41/01/15
الموضوع: باب التعارض، القول المختار في مقتضی القاعدة الأولية، نقطة الخلاف بين مبنی الميرزا الناييني و مبنی المشهور
كان الكلام في مقتضی القاعدة الأولية في التعارض، هل هو التساقط أو عدم التساقط؟ ومر بنا أن مشهور القدما علی خلاف المشهور أو الأشهر عند متأخري الأعصار يبنون إلی عدم التساقط و يذهبون إلی أن التعارض بين الأمارات من قبيل التزاحم، كالتزاحم بين الحكمين التكليفيين. أيضا التعارض بين الأمارات من قبيل التزاحم وهذا وجه ومبنی متين وقويم.
هذا المبنی يعتمد علی هذه الفكرة وهي أن الأمارة فيها إقتضاء الكشف و هذا الإقتضاء تكويني وهذا الإقتضاء التكويني حتی بغض النظر عن الإعتبار والحجية هذه الحكاية والكاشفية في الأمارات لاتنعدم بمجرد التعارض و التناقض بل تبقی تكوينا وهذا أمر وجداني، فكاشفية الأمارات علی خلاف تقرير الميرزا الناييني وتقريبا نستطيع أن نقول بدءا من الميرزا الناييني أخذ هذا المبنی عند أعلام العصر بالإشتهار وإلا رأي الشيخ الأنصاري أو صاحب الكفاية إجمالا في جو الأغلب و معظم علماء الإمامية وهو أن مقتضی الأصل الأولي للتعارض ليس التساقط، بدءا من الميرزا الناييني وتلاميذه إستحكم مبنی الخلاف وهو أن الأصل الأولي هو التساقط.
الميرزا الناييني كما مر بعد الشيخ الأنصاري دعواه أن الكاشفية تنعدم بمجرد التنافي أو التناقض أو التكاذب والجواب عن ذلك أن الكاشفية التكوينية لاتنعدم فكيف بالإعتبارية؟ والإعتبارية أسهل معونة، لاسيما مع وجود الكاشفية التكوينية لم لاتتصور بقاء ووجود الكاشفية الإعتبارية؟ فدعوی الميرزا الناييني وتلاميذه كالسيد الخويي وتلاميذ السيد الخويي صار أن الأصل الأولي هو التساقط كأنما هي عدسة تصير مظلمة و مسودة وما فيها أي صورة. هكذا تقريب الميرزا الناييني و مدرسته و الحال أن المشهور يقولون: الصورة موجودة غاية الأمر فيها صورتان متعاكستان ومتدافعتان ومتناقضتان بخلاف من يقول الكاشفية والحكاية تنقطع، هذه الدعوی لايمكن التسليم بها أبدا بل الكاشفية تبقی علی حالها مثل المرآتين. بالتدبر ربما ينكشف لغز التدافع أو التناقض أو التضاد بين هاتين الصورتين هناك. هذه دعوی سليمة ومتينة ان الكاشفية التكوينية تبقی علی حالها وما فيها أي غبار.
إذاً دعوی المشهور شهرة عظيمة في الإمامية سواء في باب الفتيا في تنظير الحكم الشرعي أو في باب القضاء أو الأبواب الأخرى مثل الشبهة الموضوعية كما نقلنا أنه في تعارض الشبهات الموضوعية لايبنون علی التعارض في الفقه مثل أهل الخبرة في تعيين القيمة السوقية لاتتساقط أقوالهم بل يؤخذ المؤدی الوسطي بينهم، هكذا تعارض الأمارات عند المشهور من علماء الإمامية، هم يبنون علی أن الكاشفية ملاكها التكويني في ظرف و حال التعارض يبقی علی حاله وكلامهم صحيح، لأن أصل الكشف لاينعدم بل يتشوش ويتمانع ويتزاحم في الكاشفية والحاكوية أما أن أصل الحكاية تنعدم، هذه دعوی غير مقبولة، الحكاية تكوينا فضلا عن اعتبارا.
إن التعارض حقيقتا من قبيل التزاحم لكن التزاحم بين الأحكام الظاهرية هي من سنخ و نمط ملاكاتها لا من سنخ و نمط ملاكات الأحكام الفقهية الأحكام الفقهية مثل الوجوب الفوري لتطهير المسجد مع وجوب الصلوة أما الأحكام الظاهرية ملاكاتها في الكاشفية و الحاكوية، بالتالي لها ملاك و هذا الملاك لاينعدم.
