يعالجوه، بل عالجه الوحيد البهبهاني ورجع إلی مباني القدماء السيد المرتضی و الشيخ المفيد و السيد علی بن طاوس. لذلك أحد الإشكاليات الكبيرة علی منهج الأخباريين بغض النظر عن هذا الاشكال و هم من المتوسطين لاالمحققين أو السطحيين كثير منهم. الوهابيون تقريبا هذا المسلك عندهم مسلك ظاهري و سطحي من رواية واحدة يستخرج الدين كاملا. لايمكن يا أخي أن يستفيد الدين من رواية واحدة. الأدلة الحجية عين المجموع.

فإذاً مراتب الدلالة التصورية والاستعمالية و التفهيمية و الجدية وا لجدية النهائية، الجدية النهائية مسلم عند الكل لذلك لزوم الفحص يقول به العلماء لابد من الفحص أي دليل معتبر لازم أن تفحص لأنه ليس بحجة بمفرده بل يجب أن تجمع مع كل منظومة الدين. فإما أن يكون الميزان هذه المنظومة الجحفلية الترسانية بما لها من نظم و نسخ علمي يفهمه الفقهاء. إذاً قضية قرينية هذه المنظومة لدلالة الرواية الواحدة واضح. هذه قرينة عظمی.

القرآن الكريم حول دلالة الآيات يطرح هذا النظام نظام المنظومة تطرح الآية علی المنظومة في سورة آل عمران (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أمّ.) هن يعني مجموع المحكمات ماقال هي بل قال هن، يعني مجموع المحكمات و من المحكمات «ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا» يعني أن السنة النبوية و سنة المعصومين داخلة في المحكمات وليست بخارجة. المحكمات يعني محكمات الكتاب و السنة و العقل البديع و الفطرة هن أمّ الكتاب. «ولكم في رسول الله أسوة حسنة» «أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولی الأمر منكم.» هذه كلها محكمات القرآن هذه المحكمات هن أمّ الكتاب يعني مجموعها «وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله...» يعني لاتنغر بالمتشابه بظاهر دلالة المتشابه بل حكّم قرينية منظوم المحكمات علی آحاد المتشابه بل علی مجموع المتشابهات. يعني الدلالة التصورية لاتعمل به بمفردها و لاالاستعمالية و لاالتفهيمية بل الجدية تستطيع أن تصل اليها بربط آحاد الآيات بمنظومة و مجموعة المحكمات تحت إشراف ولي الله والراسخون في العلم.

هذا صريح في نظام الدلالة في القرآن و هذه الآية الكريمة دليل علی قاعدة الجمع مهما أمكن أولی من الطرح يعني منظومة الأدلة دائما هي المحكّمة و الأمّ، الأمّ يعني الحاكمة. هذا النظام الذي يذكره القرآن الكريم فطري عقلائي عقلي، الان في كل القوانين في البشر من شرقها إلی غربها إلی كل أصناف البشر يحكّمون قانون الدستوري علی كل القوانين البرلمانية و يحكمون القوانين الدستورية علی قوانين الوزارات و لايأخذون بظاهر القانون الوزاري أو القانون البرلماني بلغ ما بلغ، لأن القانون الدستوري محكّم. و القوانين الوزارية يحكّمون عليها القوانين البرلمانية و القوانين البلدية يحكّمون عليها القوانين الوزارية، القوانين يحكّمون بعضها علی البعض و لايحكمون بإطلاقها أو بالدلالة التصورية و الإستعمالية و التفهيمية بلغ مابلغ.

طبيعة نظام القانون هذا، فهذا المفاد الذي تطرحه الآية الكريمة في سورة آل عمران نظام بديهي في لغة القانون عند البشر. و ما فيه أيّ لبس فبالتالي قضية أن الجدي لابد أن يطابق التصوري وإذا لم يطابق التصوري هذا إسقاط بالدليل أو التلاعب بالدليل أو عبث مثل هذه الإشكالات في المدرسة الناييني في مأة سنة أخيرة حتی في بعض كلمات الشيخ الأنصاري و إن كان هو مشهوري و سنتعرض إلی إشكالات الشيخ علی قاعدة الجمع هذه الإشكالات ليست في محلها لأن دأب لغة القانون هو هذا يعني لاتنخدع بعمومية العموم و لابظهور الظهور بل يحكّم الأدلة المنفصلة بشكل باتّ و لامفرّ منه فنفس التعارض أيضا قرينة منفصلة.

المشهور لايجعلون أحد المتعارضين تكلفا و تقحما حاكمة علی الآخر بل بمؤونة قواعد أخری منظومة والثوابت الفقهية في هذا الباب فالصحيح إذاً قضية التأويل هي قاعدة أولية صحيحة في لغة القانون و يدل عليها سورة آل عمران و سيرة العقلاء هذه الوجوه الجديدة الأخرى الدالة علی مبنی المشهور، الدأب ليس علی استحصال المفاد الجدي بمفرده بل بمجموعه. و هذا نوع من التفكيك أو إنحلال الحجية و تبعيض الحجية يعني طبيعة منظومة الحجية مركبة، حلقات و قرائن و ماشابه ذلك لاأن ذلك عبث وتلاعب. بل بالعكس نظام دلالة علم القانون هو هذا.

