الموضوع:- قاعدة لا
تنقض السنة الفريضة.
كان
الكلام في عموم مورد الخلل الذي تجري فيه قاعدة لا تنقض السنة الفريضة او قاعدة لا
تعاد، ومر ان هناك جهات مشتركة بين هذا البحث وعموم قواعد الخلل وهذا امر حساس
ومهم لان نفس هذا البحث وارد في قواعد الخلل في الحج، ولا يبعد ان الوارد في
قواعد الحج في الحقيقة ايضا ـــ وان كان الاعلام يعتبروها قواعد مستقلة ـــ هي
تندرج في قاعدة لا تنقض السنة الفريضة.
ومر بنا ذكر الاقوال
فمنهم من يعمم القاعدة الى مطلق الخلل حتى العمدي مثل صاحب الكفاية (قدس سره)
والميرزا محمد تقي الشيرازي (قدس سره) صاحب ثورة العشرين ومنهم من يخصصه بالنسيان
كالمحقق النائيني (قدس سره) واكثر تلاميذه ومنهم من يفصل فيقول كل الخلل غير
العمدي بما يشمل النسيان والغفلة والجهل بالموضوع والجهل بالحكم عدا الجهل
التقصيري والعمد فلا تشمله لا تعاد وبالتالي تشمله لا تنقض السنة الفريضة،
والاصح لدينا ان قاعدة لا تعاد او لا تنقض السنة
الفريضة كما عليه المشهور انها شامل للخلل مطلقا الا الخلل العمدي فلا تشمله.
ومر
بنا ان الميرزا النائيني (قدس سره) يستدل بان الجزئية والشرطية مقتضاها الفساد
فتكون لا تعاد عنده مختصة بالنسيان، وتقدم الجواب عن هذا المبنى مرار وذكرنا ان
مبنى المشهور هو الجواب عنه بل ما التزم به نفسه الميرزا النائيني (رحمه الله) في
باب الصحيح والاعم.
و
كأنما منشأ ذلك عند الميرزا النائيني مبنى اخر وهو ان
القواعد العلاجية الثبوتية
[1]
تخصص الادلة الاولية وكذا السيد الخوئي (قدس سره) يتبنى هذا المبنى والسيد هادي
الميلاني (قدس سره) وجل تلاميذ النائيني وجل تلاميذ السيد الخوئي.
هذا المبنى ذكرنا ان
المشهور لا يوافقون عليه، ووصل بنا الكلام امس الى ان العلاقة بين لا تعاد وبين
لا تنقض السنة الفريضة ليست علاقة مخصص وعام ولا مقيد ومطلق ولا وارد ومورود ولا
حاكم ومحكوم بل هي علاقة وان لم يصطلح عليها اصطلاح عصري ولكن يصفونه بعلاقة
المعالج في مقام الامتثال.
هذا المبحث نقلنا
الى مبحث آخر ذكرنا وهو ان العلاقة بين الادلة او قل العلاقة بين المدلولات
[2]، وبالأمس مر بنا ان التعارض هو تنافي بين الادلة في دليليتها او هو تعارض بين
الادلة في مدلوليتها؟ يوجد خلاف عميق بين الآخوند والشيخ الانصاري خلاف عميق،
وكذا يتذكر الاخوان ان بحث مراحل الحكم هو بحث مدلول وليس بحث دليل.
وحينئذ يقع البحث ان
النسبة بين الدليلين ولنفرض عام وخاص او مطلق ومقيد او حاكم ومحكوم او وارد ومورود
او هذه النسبة الجديد التي وقفنا عليها الآن وهي نسبة معالِج ومعالَج، هل هي نسبة
بين مدلولي الدليلين او بين دليلية الدليلين؟
مثلا
لو كان عندنا دليل عام ودليل خاص فهل نلاحظ هذه النسبة وهي العموم والخصوص بين
دليلية الادلة او بين المدلول او غير هذين الفرضين يوجد فرض اخر؟
وهذا
البحث لسنا بصدده بل نحن بصدد استعراض وفهرست هذا البحث فان تحديد نقطة التماس بين
الادلة امر مهم وحساس.