إذاً هذا نوع جديد من التزاحم غير التزاحمات التي نعدها، فيه تزاحم ملاكي وتزاحم إمتثالي وأحد أنواع التزاحم في الأبواب الفقهية التزاحم الإحرازي أو التزاحم في إحراز الإمتثال لكن هو غير الذي نحن فيه، هذا تزاحم في الكاشفية ويختلف. التزاحم الإحرازي مثلما يدور الأمر بين الموافقة القطعية مع إحراز المخالفة القطعية، أستطيع أن أوافق موافقة قطعية مع إحراز المخالفة القطعية هل هذا أفضل أو أرتكب الموافقة الإحتمالية من دون إستلزامها المخالفة القطعية، أيهما أحسن؟ هذا البحث مر بنا في تنبيهات العلم الإجمالي أو البرائة، يختلف فيه الأعلام وإن كان الأشهر أن الموافقة الإحتمالية من دون استلزامها المخالفة القطعية افضل من الموافقة القطعية مع المخالفة القطعية. ما الفائدة في الموافقة القطعية اذا تخالف قطعا؟ مثل أطراف العلم الإجمالي علی أي تقدير هذا نوع من التزاحم و يعبر عنه التزاحم في مرحلة إحراز امتثال الحكم الفقهي. مثلا هناك إناء فيه دواء واجب و هناك إناء فيه نجس، فيشرب كلاالإنائين؟ فإذا يشرب كلا الإنائين فيمتثل قطعا لكن يخالف قطعا أو أنه يمتثل أحدهما؟ هذا تزاحم في مقام إحراز الإمتثال للحكم الفقهي. إحراز الحكم الظاهري في الشبهة الموضوعية وهناك إحراز في الحكم الكلي من قبيل تعارض الأمارات، عندنا التزاحم في الأحكام الظاهرية حتی الميرزا الناييني اعترف به في الجمع بين الحكم الظاهري و الواقعي شبهة ابن قبة في أول مبحث الظن، هناك اضطر الأصوليون في جواب ابن قبة (طبعا ابن قبة ماذا يقول هذا بحث آخر، ابن قبة يذهب إلی ما ذهب اليه و هو متقدم زمنا من الشيخ المفيد، لعلنا نضطر للتعرض إلی مبنی ابن قبة في مبحث التعارض لنكتة ما، ستأتي) علی أي تقدير في جواب شبهة ابن قبة هناك نبه الأصوليون في الجمع بين الحكم الظاهري و الواقعي وأحد الأجوبة المهمة المتينة التي ذكرها الأصوليون هناك، هو الجمع الملاكي مثل التزاحم التي عبر عنه بتزاحم الملاكات، إنه لو أراد الانسان أن يأتي بالواقع علی ماهو عليه مثل الإحتياط و غيره المهم احراز الواقع بلاتخلف و الموافقة القطعية يستلزم الحرج العظيم و الإختلال في النظم وهلم جرا فقالوا بخلاف المصلحة التسهيلية الموجودة في الحكم الظاهري و من هذا القبيل ان ان الحكم الظاهري غالبي الإصابة و هذا كاف و أفضل مما يكون دائمي الإصابة و الإمتثال مع استلزامه لمفاسد أخری. هذا البحث لندقق يعني في مايعنيه أن الأصوليين يعترفون بأن الحكم الظاهري له الملاك و يمكن أن يتزاحم هذا الملاك مع ملاك الأحكام الواقعية الأولية الفقهية. الحكم الظاهري له تقرر في ظرفه وعالمه إذا تم تصويره قابل تصوير أن هناك تزاحما ملاكيا لاأن هناك انعداما و تساقطا و محوا كما يدعي الميرزا الناييني وتلاميذه و السيد الخويي و تلاميذه، بل علی ما ذهب اليه المشهور إلی زمن صاحب الكفاية والشيخ الانصاري الحكاية قابل للتصوير مثل ما إذا كان هناك احكام سياقها مرآتية، بعض أنواع المراة تعكس صورة أكبر مماهو عليه وبعض تعكس صورة علی ماهو عليه و مرآة يصغر الصورة فالإنسان لمّا ينظر في مكان واحد ينظر إلی هاتين المرآتين أو الثلاث أو الأربع حكاياتهم متناقضة و متدافعة و متخالفة مع ذلك لايقبل الانسان أن هذه المرايا انتفت عن الحكاية. فيها صورة إلا أن الناظر الحاذق يجب أن يفتهم سر اختلاف الحكاية بينها.
الان علماء الفلسفة وعلماء الفيزيا الفضائية وعلماء الهندسة قالوا بأن هذه الصورة كاذبة، دققوا، هذه الصورة كاذبة هل كاذبة بالمرة؟ لا، يعني خصوصياتها كاذبة أصل الحكاية ليس بالكاذب، توهمك جعلها كاذبة. معروف الان في الفلسفات القديمة و الفلسفات الحديثة أن الحس و النظر و السمع و الذوق و اللمس وكذا الخمس حواس أو أكثر، هذه الحواس فيها خمس مأة نوع خطأ للإدراك أخيرا قيل أن العدد ترتفع إلی ثمان مأة نوع، هذه الادراكات التي يدركها الحس تعبير العلوم المختصة بانها خطأ، هل يعني أصلا ساقطة؟ لا، أليس لها حقيقة؟ بلی، حتی السراب البقيعة، أصل الترائي ليس كاذبا بل تفسيرك لهذا الترائي كاذب و خاطئ، لا أنه ليس هناك انوار منعكسة في العين، -يحسبه الظمئان ماءا- هذا خطأ فيه و ليس خطأ في الصورة. فإذاً الحكايات بالدقة فيها أخطاء لسبب انطباق المعاني للإنسان عنها خاطئ هذه في الحس حتی في الحس الباطني المسمی بالمكاشفات بعض الحالات في المكاشفات، الشخص يدرك شيئا لكن ليس ما حسبه. ما يترجمه في فكره خطأ. تجربة الموت كما هو المعروف في علماء الروح في الإدراكات إستنباط الانسان من الادراك خاطئ لا أن الإدراك خاطئ. العلامة طباطبايي ينقل عن القاضي أو الآخر من اساتذته لعله البادكوبة إي حتی الرؤی الكاذبة، (عندنا رؤی من تفسير النفس و رؤی من تفسير الشيطان) نفس الرؤية شيء تكويني و ليس كاذبا بل تفسير الإنسان عنها كاذب حتی بتعبير العلامة طباطبايي لبعض تلاميذه يقول حتی هذه الرؤی الكاذبة، معبر ماهر يستطيع أن يعرف أمراض الانسان من خلال نفس الرؤی الأمراض النفساني.
المقصود في الحس و الإدراكات الحسية أصل الحكاية موجود تكويني و لاينعدم بل تفسير الإنسان لمايراه و يدركه خاطئ. فنقطة الخلاف لمدرسة الناييني و هو رايج علی خلاف المشهور شهرة عظيمة هو هذا المطلب. هي أن جانب التكويني لاينعدم خلاف الميرزا الناييني.