الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/01/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : باب التعارض، القول المختار في مقتضی القاعدة، قاعدة الجمع و الشواهد لها.

علی كل نكمل أو نخلص جملة من الوجوه ثم نتعرض إلی إشكالات الشيخ علی قاعدة «الجمع مهما أمكن أولی من الطرح».

من جملة الوجوه التي مرت هو أنه في روايات كثيرة و مستفيضة في بيانات الائمة عليهم السلام إعتمدوا أسلوب الإخفاء أو أسلوب الترميز ولو بسبب التقية، غالبا يكون بياناتهم مع التقية و من أبرز آليات التقية، التقية في البيان. هناك روايات قد نقرأها، كان الإمام عليه السلام يأمر زرارة بأن يفرد في الحج و يأمر أبابصير بالتمتع و يأمر محمد بن مسلم بنمط آخر سنين كثيرة، موجودة في الروايات في أبواب الحج فكان يتعجب زرارة، بعد ذلك الامام الصادق قال: هذا الذي أمرتك به، صورة إفراد لكن حقيقة هو حج تمتع.

من بيان الإمام الصادق عليه السلام إلتفت الفقهاء إلی أن الفارق الماهوي بين الحجين الإفراد والتمتع ليس بلفظ الإفراد أو نية الإفراد وإنما الفارق الجوهري بين الحج التمتع و الإفراد هو أن لايقع قبل الحج عمرةٌ مفردةٌ، في شوال أو في ذي القعدة أو في ذي الحجة، أما إذا وقعت عمرة مفردة في شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة -طبعا إذا لم يكن الحاج قد غادر مكة مرة أخری و رجع في شهر آخر- إذا وقعت عمرة مفردة هكذا تلقائيا يتبدل الحج الذي يعقب العمرة المفردة يتبدل إلی الحج التمتع و يجب فيه الهدي.

العوام لاتفهم هذا القرائن و الخاص من الفقهاء مثل زرارة ماكان يدري أن الفارق الماهوي ماهو؟ إنه بيد الائمة. فالمهم طيلة حياته ربما كان تقية علی زرارة و زرارة كان مرجعا وفقيها و عنده أتباع في الكوفة يسمون زراريين، يعني أتباع زرارة أو بصيريين أتباع أبي بصير مثل ما هو دارج الان كل مرجع يصير اسمه عنوانا علی مقلديه، سابقا أيضا كان هكذا. الكشي يذكر و الطبري أيضا يذكر زرارية بصيرية عمارية هشامية جماعات الشيعة في كوفة كان ثمان طوائف كل منهم باسم مرجع في الكوفة وهذا دليل علی أن المرجعية و الفقاهة كان في زمن الإمام الصادق عليه السلام لافي الغيبة الكبری كما يدعي كثير ممن يجهد هذا الكيان كيان الحوزة.

علی أي حال، حتی في صلوة الظهر، الزرارة كان يصلي في وقت غير وقت أبي بصير. كما هو كان دارجا قبل خمسين سنة في صحن حرم أميرالمؤمنين ستة مراجع يصلون، المهم المسجد الكوفة أيضا كان هكذا كان زرارة يصلي و أبوبصير يصلي و محمد بن مسلم يصلي و موجود في الروايات حتی يقول دخلت و رأيت الشيعة جماعات قسم يصلي بذلك الوقت و قسم يصلي بوقت آخر و الإمام الصادق عليه السلام يقول: أنا خالفت بينهم. المهم كل هذه المخالفة التي بينها الإمام الصادق بينهم أبقی للشيعة هي في الحقيقة كلها يسعها التشريع وإن كان نفس الفقهاء في زمنهم كل في اجتهادهم يخطأ الآخر. تخطئة علمية لاتخطئة عقائدية. فهذه ظاهرة قوية جدا موجودة في بيان الائمة مثالها البارزة في أبواب الصلوة و في باب الحج و لعلنا نقرأها بعد هذه.

