بحوث خارج الأصول

الأستاذ الشیخ محمدالسند

37/05/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- قاعدة لا تنقض السنة الفريضة.
مر بنا ان هذا البحث وهو تشخيص معنى السنة ومعنى الفريضة مبحث حساس في هذه القاعدة وذكرنا عدة معاني للسنة والفريضة، ونذكر بعض المعاني الاخرى.
المعنى الثامن:- ان احد معاني السنة وهو المشروع وهو في مقابل البدعة فان الشيء المشروع يسمى سنة وهو في مقابل البدعة وهو الشيء غير المشروع.
المعنى التاسع:- ان المراد من السنة هو التشريع الذي فعل، فهذا يسمى سنة وهذا في مقابل التشريعات المجمدة، وهذا الوصف ـــ المفعل ـــ والعنوان غير عنوان الفعلي الذي هو احد مراحل الحكم، وتفعيل التشريع بمعنى جعل التشريع رسمي وهذا يحصل بتبليغ النبي (صلى الله عليه واله) وبدون تبليغ النبي عن احكام الله لا يكون الحكم مفعل وبدون تبليغ الائمة عن احكام النبي لا يكون الحكم مفعل، وهذا احد معاني صلاحية التشريع.
وقد اشكل الاخباريون على الاصوليين بانه اذا كان التفعيل بالتبليغ فكيف تدعون ان حكم العقل يكون حجة مع انه لم يفعل.
واجاب الاصوليون بانه في دائرة البديهيات الله سبحانه جعل العقل هو الناطق الرسمي وهو المبلغ للتشريعات وهو حجة.
المعنى العاشر:- وهو ان البعض يفسر سيرة النبي وسيرة المعصومين بهذا المعنى أي بمعنى السنة.
هذا البحث في معنى السنة مرتبط بتقسيمات موجودة في الدين ذكرها المتكلمون شيئا ما ولم يذكرها الاصوليون بذاك الوسع وهو انه توجد مفردة الدين ومفردة الشريعة ومفردة الملة وعنوان المنهاج وعنوان الطريقة (وهذا احد معاني السنة) وعنوان الحكمة وعنوان الحقيقة وتوجد عناوين اخرى واردة في القران الكريم والروايات، وهذه البحث في هذه العناوين بحث مهم وهو بحث مرتبط ببحث التشريع[1] قبل بحث مراحل الحكم الاخرى، وهذه العناوين هي فريضة وسنة فالدين بلحاظ الشريعة يكون الدين فريضة والشريعة سنة والشريعة بلحاظ الملة تكون الشريعة فريضة والملة سنة وهذا من باب استعمال الفريضة والسنة بمعنى اضافي أي الاهم فالاهم، والملة بالإضافة الى المنهاج والطريقة تكون الملة اهم، والهدف من هذه العناوين هو الوصول الى الحقيقة وهو لب الدين.
وتعريف هذه العناوين هو امر ملتبس على كثير من الكتاب والباحثين في الثقافة الاسلامية بل حتى في كتابات الخاصة من الاعلام، بينما تمييزها بما بين على لسان الائمة (عليهم السلام)، فالدين عبارة عن العقائد ـــ بحسب بيان الامام الصادق (عليه السلام) في رواية المفضل ــــ واصول المحرمات واصول الواجبات[2] واركان الفروع ايضا من الدين، والدين كما مر بنا هو لا يختص بالجن والانس بل الدين يدين الله عز وجل به كل المخلوقات، والشريعة هي المرحلة الابتدائية في السير الى الدين وهذه مرتبطة بالثقلين أي الجن والانس ومرتبطة بدار الدنيا سواء الدنيا الاولى التي نعيش بها او الثانية وهي ما ليست بأولى كما في الرجعة، اذن الشريعة مرتبطة بنشأت الانسان في الارض، وهي تفاصيل الاحكام، واما الملة وهي عبارة عن العرف الجاري على وفق الدين او على وفق الشريعة فقولنا عرفنة الدين بمعنى جعله عرف جاري، كما في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[3]، ولكن قد يقال كيف النبي الخاتم يتبع ابراهيم؟ وهذا جوابه قوله تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ﴾[4]، فالمقتدى به ليس النبي ابراهيم وموسى وعيسى بل ان قوله تعالى: ﴿ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ أي بوحي الله اتقدي وهذا لا مانع منه، وهذا ليس اتباع لابراهيم بل هو اتباع للدين والدين عندما يعرفن ويصير ملة فلابد ان يتبعه النبي لأنه اتباع لله.
 اما المنهاج والطريقة، فالطريقة عبارة عن الطريق الروحي، فان الشريعة مرتبطة بالبدن ولكن الطريقة مرتبطة بالروح والنفس والاخلاق فان قوله (عليه السلام) ((انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق)) ، وقوله تعالى: ﴿ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [5]، هو من سنن الطريقة، وصاحب الوسائل في ابواب جهاد النفس عقد سبعين باب اكثرها مرتبطة بالطريقة، اصلا اكثر الكبائر في الطريقة وليست في الشريعة، وبصراحه طابع معلم الفقه الجعفري وغير الجعفري انشغلوا بفقه البدن اكثر واما فقه الروح الموجود في ابواب جهاد النفس فقل من بحث فيه، واكثر من سبعين في المئة من الكبائر اودعها الله في الطريقة، ولكنه غير مبحوثة، والنصوص الواردة عن اهل البيت في باب الطريقة اكبر كما من النصوص الواردة في باب الابدان.



[1] - أي التشريع بالمعنى الاعم وليس التشريع بمعنى الشريعة.
[2] - أي المحرمات الخطيرة جدا.
[3] - نحل/سوره16، آیه123.
[4] - انعام/سوره6، آیه90.
[5] - شوری/سوره42، آیه23.