الموضوع:- قاعدة لا
تنقض السنة الفريضة.
لا
زال الكلام في الرواية الخامسة وهي معتبرة عبد الرحمن ابن ابي نجران
((أنه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) عن ثلاثة نفر
كانوا في سفر : أحدهم جنب، والثاني ميت، والثالث على غير وضوء، وحضرت الصلاة
ومعهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم، من يأخذ الماء، وكيف يصنعون ؟ قال : يغتسل
الجنب، ويدفن الميت بتيمم، ويتيمم الذي هو على غير وضوء لأن الغسل من الجنابة
فريضة، وغسل الميت سنة، والتيمم للآخر جائز))[1].فعلل الامام (عليه
السلام) تقديم غسل الجنابة على غسل الميت بان الاول فريضة والاخر سنة، واما تقديم
الغسل على الوضوء فهو من جهة اهمية ملاك الغسل.
في
نفس الباب هذا توجد رواية اخرى سندها جيد الا ان الراوي الاخير وهو الحسن التفليسي
لم يوثق , وهي عن الحسن التفليسي
[2]
قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن مّيت وجنب
اجتمعا ومعهما ما يكفي أحدهما، أيهما يغتسل ؟ قال : إذا اجتمعت سنة وفريضة بدئ
بالفرض))[3].قد يقال:- ان هاتان
الروايتان هي في مقام بيان اهمية الفريضة على السنة لا ان السنة لا تنقض الفريضة
فلا يمكن الاستدلال بها في المقام.
الجواب:- وجه
الاستلال بهما ان لا تنقض السنة الفريضة قاعدة منحدرة من قاعدة فوقية وهي اهمية
الفريضة على السنة.
وهذه نكتة صناعية لا
باس ان نذكرها وهي ان تارة في اصول القانون يستدل بالاصل الفوقي على القاعدة
المنحدرة المتولدة وتارة العكس يستدل على الاصل الفوقي بالقاعدة المتولدة، ففي
اصول القانون ليس من الضروري ان يستدل على الشيء بعنوانه فيمن الاستدلال على
القاعدة المنحدرة بالأصل الفوق وبالعكس شبيه ما اذا قلنا اذا وجد الانسان في
المسجد فانه يعني انه وجد الجوهر الجسماني وكذا اذا وجد الجوهر الجسماني فهو
اجمالا يدل على وجود ما دونه، وهذه من خواص بحوث اصول القانون لان اصول القانون
عبارة عن توالد ماهوي اطواري ثبوتي وليس من نمط التطبيق وليس من نمط الاستكشاف
وانما هو من نمط التوليد والتوالد.
ايضا
في هذا الباب وهو 18 من ابواب التيمم الحديث 4 مضمونه نفس مضمون هاتان الروايتان.
اذن في هذا الباب 18
ثلاث روايات دالة على الاصل الفوقي لقاعدة لا تنقض السنة الفريضة وليس فقط على
قاعدة لا تنقض السنة الفريضة التي هي فوق لا تعاد بل ما هو فوقهما وهو اهمية
الفريضة.
الرواية السادسة:-
صحيحة زرارة بن أعين
((قال : قال أبو جعفر (عليه
السلام) : كان الذي فرض الله تعالى على العباد عشر ركعات وفيهن القراءة وليس فيهن
وهم، يعني سهوا، فزاد رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبعا وفيهن الوهم وليس
فيهن قراءة، فمن شك في الاوليين أعاد حتى يحفظ ويكون على يقين، ومن شك في الاخيرتين
عمل بالوهم))[4].ففي
هذه الصحيحة رتبت على كون العشر ركعات فريضة الله انه ليس فيهن وهم ثم بين ايضا ان
سبع ركعات من تشريع رسول الله وهو يعني انها سنة ففيهن الوهم.
ففي
الرواية استدلال بقاعدة اخرى غير قاعدة لا تنقض السنة الفريضة واذا كانت الاخت
موجودة حتما الام موجودة وهو الاصل الفوقي وهو اهمية الفريضة على السنة.