هذه هي الوجوه التي نعتمد عليه، إعتماد الائمة علی التعريض و هم صرحوا علی ذلك، نحن لانعد منكم فقيها حتی يعرف معاريض كلامنا يعني دائما فيه جنبة الإخفاء. الوجه الذي تعرضنا اليه امس و قبل امس هذا الوجه علی حاله.

 

الشاهد الآخر: قضية التفكيك في الحجية

الوجه الاخر قضية التفكيك في الحجية هذه نكتة مهمة، التفكيك في الحجية أو التبعيض في الحجية. ربما ينساق إلی ذهننا التبعيض في الحجية بين فقرة و فقرة أو جملة و جملة، هذا صحيح، هذا نوع من التبيعض في الحجية، لكن هناك نوع من التبعيض في الحجية حتی بلحاظ مراتب الدلالة ولايقتصر التفكيك و التبعيض في الحجية -قد يعبر عنها الإنحلال في الحجية- لاينحصر مثالها بجملة و جملة و فقرة و فقرة. حتی في الجملة الواحدة مثلا القيد و المقيد، القيد فيه تقية أو فيه مانع و إشكالية معينة و المقيد سالم، هذا التفكيك و التبعيض مارسه الفقهاء بشكل كبير و كأنما السبب هكذا أن الراوي لايروي رواية واحدة بل كل جملة يرويها الراوي رواية و التركيب بين الجمل رواية أيضا لكن يعبرون عنها الانحلال الاستغراقي ومجموعي بل حتی في الجملة الواحدة فيها الإنحلال يعني يخبر بهذه اللفظة و هذه اللفظة و يخبر بالتركيب فلذا مارس الفقهاء التبعيض في الحجية أو الانحلال في الحجية أو التفكيك في الحجية.

من أنماط و نماذج التفكيك في الحجية التي يمارسها الفقهاء المشهور شهرة عظيمة هو التفكيك بين مراتب الدلالة، مثلا بين الدلالة التصورية و الاستعمالية أو الاستعمالية و الجدية وهلم جرا. أو افترض مثلا أصول لفظية مر بنا الامس، الظهور يتقوم بناءه علی الألفاظ وهيئات غير المرئية و الهيئات التركيبية و أصول لفظية، أصالة الحقيقة و أصالة عدم التقييد و أصالة التطابق. هذه بحثها الشيخ الانصاري في الحجج في بحث الظهور حتی الميرزا القمي و صاحب الفصول بحثاها، يعبر عنها الأصول اللفظية. هذا عنصر آخر في تكوين الظهور. الأصول اللفظية كثيرة جدا و القرائن الخاصة سواء لفظية أو حالية أو أو أو. فالظهور عدة عناصر يتكون هذه العناصر سيما الأصول اللفظية تطابق الاستعمالية مع التصورية التطابق يعني ماذا؟ يعني هذا الغالب في المدلول التصوري بعينه هو المدلول الاستعمالية هذه أصالة التطابق إن لم يكن قرينة خاصة، يعني عندنا قرائن إستعمالية عندنا قرائن تفهيمية و لدينا قرائن جدية فالقرائن لها ثلاث مراتب، القرائن الخاصة لفظية أو حالية استعمالية يعني هذه القرينة فقط للإستعمال و ليس لها شغل بالمعنی و المراد التفهيمي. القرائن التفهيمية ليس لها شغل للإستعمالية لها شغل بالمراد التفهيمي، يقول المعنی الذي يريد أن يفهمك إياه سواء الجدي أو ليس بجدي هو هذا المعنی، يعبرون عنه المراد التفهيمي أو المعنی التفهيمي. هناك قرائن جدية هذه القرائن الجدية ليس لها شغل بالمعنی التفهيمي و لاالاستعمالي و لاالتصوري. طبعا هذه القرائن الجدية يعني أن المراد النهايي الأصلي الذي يريده جدا هذا المتكلم هذا المعنی.

