الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

40/10/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب التعارض، الاقوال في مقتضی القاعدة، الإحتياط الأصولي

معنی الإحتياط الأصولي

الكلام كان في تصوير الإحتياط الأصولي و الإحتياط الفقهي فمر بنا ان الإحتياط الأصولي -كتعريف عام- هو أن المجتهد أو المستنبط يحتاط في نفس عملية الإستنباط يعني يجري عملية الإستنباط بنمط إحتياطي. إحتياط كل شيء بحسبه، فالفقيه و المجتهد ملزم بالعمل بالأمارات و بنظم خاص و موازين معينة. هذا صحيح فيمكنه أن يعمل بحسب الموازين و يمكنه أن يعمل بالموازين بنحو يراعي الإحتمالات الأخرى.

لأجل توضيح أكثر، لأنه أمر مبهم وغير مأنوس، نذكر جملة من الأمثلة: الميرزا القمي يشكل مشروعية الإحتياط في العامي. يقول الفقهاء المكلف يجب إما أن يجتهد أو يقلد أو يحتاط، لكن الميرزا القمي رحمه الله يقول: المتعين علی المكلف خصوص التقليد أو الاجتهاد أما الإحتياط غير مشروع عليه و هو يعتمد علی جملة من الأدلة وافقه علی المدعی.

الشيخ الانصاري يقول: لو تمت هذه الأدلة التي إعتمد عليها الميرزا القمي لاينفي الإحتياط، بل غاية ما يؤدي أن العامي يجب أن يحتاط الإحتياط الأكبر لاالاحتياط الأوسط و الكبير. ماذا الإحتياط الأكبر؟ يعني يعمل بمقتضی التقليد و علاوة علی ذلك يراعي الإحتمالات الأخرى، فضم الإحتمالات الأخرى في التقليد لايخلّ بالتقليد بل هذا نوع من زيادة الرعاية. أخذ المكلف بموازين الأمارية و زيادة علی ذلك ضمّ الإحتمالات، هذا ليس نوعا من التفريض بالعمل بأمارية التقليد و الفتوی أو الإجتهاد. لو كان مجتهدا اجتهاده يوصله إلی نتيجة معينة يراعيها و ضميمة علی مراعاتها يراعي إحتمالات أخری. ما المانع فيها؟ يعني ما فيه أيّ مبرر للميرزا القمي من أن يمنع من الإحتياط الأكبر فلاحظ هذا الإحتياط الأكبر هذا عمل بالأمارات و الموازين وزيادة.

مر بنا الأمس أن التقليد ليس عملا فقهيا بل التقليد عمل أصولي يعني من سنخ المسئلة الأصولية لأنه عمل بالأمارة، علی هذا في العمل الأصولي يحتاط المقلد شبيه بعمل المقلد الذي يحتاط بأحوط الأقوال في دائرة التقليد و هذا أتم وأكمل و غالب المقدسين أو المراهقين بالإجتهاد يعملون بأحوط الأقوال فهذا أتقن من الإكتفاء بتقليد الأعلم لأنه تقليد الأعلم و زيادة. فاذاً الإحتياط في المسالة الأصولية لايعني الإخلال بالحجج و الموازين و إنما يعني عدم الإقتصار علی الموازين المترتبة. نعم، رعاية الموازين الأخرى في نفسها لاتسمن لكن مع ذلك يراعيها. يعني آلية الموازين و الآلية العامة للموازين يراعيها أكثرا.

مثال آخر لمعنی الإحتياط الأصولي و يغفل عنه كثيرا و يبهم معناه: ما ذكره الأصوليون في باب التعارض أو في القضاء أو حتی في الاجتهاد والتقليد أنه ما المراد من الترجيح بالأورعية أو الأصدقية وا لأعدلية؟ أيّ الأورعية و أيّ الأصدقية و أيّ الأعدلية؟

إذا كان المراد يعني هذا الفقيه عباداته و نسكه شديدة و ذاك أقل، ماذا ربطه بالعلمية؟ أو هذا أصدق في شئونه اليومية و ذاك أكثر صدقا. كثير المحققين قالوا: المراد من الأصدق و الأورع و الأعدل في نفس الحقل العلمي. يعني هذا لايتساهل في الموازين و الضوابط العلمية، لكن هناك من يعمل بالموازين العلمية لكن ليس جدا يتثبت. يمشي علی الموازين و ليس عنده تثبت طويل و فحص كثير بينما ذاك أكثر إشتغالا و ممارسة. هذا يسمونه أورع في الإستنباط. الأورعية بمعنی علمية لابمعنی طقوسية يعني هذا في رعاية الملكة العلمية و الموازين العملية أكثر، مثلا لايسرع في الفتوی بعد ما يستكمل. فهذه يعبر عنه أورعا و أصدقا. فإذاً الأورعية و الأصدقية سواء في الفتيا أو في باب القضاء أو في باب الرواة المقصود منها هذه. فهذه جهة علمية في الراوي وليست جهة عملية في الراوي. مثلا يقولون عن زرارة أنه ضبط و متقن في الصفات العلمية لايتكلم بدون التثبت. عندنا في الروايات أن الإنسان أيّ حكم يطلقه يحاسب عليه يوم القيامة، مثلا ما قال اميرالمؤمنين للامام الحسن عندما قال الامام الحسن عليهما السلام و الصلوة: أي الخط منا أحسن؟ قال اميرالمؤمنين عليه السلام: يا بني ستسئل عنه يوم القيامة.

