الموضوع: إثبات
الاستصحاب لتعددية مراتب المركبات.
كنا قبل الدخول في قاعدة لا تنقض السنة الفريضة وهي
قاعدة ايضا عذرية مستقلة وهي ايضا داعمة كما مر لكون المركبات في العبادات
والمعاملات وفي كل الابواب الفقهية ذات مراتب لكن قبل ذلك كنا بصدد تبيان مطلبين
خاض فيهما الاعلام وكان المطلب الاول الاستصحاب البديل عن قاعدة الميسور، ثم
خاضوا في مفاد الروايات الثلاث المرسلة في قاعدة الميسور، وكلا المبحثين بقدر ما
هما بحث محمولي في ما ينتج نتيجة قاعدة الميسور ولكن زاوية البحث الذي خاضوا فيه
الاعلام زاوية موضوعية في الشبهة الحكمية وليست زاوية موضوعية في الشبهة
الموضوعية، فأجروا الاستصحاب فقالوا: المركب الناقص في موارد العذر نستصحب وجوبه،
وهذا الاستصحاب مع انه المفروض ان المركب ناقص وليس تاما لأنه قد اختلفت اجزاؤه
فمع اختلاف اجزاؤه فكيف يجري الاستصحاب؟
والجواب عن هذا التساؤل ان في موارد الاستصحاب
المفروض فيه تغير حدود الموضوع عن حدوده واطاره الموجود في الدليل اللفظي، والمراد
من الموضوع في الاستصحاب اعم من الموضوع بمعنى الاصطلاح الاصولي في الموضوع وهو
قيود الوجوب او الموضوع اللغوي بما يشمل متعلق الحكم فالزوال والبلوغ من قبيل
الاول والصلاة من قبيل الثاني فالصلاة هي متعلق الحكم، فالموضوع في باب الاستصحاب
اعم من قيود الوجوب ومن المتعلق.
والمهم ان الموضوع في باب الاستصحاب الذي هو اعم
المفروض انه لم يبق على حدوده في قالب واطار الدليل اللفظي الاجتهادي والا لما
احتجنا الى الاستصحاب.
فوحدة الموضوع في باب الدليل الاجتهادي تختلف عن
وحدة الموضوع في باب الاستصحاب.
ووحدة الموضوع في باب الاستصحاب بعضهم يعبر عنها
وحدة عرفية غير تسامحية ولكن في باب الدليل الاجتهادي وحدة الموضوع وحدة عنوان.
ومحصل التحقيقات الاصولية في
التمييز بين وحدة الموضوع في باب الدليل الاجتهادي الذي مر بنا امس ووحدة الموضوع
في باب الاستصحاب ان وحدة الموضوع في باب الاستصحاب تنطلق من عنوان غير العنوان
المأخوذ في الدليل الاجتهادي.
فمثلا أقم الصلاة
لدلوك الشمس فلدلوك قيد للوجوب والصلاة متعلق فوحدة الموضوع في هذا الدليل الاجتهادي
بوحدة عنوان الصلاة لأن الصلاة هي المأخوذة في هذا الدليل فلا بد ان تكون موجودة بكل
حدودها وبرمتها من الاجزاء والشرائط.
فالمدار في وحدة
الموضوع في باب الدليل الاجتهادي وحدة العنوان (عنوان الصلاة) المنطلق من أقم
الصلاة لدلوك الشمس مثلا.
بينما وحدة الموضوع في
باب الاستصحاب تنطلق من عنوان مغاير فلو اردنا استصحاب بقاء وجوب صلاة الظهر من
اقم الصلاة لدلوك الشمس، فإجراء الاستصحاب لا يعتمد على وحدة عنوان الصلاة.
بل تنطلق وحدة الموضوع من
عنوان آخر وهو عنوان لا تنقض اليقين بالشك فعنوان
النقض يراد له وحدة ولكن ليست هي وحدة العنوان المأخوذ في الدليل الاجتهادي
كالصلاة في المثال بل وحدة صدق النقض عرفا، ففي أي مكان يصدق النقض عرفا لوجوب
صلاة الظهر نتيجة نقص بعض الاجزاء صدق عرفا انك تنقض وجوب الصلاة المتيقن سابقا
بحالة الشك فهنا يجري الاستصحاب، لأن موضوع الاستصحاب عنوان النقض وليس موضوعه
عنوان الصلاة.
فمن ثَمَّ اختلفت
الضابطة في وحدة الموضوع في باب الاستصحاب عن باب الدليل الاجتهادي، فالمأخوذ
عنوانا في باب الدليل الاجتهادي هو الصلاة في المثال وأما العنوان المأخوذ في باب
الاستصحاب فهو عنوان النقض وإن لم يصدق عنوان الصلاة بحذافيره، ولذ اختلفت يسيرا
وليس كبيرا وحدة الموضوع في باب الاستصحاب عن وحدة الموضوع في باب الدليل
الاجتهادي.