علماء البلاغة في باب المعاني و البيان بالغوا من أهمية و خطورة تقسيم هذه القرائن وطبعا خطيرة جدا. سواء علی صعيد تفسير القرآن أو علی صعيد تفسير روايات الإستنباط، طبعا هضم هذا البحث يتوقف علی هضم مراحل الدلالة. الدلالة و المدلول التصوري يعني ماذا؟ يعني نفس المعنی اللغوي التصوري هو نفس المعنی اللغوي حصرا. حتی لو لفظة قد تستعمل في معني مجازي أو غير المجازي تغيير المعنی الذي وضعت له اللفظ بأدنی تضييق أو توسعة فضلا عن التغيير من رأس. ثلاثة أنواع من التغيير، تارة أصلا لاتستعمل في المعنی الذي وضعت له اللفظ بل في معنی آخر هذا لايعبر عنه التضييع و لاتوسعة، بل أصل المعنی ما موجودة، هذا نمط من مغايرة المعنی الاستعمالي و المعنی التصوري. مثلا يستخدم الأسد في الإنسان. هذا ليس توسعة و لاتضييق. تارة نفس لفظة الإنسان استخدمه فقط في شعوب معينة و قوميات معينة، هنا ليست مباينة لكن تضييق. معنی الانسان معنی وسيع و يشمل الكل، إذا استعملنا الإنسان في شعب معين هذا تضييق، أصل المعنی لم يتغير و لم يبعد ولكن ضيق أو وسع المعنی مثلا معنی الإنسان استخدم في هدهد لأنه عنده ادراك في المعارف أو الملائكة يعني أريد من الإنسان، الإنسان و الملائكة هذا يعبرون عنها التوسعة، هذا أيضا مجاز. هذه ثلاث نماذج من المجاز أو اكثر.

المعنی الاستعمالي غير مرتبط بالضرورة بالمعنی الوضعي بخلاف التصوري. مثلا الان في أمثلة من الكلمات المعينة المعنی الاستعمالي لها مشهور في مجاز معين مثلا العلم في استعمالات كثيرة للتخصصيين و الحوزوين يستخدم فقط في إدراك العقل النظري بينما الإنسان عنده قنوات العلم سنخا تغاير العقل النظري و سببها أن الانسان يغفل عنها و يركز فقط علی الفكر. الفكر جيد و الخيال و والوهم جيد لكن ليس كل قنوات العلم عند الانسان محصورة لهذا العلم الحصولي، بل يكون العلم الذوقي تذوقه الباطن عند الانسان قد يشوفه العوام الذي الحس الباطن فيه مفعل أكثر من أكبر مفكر . فإذا استخدمنا لفظة العلم يتبادر فقط الفكر و هذا خطأ، العلم الذوقي هو الذي يذوقه الإنسان بالذوق الباطني. القرآن لايقول هكذا كل نفس مفكرة في الموت أو كل نفس مخلية لموت، كل نفس ناظرة للموت. بل يقول: كل نفس ذائقة الموت، الذوق شيء آخر و ليس فكرا أو كذا. الان كثير من العوام راحوا إلی البرزخ عندهم علم لايكون عندنا، هم ذاقوا الموت و شافوا البرزخ و القبر. إذاً العلم أنواع. العلم أصله في الوضع يستخدم لقنوات عديدة في الانسان. هنا لفظة العلم في الوضع اللغوي واسعة و في المعنی الاستعمالي استعملت في المجاز المشهور يعني قناة خاصة من العلم في الفرق بين المعنی الاستعمالي للعلم و المعنی اللغوي. تعبير القرآن هكذا: كلا لو تعلمون علم اليقين. علم اليقين ماذا معناه؟ في سورة الواقعة حق اليقين. نفس القرآن فرق بين علم اليقين و حق اليقين و عين اليقين. حق اليقين مثل الذوق، عين اليقين أيضا قيل إنه ذوقي بخلاف علم اليقين. ماذا الفرق بين علم اليقين و الظن و كذا و كذا؟ هذا كله عناوين استعملها القرآن الكريم. هذا يدل علی أن المعنی اللغوي شيء و المعنی الاستعمالي في المجاز المشهور شيء آخر. لأنه إذا وضع لفظ لطبيعة و تستخدمه في صنف من الطبيعة، هذا إستعمال مجازي واستعمال في غير ما وضع له.

