الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول
37/07/23
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- شرائط جريان الاصول العملية.
كنا في قول الفاضل التوني القائل بان لا ضرر رافعة لعدم الحكم وعدم الجعل وبالتالي فهي مثبتة ، فالكلام في تصوير هذا المطلب ثبوتا وان لا ضرر التي هي قاعدة نوعية كيف تثبت الحكم لا انها ترفع الحكم او قل انها لا يختص رفعها برفع الحكم بل هي ترفع عدم جعل الحكم فكيف يمكن تصوير هذا؟
الجواب :- توجد بعض القرائن.
القرينة الاولى:- البعض قال باعتبار ان هناك في النصوص او احد طرق القاعدة في رواياتها برواية الصدوق ((لا ضرر ولا ضرار في الاسلام)) فبقيد في الاسلام يعني ان لا ضرر ليست ناظرة فقط للضرر الشخصي للمكلف بل ناظرة للتشريع والتقنين وهذه نكتة لطيفة وهي ان لا ضرر ولا ضرار في الاسلام لا انه لا ضرر على المكلف ، فنفس دليل قاعدة لا ضرر او نفس قاعدة لا ضرر تارة يلاحظ فيها الضرر الفعلي الطارئ على الحكم الفعلي او على الامتثال وهي لا ضرر الشخصية وتارة لا ضرر يلاحظ فيها مرحلة الانشاء ولو بلحاظ عدم الجعل وعدم القانون ، وهذا مبحث في الفقه قبل كم يوم استعرضناه وفي الاصول ذكرناه وهو ان بين دليل ودليل اخر فان لا ضرر دليل ثانوي وبين الادلة الاولية فان لا ضرر يتصرف في أي مرحلة من مراحل الاحكام الاولية؟ هل في كرحلة الانشاء او في مرحلة الامتثال او الفعلية او ما شابه ذلك؟ اذن لا ضرر في الاسلام كما مر ميزان للفقه الدستوري وللتقنين الدستوري او قل للأحكام الانشائية وليس لا ضرر ضابطة قانونية وزارية مثلا او بلدية تنفيذية.
القرينة الثانية:- قالوا انه بالسبر والتقسيم نحصر الضرر الناشئ على المغبون او على المغشوش بالعيب نجده حصرا الضرر في عدم جعل الخيار له او عدم الارش فلما يشخص ان الضرر نتيجة عدم جعل وعدم قانون معين والمفروض حسب المقدمة الاولى ان لا ضرر في الاسلام أي في مدونة القانون لا ضرر فلا محالة هذه الحلقة من فقد القانون فان لا ضرر تكشف عن هذه الحلقة انشئت من قبل الشارع أي هذا القانون منشأ ، هكذا ذكر المشهور من قرينة على الرفع.
القرينة الثالث:- واضاف البعض وهي ان في موارد عدم جعل خيار العيب او خيار الغبن او الارض او الضمان او الدية او غيرها في تلك الموارد بالدقة هناك حكم مضاد وهو مثل لزوم البيع او تملك صاحب الغش المعوض كاملا يلازم عدم جعل الخيار مثلا ، فانهم قالوا ان المعاوضة في الاساس هي التساوي في القيمة المالية فلما يكون في البين عيب ولا يكون تساوي في المالية فانه ينجم من ذلك ان صاحب العيب في عوضه السابق الذي نقله الى الطرف الاخر واخذ عوض اخر بدله تملك بلا ازاء وبدون مقابل فان تملك بلا مقابل حكم وجودي أي تملكه لتمام مالية العوض مع انه لم يملك تمام العوض الذي عليه حكم وجودي ، وهذا الحكم يلازم عدم الجعل.
فاذا استشكل بان لا ضرر كيف ترفع عدم الجعل وهو حكم عدمي فإننا نقول انها ترفع الحكم الوجودي الملازم للعدم مثل لزوم البيع الملازم لعدم ضمان صاحب الغش للارش ، اذن ابقينا على ضابطة لا ضرر وهو انها رافعة للحكم الوجودي ، غاية الامر انه كما يرفع الحكم الوجودي فهو تلقائيا يرفع الملازم له وهو عدم الجعل وحينئذ لازم اثبات الحكم لان رفع احد النقيضين لازمه اثبات النقيض الاخر.
والان نجيب على هذا الاشكال وهو ان يكون مفاد الشيء لابد ان يكون المدلول الالتزامي موحد في كل الموارد هذا صحيح في العمومات التحتانية وهو صحيح ايضا في القواعد الفقهية التطبيقية اما في العمومات الفوقانية يعني اصول التشريع واصول القانون فهذه في الحقيقة دوما طبيعتها وحالاتها اثبات لوازم مختلفة بحسب الموارد عكس العمومات التحتانية ، اذن شؤون وحالات الادلة على مستوى الدليل الكاشف صحيح تكون ضابطتها كذا واما بالنسبة الى القواعد الممهدة للاستنباط بمعنى الاستخراج لا الاستكشاف الذي هو اصول القانون فتلك لها ضوابط اخرى ، وهذا البحث من امهات بحث اصول القانون وهو ضوابط قواعد اصول القانون لا نسري عليها ضوابط وقواعد الحجج أي الادلة الاجتهادية.
ولكن هذا لا يعني انفلات الضوابط بل لنكن على يقضه وانتباه ان ضوابط عمومات اصول القانون تختلف ضوابطها عن ضوابط العمومات الاستكشافية ، نظير ما ذكره الاصوليون انفسهم واقروا به فقالوا القضايا الخارجية الجزئية نظام الدلالة فيها غير نظام القضايا الحقيقة الكلية وهذا صحيح ، فضوابط الظهور في القضايا الخارجية تختلف عن ضوابط القضايا الحقيقة.
لذا هنا في لوازم والمداليل الالتزامية في اصول التشريع ليست على منوال الدلالة والمدلول الالتزامي في الادلة الاجتهادية ، فلا يجب ان يكون موحد وساري في جميع افراد الطبيعة.
واحد الاسباب هو انه دائما الاصول التشريعية الفوقية ليست كالقواعد الفقهية تتنزل منفردة وهذا هو الغالب الا اذا ابتليت بمزاحم او وارد ولكن في اصول التشريع دائما غالبا تتنزل منضمة او متمازجة او مندمجة مع اصول تشريعية اخرى فلا تتنزل بمفردها ، فلا محالة تكون ضوابطها مختلفة.
وهذا سوف يمهد الطريق للوجه الاخر في مثبتية لا ضرر النوعي وهو الذي ذكرناه في كتاب الملكية.
اذن ضوابط العمومات في اصول التشريع تختلف عن ضوابط العمومات في الادلة الاجتهادية المعهودة ، وكذا ان تنزل العمومات الفوقانية دوما مندمجا ممتزجا مترابطا مع عمومات اخرى فلا تتنزل بمفردها وهذا على العكس في الادلة الاجتهادية والقواعد الفقهية فإنها غالبا تتنزل بمفردها.