ويل للمطففين مفسر بهذا أيضا يعني الذين إذا اكتالوا الناس يستوفون و إذا كالوهم يبخسون يعني لاينصف الآخرين. المقصود من المطففين هذا، هو المراد منه لاالتجارة، بل يعني في التعامل لازم أن يكون منصفا في كل تعامل. فإذاً نفس الأورعية والأصدقية و الأعلمية المراد منها شيء يصدق العمل العلمي لابما يصدق في صلوة الليل كم ممن يصوم شهر شعبان و يقصر في الدرس. هذا ليس مرجوحا بل فيه إشكال شرعي. إذا أصلي صلاة الليل أو أصوم و أقصر في ساعات الدرس هذا ليس فقط مرجوحا بل فيه عينا إشكال شرعي. أنت عليك شيء واجب و مشغول بالأعمال المستحبة؟ هنا لازم أن تكون نجما رائدا.

علی كل، الأورع و الأصدق يعني هذا و هذا كلام الكبار أنه معنی الورع في هذا الجانب فلاحظ إذاً نفس العمل العلمي فيه تقوی وفيه عدم التقوی. إذا تقصر في الاهتمام في العلم هذا عدم التقوی و عدم الورع لأن كلمة واحدة تتقنها تتنور بها اكثر الناس. طالب العلم كالمجاهد في سبيل الله يسبح له كل شيء يعني أن العلم خطير و لازم أن تتوفر فيه و لايمكن أن تشتغل بشيء متوسط. هنا تهجد وهنا ورع فإذاً هذا الإحتياط ليس إحتياطا في البدن بل إحتياط في نفس العلم و التعليم و بعبارة أخری في المسئلة الأصولية و ليس في المسئلة الفقهية. لايحتاط في باب الهدية باب الصدقات باب البيع باب الصلوة بل يحتاط في الإستنباط، يثبّت، إذا يراجع إلی مصدر في الرواية يدقق الإسم هذا عدل أو لا؟ رواية ورشة عمل يراجع مرة أو مرتين في مرة الحادي عشر يكتشف له فيه اختلاف نسخة و كل الأخوة غفلوا عن ذلك، هنا البيت القصيد لحل التعارض، هذا يسمونه الورع و يسمونه التثبت. صاحب الوسائل إذا ألّف الوسائل عشرين سنة طول عمره ألّفه. و مع ذلك جاءت أجيال و استدركوا علی صاحب الوسائل غفلات عن المصدر و هذا يسمونه الورع و التثبت إذاً الورع و الإحتياط الأصولي يعني في نفس العلم والتثبت و الإستنباط لاالورع في مكان آخر. في القضاة و المجتهدين يأخذ بأورعهما، المقصود في جانب الحقل العلمي لايتساهل و يتسامح شدة تحامل فضل بن شاذان علی سهل بن زياد و غير فضل بن شاذان بالنسبة إلی بعضهم البعض، لعل بعضهم من شيوخ و وجيه الملة لكن عنده التسامح و لايثبت في الأسانيد و لفظ المتن. أنظر مصدرا واحدا و رواية واحدة الكليني ينقله بشكل و الصدوق ينقله بشكل و التذهيب هكذا و بصائر الدرجات و الاختصاص و النوادر ينقلونه بشكل آخر. لذلك عدم التضلع في علم الحديث هذا خلاف الورع في الإستنباط ونوع من التسامح العلمي و ليس علميا.

كم من شبهات نشأت عقائديا حتی في الإمامية سببه عدم تثبت الكبار في خطب نهج البلاغة لأن خطب نهج البلاغة مقطعة، راجع المصدر الأصلي تنظر أن المعنی الأصلي شيء آخر. كثير من الأعلام بحثوا في نيابة الفقيه و ولاية الفقيه و الحكومة الإسلامية قريب ثلاثين و أربعين علما كبيرا. أخذوا مبانيهم من العامة و سببه عدم التثبت و عدم مراجعة المتون بشكل دقيق. لاتفكر أن السيد الرضي في نهج البلاغة اتی بخطبة كاملة بل قطعه تقطيعا بعبرون عنه بعض الكبار أنه إرباك في الظهور. الكليني علی كبره و دقته كثيرا ما يقطع أكثر من الصدوق فضلا عن الشيخ الطوسي و هو من هذه الزاوية أثبت. إذا لانعرف المنهج العلمي للكليني أو الصدوق لايكمل مواد الاستدلال في كل العلوم الدينية.