هذا هو سرّ المطلب حسب
آخر تحقيقات علماء الاصول. وكلامهم صحيح.
وطبعا هذا غير الوحدة الدقية العقلية وغير الوحدة
العرفية التسامحية، فالوحدة العقلية هي ان لا يوجد اختلاف بين المتحدين في أي شيء
وهي أشد من الوحدة اللفظية العنوانية في الدليل الاجتهادي، وأما الوحدة العرفية
التسامحية فتصدق ولو بالنظرة المجازية او الادعاء لوحدة العنوان والموضوع.
وأما الشيء الوسطي فهو وحدة الموضوع بلحاظ باب
الاستصحاب.
فإذن منشأ وحدة الموضوع
في باب الاستصحاب هو ان عنوان النقض يشترط فيه وحدة الموضوع، لكن وحدة عنوان
الموضوع لبّا وليس لفظا بخلاف أقم الصلاة لدلوك الشمس الذي تكون وحدة عنوان الصلاة
لفظا واطارا ولغة. وأما في باب لا تنقض اليقين بالشك فوحدة عنوان النقض والنقض
يضاف لبا الى الصلاة، فنقض حكم الصلاة السابق بحكم الصلاة المشكوك مثلا.
ومن هنا يختلف البابان.
وبناءً على هذه
التفرقة بين وحدة الموضوع في باب الاستصحاب وباب الدليل الاجتهادي قال الاعلام أن
في باب العبادات او أي عناوين أخرى في المعاملات يمكننا إجراء الاستصحاب فمثلا سابقا
كانت الصلاة واجبة والآن عجز عن بعض أجزائها إما للحرج او للاضطرار او لغيرها من
الاعذار فهل يبقى وجوب الصلاة قالوا نستصحب وجوب الصلاة، وكذلك الحج فقد كان عليه
وجوب الحج فلو فرضنا عجزه عن الطواف فهل يبقى عليه وجوب الحج قالوا نعم يبقى عليه،
لاستصحاب وجوب الحج وهلم جرا في المركبات بعد التعذر يوجد بديل عن قاعدة الميسور
وهو جريان الاستصحاب.
هذا بداية كلام الاعلام.
فنلاحظ قبل الدخول في تفاصيل كلماتهم انطلاق
الاعلام لإجراء الاستصحاب من بحث وحدة الموضوع فتشريع الاستصحاب من الشارع وجريانه
في المركبات يفيد ان المركبات ذات مراتب عند الشارع، وما دام يصدق أن هناك وحدة
عرفية موجودة بين المراتب فيجري الاستصحاب. وكذلك منطلق الاعلام ان وحدة الموضوع
في باب الاستصحاب تغاير وحدة الموضوع في باب الدليل الاجتهادي.
ومن هنا عندما نغوص في تفاصيل كلمات الاعلام لا
ننسى الجهة الصناعية التي هي محط البحث والشاهد الاصلي في المقام.
ولنبدأ الآن مع خمس أو أربع تقريبات مذكورة في
كلمات الاعلام والنكتة الاساسية في هذه التقريبات التي نحن بصددها ان ارتكاز تعدد
المراتب في المركبات يستفاد من أدلة كثيرة، فمثلا استفدنا تعدد المراتب من ثلاث
طوائف او اكثر سابقا، والاستصحاب طائفة أخرى تضم الى ما سبق وكأن الشارع يعطيك
قرينة عامة او دليل عام في ابواب الفقه في المركبات بارتكاز الاعلام هنا ان باب
الاستصحاب يفيد ان المركبات ذات مراتب متعددة وهذا هو المهم الذي نحن بصدده.
أي ان الوحدة للموضوع في باب الاستصحاب الشارع
جعلها مغايرة للوحدة العنوانية اللفظية في الدليل الاجتهادي الاولي، فالشارع يقول
في أي موارد عرفا لم يصدق عليه العنوان فحينئذ لا تقدر على التمسك بالدليل
الاجتهادي فأعطيك شيء متمم تأتي فيه الوحدة اللبية بين المراتب عرفا وإن لم يأتك
دليل آخر جديد على انه ذو مراتب فكل مورد صدق عنوان النقض في وحدة الطبيعة يكفيك
في إبقاء الحكم.
وهذه نكتة نفيسة انصافا
من الاعلام ان الاستصحاب بديل عن قاعدة الميسور وان له تقريب يمكن اجراؤه عند الشك
ان الطبيعة ذو مراتب او لا.
