الموضوع:-اصالة الاشتغال - الأصول العملية
كان الكلام عن الاشكالات
البنائية على الطولية ووصل بنا الكلام عن الاشكال الخامس وهو النقض بالطولية في
نفس الطرفين الاصليين ومر بنا ذكر بعض الامثلة.
وذكرنا مثال العلم الاجمالي
بنجاسة احد الإنائين وكان احدهما متيقن الطهارة سابقاً والآخر مجهول الحالة
السابقة ولكن هذا المثال يختلف عن مثال الملاقي والملاقى ان الطهارة في الإناءين
ثبوتاً وبحسب الحكم الفقهي ليس بينهما طولية ولكن بحس الحكم الاصولي توجد طولية،
فالتنبيه هنا هو انه توجد طولية اثباتية من دون طواية ثبوتية بينما في مثال
الملاقي والملاقى توجد طولية ثبوتية واثباتية، هذا هو الفرق.
والغريب ان جملة من الاعلام
اختاروا هناك شيء ولكن هنا عكسوا ذلك فمثلا الميرزا النائيني (قدس سره) قبل
الطولية في الملاقي والملاقى اما في المقام فلم يقبل الطولية وبنى على العرضية
يعني اصالة الطهارة في مجهول الطهارة تعارض كلا من استصحاب الطهارة في معلوم
الطهارة واصالة الطهارة فيه.
اما المحقق العراقي (قدس
سره) والسيد الخوئي (قدس سره) اللذان بنيا على عدم الطولية في الملاقي والملاقى
ولكنهم هنا بنوا على الطولية.
اذن الميرزا النائيني (رحمه
الله) يلتزم بالطولية بين استصحاب الطهارة واصالة الطهارة في متيقن الطهارة ولكن
مع الطرف الاخر وهو مجهول الطهارة ويجري فيه اصل واحد وهو اصالة الطهارة فلا يلتزم
بالطولية، اذن اصالة الطهارة في مجهول الطهارة معارضة لكلا الاصلين الطوليين في
معلوم الطهارة.
وحينئذ ينقض على الميرزا
النائيني (رحمه الله) بانك اذا لن تلتزم بالطولية في ملازمات الشيء فلماذا تلتزم
بالطولية في بحث الملاقي والملاقى؟
وكذا من ينقض على الميرزا
النائيني (رحمه الله) ينقض عليه ايضا مثل المحقق العراقي (رحمه الله) والسيد
الخوئي (رحمه الله) بانه لم يقبل الطولية في الملاقي والملاقى ولا ملازمات الطولية
بينما هنا قبل الطولية وملازمات الطولية؟
ما هو الوجه في قبول
الميرزا النائيني (رحمه الله) للطولية في الملاقي والملاقى التي هي طولية ثبوتية
واثباتية فإنها ثبوتية أي في الحكم الفقهي فان حكم الملاقي المتنجس متولد من حكم
الملاقي ثبوتاً وكونها طولية اثباتية أي الاصول العملية الجارية في الملاقي متأخرة
رتبة عن الاصول العملية الجارية في الملاقى؟ فانه لما قبل الطولية في الملاقي
والملاقى فلماذا لم يقبلها في مثال معلوم الطهارة ومجهول الطهارة؟
الوجه الذي ذكره
الميرزا (رحمه الله):- ان الميرزا النائيني (رحمه الله) يدعي ان الطولية تلاحظ بلحاظ
المضمون والمفاد ففي الملاقي والملاقى في المضمون المفاد ــ وهو الثبوت ــ الطولية
موجودة فليست الطولية مقتصرة على الاثبات فان مضمون الاصول العملية بينها طولية
بسبب الثبوت هذا في الملاقي والملاقى. وبهذا المقدار كلام الميرزا متين أي ان
الطولية بين الملاقي والملاقى ليست ظاهرية فقط بل واقعية.
ثم يقول ان تعارض الاثبات
وعدم تعارضه وطوليته وعدم طوليته انما تدور مدار الثبوت، اذن في الملاقي والملاقى
لان الطولية موجودة في الثبوت فنقبل الطولية في الاثبات.
واما في مثال معلوم الطهارة
ومجهول الطهارة والامثلة الاخرى التي مرت بنا فهناك الطولية الاثباتية موجودة ولكن
المفاد ومضمون الاصول العملية ليس بينها طولية لعلمنا ان الطهارة في هذا الطرف
والطهارة في هذا الطرف هي في عرض بعضها البعض.
ففي بحث التعارض بين
الامارات في اخر علم الاصول هناك خلاف بين الاصوليين ويوجد قولين وهو معنون باسم
الشيخ الانصاري (رحمه الله) والآخوند (رحمه الله) فان احد العلمين يقول ان التعارض
في الدلالة والقول الاخر يقول ان التعارض منشأه التنافي في المدلول لا التنافي في
الدلالة.
اذن هناك كلام بين الاعلام
في ان التنافي هل مدارها المدلول أي الثبوت أي الحكم الفقهي او مدارها الدلالة أي
حكم اصولي.
اذن الميرزا النائيني يقول ان
الطولية أي عدم التنافي وعد الطولية (العرضية) أي التنافي مداره المضمون أي الثبوت
أي الحكم الفقهي ولا تدور مدار صورة الاثبات. هذا محصل دليل الميرزا النائيني
(رحمه الله).
الوجه الذي ذكره
المحقق العراقي (رحمه الله):- ان المحقق العراقي (قدس سره) في فروع العلم الاجمالي الفقهية
غالباً الطولية ثبوتية وليست اثباتية، اذن العراقي هنا في مثال الإناءين قبل
الطولية واستند الى نفس الادلة التي استند اليها الشيخ الانصاري في الملاقي
والملاقى.
وهذا عجيب من المحقق العراقي
والسيد الخوئي فهناك طولية في الثبوت والاثبات ولم تنفع بينما هنا طولية في
الاثبات فقط ونفعت؟!
ولتحرير الحال
فان هذه الاشكالات الخمسة كلها مدفوعة:-
اما الاشكال
الاول وهو ان
الطولية بين الملاقى والملاقي وليست بين ملازمات الملاقى (الطرف الاخر) والملاقي فجوابه
ان ما ذكرتم وقررتم صحيح ولا يرفع اليد عنه الا ان في البين منشأ لانسحاب الطولية
على ملازمات الموضوع (الملاقى) فاذا تم هذا المنشأ فالإشكال مندفع واذا لم يتم لم
يندفع هذا الاشكال.
وهذا المنشأ لمراعات
الطولية في الملازمات هو التعارض والتنافي.
بيان ذاك:- ان الملاقى وهو متقدم
طولاً ثبوتاً واثبتاً فحيث ان الملاقى متقدم طولا على الملاقي فيتعارض الاصل
العملي الجاري في الملاقى مع الاصل العملي الجاري في الطرف وهذا التعارض ليس تمحل
او تكلف او تعدي على الاعتبار الشرعي لان القطرة اما سقطت في الطرف او سقطت في
الملاقى فهنا العرضية موجودة بسبب التعارض والا فان كلاً الطرفين أجنيٌ عن الاخر
ثبوتاً لا هو عرضه ولا هو في طوله، والذي كان منشأً لان يكون في عرض الاخر هو
التعارض الاصطلاحي والتناقض والتنافي هو الذي يولد التعارض اللغوي يعني التحاذي
والموازات.
فاذا سلم بان الملاقى
وطرفه بينهما تعارض فلا محالة ان تكون هناك عرضية في الرتبة.