المهم فان الخاص
يتصرف في العام في مرحلة الانشاء وكذا المقيد واما الورود فان الوارد يتصرف في
موضوع المورود في مرحلة الفعلية واما الحاكم فالحكومة اقسام (وبعض الاعلام يقول ان
الحكومة لبا اما مخصص او وارد او شيء ثالث)، اذن الحكومة اقسام فبعضها من شؤون
الدليل
[3]
وبعضها من شؤون المدلول وبعضها مرتبط بجهة الصدور (أي بعضها ثبوتي وبعضها اثباتي).
واما نقطة التلاقي
بين قاعدة التجاوز والفراغ والادلة الاولية او بين اصالة الصحة والادلة الاولية هي
في مرحلة احراز الامتثال، يعني ان قاعدة التجاوز والفراغ واصالة الصحة لا تتصرف
في المرحلة الانشائية ولا تتصرف في المرحلة الفعلية ولا في المرحلة الفاعلية ولا
في التنجيز وانما تتصرف في احراز الامتثال ن بينما لا تعاد ولا تنقض السنة
الفريضة تتصرف في مرحلة الامتثال، وكذا حجية الخبر الواحد وحجية الظهور وباقي
الحجج الظاهرية الظنية المعتبرة تتصرف مع الادلة الثبوتية الواقعية في مرحلة تنجيز
الحكم ن وهذا هو الذي بحثه الاصوليون في الجمع بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي وهذا
هو الذي اشتبه فيه ابن قبة وحتى الاشاعرة والمعتزلة لان بنائهم بان الاحكام
الظاهرية والحجج تتصرف في مرحلة الانشاء او في مرحلة الفعلية لذا قالوا بالتصويب،
لذا جواب الامامية عن شبهة الاشاعرة والمعتزلة والمصوبة وابن قبة وغيرهم وحتى
الحداثويين
[4]
هو ان نقطة التماس في الاثبات لا في الثبوت.
والحمد
لله على سعة افق التصور ع علمائنا الامامية في علم الاصول قالوا ان نفس الحكم
الظاهري في الحجج له مراحل مع انه حكم اثابتي وليس ثبوتي، وهذا يعبر عنه ترامي
الاثبات والثبوت، بمعنى ان نفس الاثبات فوقه اثبات وبالنسبة للاثبات الثاني يكون
الاثبات الاول ثبوت
[5].اذن لاحظوا ان
الميرزا النائيني (قدس سره) هنا قال ان لا تعاد تخصص بينما المشهور قالوا ان لا
تعاد ليس لها تماس مع المراحل الانشائية بل لها تماس مع مرحلة الامتثال.
و
كذا لو تلاحظون في النسخ الفرق بين مبنى السيد الخوئي (قدس
سره) والمشهور فان المشهور برى ان النسخ هو ازالة ورفع بينما السيد الخوئي (قدس
سره) يرى انه تجميد، وهذا الاختلاف سببه الاختلاف في تعيين نقطة التماس بين
الناسخ والمنسوج فان السيد الخوئي (قدس سره) يرى ان نقطة التماس هي في المرحلة
الثانية من مراحل الانشاء بينما المشهور يرى ان نقطة التماس هي في المرحلة
الثانية.
وكذا لو تتذكرون في
حقيقة التخصيص ايضا ترتبط في تحديد نقطة التماس وان الخاص والعام هل هو مرتبط
بالمرحلة الثالثة في الانشاء او في المرحلة الثانية في الانشاء، فمشهور المتاخرين
قالوا في المرحلة الاولى في الانشاء بينما المتقدمين قالوا ان نقطة التماس بين
الخاص والعام في المرحلة الثانية لا الاولى.
اذن تحديد نقطة تماس
الادلة او المداليل جدا حساس ومهم ويعتبر العمود الفقري لعلم الاصول.