هذه هي النكتة النفيسة وهي انهم كلهم اختاروا
تقريبات متعددة مختصة بهم ولكنهم توجد جهة مشتركة بينهم وهي انهم قبلوا ان باب
الاستصحاب بنفسه بيان لكون المركبات في العبادات والمعاملات ذات طبيعة متعددة
المراتب، فنفس الاستصحاب يقول لك لا ترفع اليد بسرعة عن الحكم اذا قصر عند الدليل
الاجتهادي فلم يكن لديك عموم او اطلاق نتيجة تزلزل العنوان اللفظي المأخوذ في
الدليل الاجتهادي فلا ترفع اليد عن الحكم لبا لأن هناك ضابطة أخرى وهي مدارية صدق
عنوان النقض عرفا لا مدارية صدق عنوان المأخوذ في الدليل الاجتهادي.
ومن هان فالأعلام ببركة الاستصحاب ــــ مع انه غير
مختص بالمركبات لعمومه الاستغراقي فيشمل باب المركبات وغيرهاــــ قالوا: مجرد دعوى
الارتباطية والجزئية والترابطية وغيرها لا تسوغ لك رفع اليد عن الحكم لأن
الاستصحاب يتمم لك الجعل ولذا يعرف الاستصحاب بانه متمم للجعل وإحرازا ومفسرا
للجعل وسموه ايضا مكملا للجعل الاولي الموجود في الادلة الاجتهادية فالاستصحاب
دوره هو هذا، وهو معين الادلة، وهو ليس قاعدة واحدة بل عدة قواعد ذات مراتب طولية
في أصول القانون والتشريع.
فإن الاستصحاب ـــــ هذا المهم والعظيم ــــ يؤكد
مراتبية المركبات بلفظ لا تنقض فمع صدق النقض العرفي لا يجوز لك رفع اليد عن
الحكم.
نعم إذا لم يصدق عنوان النقض العرفي فذاك بحث آخر.
إذن نكرر جهة الحيثية والمغزى الأصلي في بحث
الاستصحاب أن الاعلام لم خاضوا في الاستصحاب وارتكز عندهم الخوض في الاستصحاب
وأكثرهم قبلوا وجها من وجوه الاستصحاب؟ وهو نكتة مهمة وهي بديلة لقاعدة الميسور
وبديلة لحديث الرفع والقواعد العذرية انه يستفاد من الاستصحاب ان المركبات ذات
مراتب متعددة.
الآن نخوض في التفاصيل.
التفصيل الأول: ــــ وهو ما
قربه الشيخ ــــ وهو الاستصحاب الشخصي نفس الوجوه الشخصية عرفا فلا تستشكلوا بلحاظ
الدليل العرفي بل نقول بلحاظ باب الاستصحاب وهو النقض العرفي يصدق.
وكلام الشيخ في الجملة متين وهو جريان الاستصحاب في
بعض الاجزاء والشرائط. فهل يترك الحج مع هذه العظمة لأنه شرط معين لا نقدر عليه؟!
او الزكاة او الخمس او الجهاد او الصلاة او الصوم.
فكلام الشيخ متين في الجملة لا بالجملة لأننا نحتاج
الى تقريب قاعدة الميسور حتى في الأركان ففي جملة من الموارد يجري الاستصحاب.
التفصيل الثاني: وهو ما قربه
المحقق النائيني والمحقق الأصفهاني ونذكرهما مع بعض لأنهما متقاربين. يقول أن
الأقل أما وجوبه غيري او نفسي. غيري في المرتبة التامة وفي المرتبة الناقصة فوجوبه
نفسي. فيتبدل من غيري الى نفسي لو بقي الوجوب، لأن التسعة كانت واجبة ضمن العشرة
أجزاء فإذا فقد جزئين فالباقي ان بقي الوجوب النفسي يتبدل وجوب الباقي من وجوب
غيري في المرتبة التامة التي كان عليها الى الوجوب النفسي في المرتبة الناقصة فنشك
في الوجوب فيدور الأمر بين الوجوب النفسي والوجوبي الغيري فنستصحب جامع الوجوب بين
النفسي والغيري.
وهناك تقريب ثالث ان نستصحب الجامع بين الوجوب
النفسي الضمني والوجوب النفسي الاستقلالي لأن الاجزاء الداخلية اختلف الاصوليون
في مقدمة الواجب هل وجوبها غيري او وجوب الاجزاء الداخلية ليس غيري وهو الصحيح
وإنما هو وجوب نفسي ضمني.
فعلى النفسي الضمني في المرتبة العالية الاجزاء
الناقصة وجوبها كان ضمني واذا بقي الوجوب النفسي فيكون نفسي مستقل فنستصحب الجامع
بين النفسي الضمني والنفسي المستقل، فيبقى النفسي.
هذا تقريب أقوى من
الثاني بل حتى من الأول.
ي