قد يقال:- غاية
الامر ان هذا استدلال على الاصل الفوقي وهو اهمية الفريضة وعدم اهمية السنة في
مقام الامتثال والاحراز او في مقام التزاحم واي صلة لذلك بما نحن فيه؟
فانه يقال:- مر ان
في باب اصول القانون ليس من الضروري الاستدلال على الشيء بقالبه حرفا وبعنوانه،
ولاحظوا ان هذا المطلب وهذه النكتة في الاستدلال موجود عند مشهور الفقهاء وغير
موجود عند متأخر هذا العصر فان متأخر العصر اذا لم يأتي النص حرفيا على المطلب فلا
يستدلون به لانهم المركوز في اذهان الجو العلمي الان اما ظاهرة التطبيق او ظاهرة
الاستكشاف وكلاهما لابد من الحرفية فيهما بينما على شاكلة النمط الاول وهو اصول
القانون فانه هذا يعتبر درجة من الاستدلال وان لم يكن استدلال كامل.
ولذا ترى جملة من
فتاوى الاعلام يشكل عليها المتأخرون بانها بلا دليل ولكنها لها دليل باعتبار انهم
كما يستدلون بالنصوص الخاصة والعمومات التحتية يستدلون بالأصل التشريعي الفوقي وقد
ذكرنا ان الاصل الفوقي والمتوسط كيف يتحكم بما تحتها من العمومات والادلة.
اذن فلسفة التشريع
والاصول الفقهية عند مشهور الفقهاء ليست عديمة الاثر الصناعي وليست عديمة التاثير
في الاستدلال في ذلك الباب.
والفرق بين مهذب
الشيخ الطوسي ومهذب ابن البراج ان ابن البراج لم يورد طبقات الاستدلال التي ذكرها
الشيخ بل مجرد فتاوى مع شيء من النكات.
فلو لاحظنا كتاب
المبسوط للشيخ الطوسي لوجدنا انه في كل باب ابتدأ فيها بالأصول التشريعية الفوقية
من آيات الاحكام او العمومات النبوية او العمومات الواردة عن المعصومين ثم يبدأ
بالعمومات الوسطانية ثم يأتي للعمومات التحتية وهذه خارطة صناعية في الاستدلال
مفيدة جدا وتبعه على ذلك جملة من الاعلام منهم المجلسي الثاني وكذا شيخ الشريعة
وتأثر به تلميذه السيد البروجردي وكذا المحقق الحلي في المعتبر هذا دأبه وربما
العلامة الحلي في بعض كتبة كالتذكرة.
وهذا المنهج ليس
يعني قواعد فقهية تطبيقية بل هذا يسمى طبقات القانون فلا ينطبق على القواعد
التطبيقية ولا ينطبق على الاستكشاف.
نعم الاستدلال
بالأصول التشريعية الفوقية ليس تمام الاستدلال ولكن لا تقول ليس لها أي دور بل لها
درجة من الاستدلال.
اذن القول بان
الاستدلال بالأصول التشريعية الفوقية مسامحة بالاستدلال وتساهل في الاستدلال غير
صحيح من جهة وصحيح من جهة فهو غير صحيح لأنه يمهد للاستدلال وله دور وصحيح من جهة
اننا لا نكتفي به في الاستدلال بل لابد ادلة متوسطة او تحتانية.
وهذه الظاهرة مصطلح
عليها في العقائد وفي باب المعارف بالترادف العقلي وهو غير الترادف اللغوي، وهذا
من فواق ظاهرة التطبيق عن ظاهرة اصول القانون ان في ظاهرة اصول القانون يوجد ترادف
عقلي بينما في ظاهرة التطبيق فيه ترادف لغوي ونمط الاستكشاف فيه اضيق من الترادف
اللغوي وهو حرفية الالفاظ والجمود على نفس اللفظ وتشاكل لفظي، فلاحظوا سعة اصول
القانون عن الظاهرتين الاخريين.
وتوجد نكتة نفسية في
اصول القانون نستدركها اليوم انه من هذا يظهر لنا ان ما عرف عند متأخر العصر من ان
كثير من الآيات او عمومات الروايات هذا التراث الكثير يعبرون عنه ويسمونه عبارة عن
فلسفات تشريع هذا ليس فلسفة تشريع لا دور له في التشريع بل هذا كله بنية اصلية مهيمنة
من اصول التشريع فهو وان لم يكن له الدور كله بل هو له دور وهو اعظم، فهذا الذي
تعارف عن متأخر الاعصار في غير محله.