فإذاً مراد الإحتياط في الأصول يعني كل خطوات الإستنباط في العلوم الدينية يجب أن تراعيها بجهد و التوسع و لابكسل و ملل. هذا خلاف الورع. فإذاً الإحتياط الأصولي هو إحتياط أعظم صوابا و أعظم درجة و جزاءا من أي إحتياط آخر لأنه الإحتياط في العلم و أين العلم و أين العمل؟

حينئذ كيف الفقيه أو المجتهد يحتاط بين الأمارات المعتبرة أو غير المعتبرة؟ غير المعتبرة إما لأجل أنه متاخرة رتبة أو أنه ليس واجدا للشرائط صورة و ظاهرا. هذا يعتمد علی قوة العارضة الأصولية و العارضة الفقهية للفقيه و المجتهد.

أذكر لكم مثالا و لو هذا تمثيل. واحد لو أراد أن يعمل بقاعدة التجاوز والفراق في الصلوة و يحتاط يسوغ له أو لايسوغ؟ هل الأخذ بقاعدة التجاوز والفراغ في الصلوة والطواف و السعي عزيمة أو رخصة؟ نفس البحث في هذا المبحث أن الاخذ بقاعدة الفراغ أو التجاوز عزيمة أو رخصة هذا بحث أصولي و ليس فقهيا يعني زاوية أصولية و هل يمكن بين مفاد القاعدتين و الإحتمالات الأخرى بالاحتياط؟ هذا بحث أصولي أن الأخذ بحجية الخبر الواحد عزيمة أو رخصة؟ هل الأخذ بحجية الظواهر عزيمة أو رخصة؟ ماذا معناه؟ يعني نفس الذي ذكره الأعلام. الإجتهاد أمارة يعني كل أمارات الحجج التي ينسقها إجتهاديا للمجتهد. هذا هو الإجتهاد فكل منظومة الإجتهاد يسمونه الحجج الخبر الواحد والظهور و القطع و الأصول العملية و غيرها كل ما يستنبطها الفقيه في الفقه واصول الفقه يسمونه الاجتهاد. هذه المنظومة في قبال التقليد.

الميرزا القمي عنده عزيمة و لايسوغ الإحتياط و يقول للعامي أو المكلف الأخذ بالأمارات الإجتهاد أو التقليد عزيمة و ليس رخصة. الإحتياط الكبير يعني لاتلزم نفسك بالأمارات بل تعمل بمنظومة الإحتياط، الميرزا القمي كما يذكر الشيخ الانصاري في الرسائل يذهب إلی أن الأخذ بالأمارات سواء الإجتهادية أو تقليدا الأخذ بها عزيمة و ليس رخصة. إذا كانت عزيمة لايمكن أن تأخذ بالإحتياط المعروف الدارج. الذي يسميه الشيخ الإحتياط الكبير. عندنا الإحتياط الصغير و الكبير والأكبر. الشيخ الأنصاري لكي يتلاقی هذه الشبهة أن العمل بالأمارات عزيمة و انت كيف تريد أن تحتاط و لاتاخذ بالعزيمة؟ يذكر المنشأ في الرسائل يذكر الإحتياط الأكبر في الرسائل بأن تعمل بالأمارات و تضم اليه الإحتمالات الأخرى و هنا قد أتيت بكل الإحتمالات و لاتكتفي بالإحتياط الدارج المعروف في الأذهان. هذه المعالجة بين العمل بالأمارت وغير الأمارات بالإحتمالات، هذه معالجة أصولية وإحتياط أصولي و ليس فقهيا.

كلامنا ليس في العامي و نرجع إلی المجتهد. المجتهد إذا تضلع في الحجج يلتفت إلی أن الخبر الواحد، الصدور جزء الحجة و الظهور جزء الحجة وجهة الصدور جزء الحجة بل في حجية الخبر الواحد إحدی عشر حيثية و بينها مراتب و هنا يركب حجية الخبر الواحد. ويركب حجية الظهور و يركب مع بعضها البعض. كيف إذا يركب مع بعضها البعض يراعي الإحتمالات الأخرى؟ إذا عنده التضلع في الحجج و الفقه يستطيع أن يستنبط استنباطا احتياطا يراعي فيه كل هذه النكات. طبعا باللسان سهل اما بالتحليل و الاكتشاف يحتاج إلی عارضة أصولية عارضة فقهية نفس المبحث ان الامارة عزيمة أو رخصة؟ بعض رواد الأصول أثاروه. هذا بحث في الإحتياط الأصولي.

لاباس بالتوقف في الإحتياط الأصولي لأنه فيه التنمر في القضاء و الاجتهاد وا لتقليد و التعارض و التنمر في هذه الأبواب بعطي فحولية في الملكة العلمية.