الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

37/06/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شرائط جريان الاصول العملية.

كنا في صدد بيان ادلة الاعلام على اشتراط الفحص في الاصول العملية الشرعية او العقلية ، ومر عدم صحة التفرقة ما بين الاصول العقلائية والاصول الشرعية لما مر من ان تأسيس الحجج في الاصل ليس على الحجية الاستقلالية بقول مطلق ، اصلا تصور ان الحجة في الادلة الدينية بل حتى في الادراكات العقلية اجمالا بانها ادلة مستقلة هذا التصور الفرضية في نفسها ليست تامة ولا سديدة ، وهذا عمدة الوجه الذي نستند اليه في اشتراط الفحص في جريان الاصول العملية ، ومر بنا ان الاعلام كأنهم فرقوا بين تقييد الاصول العملية الشرعية بالتأخر عن الامارات وبين دليل الاصول العملية مثل الاطلاق اللفظي لدليل البراءة فقالوا لو كنا نحن وهذا الاطلاق لا نقيده الا بأدلة الفحص وذكرنا ان هذه التفرقة التي ذكرها الاعلام لا نرتضيها لأنه اذا كان في الاصل المدلول مقيد فأي فائدة من اطلاق الدليل كما لو شخص يقول اطلاق دليل وجوب الحج والحال ان نفس المدلول في دليل الحج مقيد ﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾[1] ، فهو مقيد بالاستطاعة اذن الاطلاق في أي شيء؟ فهو من الاساس مقيد بالاستطاعة ، نعم الاطلاق في نطاق التقييد هذا صحيح اما الاطلاق فيما وراء التقييد فلا معنى له ، فاذا سلم الاعلام ان مدلول دليل الاصول العملية ـــ أي نفس ذات الاصول العملية ــــ هذه الادلة الفقاهتية مقيدة متأخرة عن الامارات فلا معنى ولا ثمرة للقول بان دليل الاصول العملية اطلاقه غير مقيد بالفحص لان ذات الاصل العملي مقيد بعدم وجود الاماراة.

ان قلت:- انه اذا كان ذات الاصول العملية مقيد بالامارات ، اذن ما تقصدون بالامارات هل تقصدون الامارات الواصلة التي هي في معرض الوصول او بالوصول الشخصي؟

قلت:- بلا شك ان المراد هو الامارات الواصلة بالوصول العرفي أي بحيث لو فحص لوجدها التي هي واصلة بحسب الوصول النوعي لا الشخصي.

ومن ثم يهون الخطب عندما تلتفت الى ان مسلك مشهور الفقهاء والاصوليين والرجاليين على الحجة المجموعية التراكمية لأنه في الاصل لا توجد عندنا حجة مستقلة بقول مطلق ، وحينئذ الفرق بين الخبر الضعيف والخبر الصحيح هو ان الخبر الصحيح عندما لا يوجد مقيد له ولا يوجد معارض له ولا حاكم له ولا وارد له يصلح ان يعمل به مستقلا بينما الخبر الضعيف لا يعمل به الا مجموعا والا كليهما حجة مجموعية ، وهذا التعبير الذي نذكره هو مسامحة ومجارات للأعلام والا ايضا بالدقة لا توجد مسالة معينة مبنية على الخبر الصحيح بمفرده لان أي مسالة تريد ان تستدل لها هي ليست مبتورة عن مسائل ذلك الباب وذلك الفصل.

هذا في الواقع من بركات بحث اصول العلم الذي مر بنا بحثة وهو منهج المحكمات ربما بعبر عنه في الوحي وفي علم الاصول يعبر عنه بالمبادئ الاحكامية واصول القانون فهو نفس الفكرة وهي فكرة منظومية المنهج وطبقاته.

كذا حتى الدليل العقلي فلا يمكن ان يكون دليلا مستقلا مفصولا عن الادلة الاخرى ، فان كل الشبهات التي تنشأ عند الحداثويين والعلمانيين والدهريين بسبب فكرة بتر الادلة والمعلمومات عن بعضها البعض وهذا غير ممكن ، فانه لا توجد ادلة مبتورة بل الادلة كلها مجموعية ومنظومية.