الشاهد الآخر: تخصيص الكتاب بالخبر الواحد

من الشواهد التي ذكرناها سابقا ما اتفق عليه المسلمون إلا من شذ منه و منا، أن العموم القرآني يخصص بالخبر الواحد الخاص يعني قرينة ظنية الصدور تحكّم علی الدليل القطعي الصدور لأن نظام الدلالة هكذا نظام الدلالة المجموعية، نفس القرآن يقول: «ما آتاكم الرسول فخذوه» و القرآن أيضا أمر باتباع العترة.

الشاهد الآخر: الدلالة الجدية لبية و الدلالة التصورية لفظية. الدلالة اللفظية مقدم علی الدلالة اللبية

أيضا فذلكة أخری لابأس بها أن تذكر و متقارب مع الوجه الأسبق. جدا نكتة صناعية نفيسة ذكروها القدما و هي أن الدلالة التصورية لفظية والإستعمالية أيضا لفظية أما الدلالة التفهيمية لبية و الجدية لبية أكثر، اللبية يعني مبهمة و ليس قوالبها و أطرها بقوالب الألفاظ طابق النعل بالنعل يدخل فيها القرائن، الطبقات المختلفة من القرائن كما مر بنا، القرائن الاستعمالية تختلف عن القرائن التفهيمية و التفهيمية تختلف عن القرائن الجدية و هلم جرا الأصول اللفظية التي تجري في كل طبقة، فإذاً هذه النكتة يجب أن لانغفل عنها أن الدلالة الجدية لبية. فإذاً حجية الصدور لفظية و حجية الدلالة التصورية لفظية، دائما العموم اللفظي مقدم علی العموم اللبي يعني الصدور علی حاله و لايتساقط و التصرف في الدليل اللبي، هذا وجه صناعي مرتب يعني في الدلالة الجدية التصرف هين لاالعكس أن تحكّم الدلالة اللبية علی العموم اللفظي. دائما إذا تعارض العموم اللفظي مع الاطلاق يقدم العموم اللفظي فكيف بك مع الدليل اللبي. هذا الوجه أيضا متين و مقترب مع الوجه الأسبق الذي مر بنا في الدلالات و نكتة نفيسة هذه النكتة يستثمرها الفقهاء في بحث الترجيح مفصلا. و هي أن الدلالة الجدية لبية وليست لفظية بالذات. آلياتها المعدة من الدلالاة المتقدمة عليه طبقة تلك لفظية أما هي لبية. تستفاد من هذا في موارد عديدة و جدا مهمة. في الحقيقة اللفظ يوصلك إلی المعنی التصوري، انت تنتقل من المعنی التصوري و بعده تصبح في بحر المعاني المعنی التصوري و المعنی الاستعمالي و المعنی التفهيمي و المعنی الجدي الأول و المعنی الجدي النهائي سباحا في معني إلی معنی، فبالدقة الدلالة اللفظية بشكل جمودي هي الدلالة التصورية فقط. انتقالك من الدلالة التصورية إلی الاستعمالي هي المعنوية كل معنی يبطن و سير باطن و غور و خلفي و ورائي إلی المعنی الآخر يسمی البطون في المعاني. لذلك كما ذكرنا مرارا القرآن يقول حجية الفقيه أعظم من حجية الراوي راوي ينفر و بعده يتفقه و يتفهم لأن الفقيه يشتغل بسفينة الفهم و الفهم وتسبح في المعاني بخلاف تخيل سطحيي الاخباريين لا المحققين منهم. في رواية واحدة عن الامام الرضا عليه السلام يخصص السيد الشهداء من بين الائمة مع أنهم كلهم سفن النجاة مكتوب علی العرش (يعني التحكم في عالم الخلقة) خصوصية حسينية الحسين عليه السلام أنه مكتوب علی العرش أن الحسين سفينة النجاة يعني سفينية الحسين عليه السلام و مصباحيته دون بقية الائمة لها خصوصية و إلا ما لها معنی أن يكتب خصوص اسمه، اهل البيت مجموعا أما خصوص الحسين عليه السلام يكتب علی العرش. واضح يعني أوسع و سفينته أسرع وإن كان لفظه موجود لكن الفقيه يستخرج المعنی من اللفظ. الجمود علی اللفظ أخباري و الفقيه يستخرج من اللفظ المعاني. المقصود أن المعنی الجدي لبي و مستنبط بخلاف المعنی التصوري اللفظي و حجية الصدور لفظية و لايقاس الدليل اللفظي مع الدليل اللبي. هذه نكتة جدا مهمة في موارد عديدة.