بعد ذلك يصل إلی المعنی التفهيمي. ماذا الفرق بين المعنی الاستعمالي و التفهيمي؟ مثل ما يقال كثير الرماد، ليس المقصود كثرة رماده بل المراد الكرم. اختلف المعنی التصوري أو الإستعمالي عن التفهيمي. اذا لايدرك الانسان طبقات المعاني لايدرك طبقات الدلالات هذا أمر ضروري.

قديخالف الجدي التفهيمي مثل ما يذكرون في البلاغة للتغاير بين التصوري و الاستعمالي و التفهيمي و الجدي. مثلا إذا كان واحد بخيلا فتقول بأنه كثير الرماد، في هذا المثال تخالف بين الأربع. لأنك في التصوري استخدمتها في كثرة الرماد وفي الاستعمالي استخدمتها في الطبخ الكثير و في التفهيمي استخدمتها في الكرم و الجدي تريد أن تقول أنه بخيل. إذاً غاير بين الدلالات الأربع. هذا فضلا عن الجدي المتعدد. هذا نظام الدلالة في باب علم الالفاظ و بحث الالفاظ في العلم الأصول و البلاغة، ضروري أن يدرك الإنسان مراتبه و تعدده. و قد خاض البلاغيون جولات كثيرة في تفسير القرآن في تفكيك هذه المراتب.

فإذاً لدينا قرائن و لدينا أصول لفظية علی صعيد المعنی التصوري ولدينا قرائن وأصول لفظية علی صعيد المعنی الإستعمالي و لدينا قرائن و أصول لفظية علی صعيد المعنی التفهيمي و لدينا قرائن و أصول لفظية علی صعيد المعنی الجدي وهناك نزاع طويل و عريض حتی بين البلاغيين والأصوليين. مثلا أصالة الحقيقة في أي مرحلة و أصالة عدم المجاز. و كذا لماذا؟ لأن الأصل المتقدم يتقدم علی الأصل المتأخر هذا بحث طويل و عريض و للأسف الان في كتب الأصول ما موجودة. في كتاب القوانين و كان يدرس موجود هذا البحث و في المعالم موجود و في أصول الفقه للمظفر بشكل مختصر موجود و الحال أن الان أصحاب الفلسفات اللسانية أو ألسنيات كلماتهم كلها ماخوذة من هذه الكتب الأصولية و بحوث مهمة. إجمالا تعدد هذه المراتب دركها ضروري لأصل بحث التعارض وكيفية الجمع و من لايلتفت اليه لايمكن تمييزها. كتاب القوانين المجلد الأول من طبع القديم حافل بهذه الأبحاث.

هذه المراتب في المراد الجدي، مثلا هل هو المراد الجدي الواحد أو المراتب في المراد الجدي؟ الكثير يذهبون إلی المراتب في المراد الجدي يعني الجدي الأول والثاني والثالث والنهايي. كلها جدي. فيه الخلاف بين القدما و المتأخرين في أن القرائن الجدية فقط داخلية و متصلة أو يمكن أن تكون منفصلة؟ مثلا الاخوند يقول في المراد الجدي الأول القرائن المنفصلة غير دخيلة فيه لكن المراد الجدي النهايي القرائن المنفصلة دخيلة فيه. الناييني بحثه و الاخوند بحثه. الاخوند صاحب الكفاية يقول عندنا جدي الأول و الجدي النهايي في الجدي النهايي القرائن المنفصلة تؤثر، فيه المخصص المنفصل والمقيد المنفصل و الحاكم المنفصل يؤثر فيه أما في الجدي الأولي القرائن لابد أن تكون متصلة. الناييني قال أصلا الجدي لايقر قراره إلا بالمنفصلة. أذكر كلمة نفيسة. أن الرواية الواحدة و الاية لايتلقی منها الدين بل منظومة الأدلة كلها يخرج منها المراد الجدي. هذه النكتة جدا مهمة. أن نتعامل بالادلة بشكل منظومة. ليس لدينا سند مستقل أو رواية مستقلة. الحجية منظومية و تراكمية.

التتمة غدا.