اذن الصحيح ان اصل فرض الحجية مستقلة هذا وهم وسراب وصوري بل يوجد ترابط ورتب بين الحجج فقوله ((يا علي ما آمن بي من كفر بك)) فهذا الحديث يشير الى ترابط بين الحجج وكذا ((ما آمن بالله من لم يهتدي بي ولا بك)).

هذا عمدة الدليل على الفحص حتى لو استنبط جميع المسائل الفقهية فلا يمكن له ان يعمل بالاصل العملي لا بدعوى العلم الاجمالي ولا غيرها.

هذا بالنسبة الى الدليل الاول على وجوب الفحص وكما مر هذا الدليل ليس دليلا على الاصول العملية الشرعية او العقلية فقط بل هذا الدليل عبارة عن خارطة كبيرة لمباحث الحجج وليس فقط خارطة للحجج بل هو منهج وخارطة للحجج في العلوم الدينية كلها بل والعلوم التكوينية.

ومن باب التنبيه على اهمية هذا المطلب الآن في العلوم التجريبية او غير التجريبية مثل الانسانية عندهم مطلب متين وهو ان هناك في كل علم حقائق في كل علم وتوجد نظريات وتوجد فرضيات وتوجد خيال علم (أي احتمال ولو ضئيل) ، الان العلوم في كل حدب وصوب الباحثون فيها ان لم يستطيعوا برهنة النظريات الى حقائق او تأسيس نظريات او تأسيس فرضيات فقل الايمان ان يجمعوا الخيالات في ذلك العلم حتى الخرافات ، الان موسوعات تكتب من قبل الباحثين والمراكز البحثية لجمع الخرافات لان الخرافات في الحقيقة هي احتمالات وان كان تركيب الوهم او الخيال قد يكون خاطئ فيها ولكن تقطيعها كما يشير اليه العلامة الطبطبائي في رسالة الاعتباريات فانه يقول ((ان اصل كل احتمال محال ان يكون سراب فان اصل كل محال لابد ان يكون من واقعية تكوينية غاية الامر ان الانسان يشتبه فيجعل هذا الاحتمال في غير موضعه)) حتى السراب بالدقة صورة حقيقة ولكن الانسان يشتبه فيطبقها على مورد خاطئ.

اذا يتذكر الاخوان في بداية الانسداد اشرنا الى بعض الاقوال وهو ان البعض من الاعلام يلفق بين القول بالانفتاح والانسداد أي يعمل بالأدلة الخاصة وان لم تتم يتوسل بالدليل المجموعي.

وهذا التعبير الذي يذكره صاحب الجواهر (قدس سره) والسيد الكلبايكاني (رحمه الله) وكثير من الاعلام ((بان الفقه فهم كلمات الفقهاء)) أي مجموع الجهود ومجموع الاحتمالات ومجموع القرائن فلا يمكن ان يعتمد على بعض القرائن وبمقدار محدود بخلاف جمع جهود الاخرين.

الدليل الثاني:- وهو الآيات القرآنية ، واستدل بقوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُون﴾[2] ، ففي المورد الذي لا يعلمه الانسان يسال اهل الذكر والسؤال معناه الفحص وهذه الآية تامة.

وبعبارة اخر توجد آيات عديدة تلزم بالفحص حتى اية النفر ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾[3] ، من كل فرق غاية الامر ان الآية ترسم نظام تعليم وتربية مجموعي ولذا قالوا بالوجوب الكفائي ، وبعد ذلك شعب وفروع هذا الواجب التعليمي وهي ((لينذروا قوم)) ، اذن الآية في صدد ايجاب التعلم وبناء نظام تعليمي في المجتمع ويمشي على المنظومة العقلائية.

وبالتالي ان ادلة التعلم في القران الكريم كثيرة. وهذا الدليل تام.

الا انه وقع الكلام عند الاعلام ان هذا الوجوب ما هي حقيقته هل هو غيري او نفسي او مقدمي او طريقي وما هو الاختلاف بين هذه الوجوه؟


[1] - سورة آل عمران، الآية97.
[2] - سورة النحل، الآية43.
[3] - سورة التوبة، الآية122.