الموضوع:-اصالة الاشتغال - الأصول العملية.
على ضوء ما تقدم من ان العلاقة والاعتبار من الشارع هو من الموضوع الى
المحمول فقط ولا توجد علاقة اعتبرها الشارع بين ملازمات الموضوع والمحمول بل ولا
علاقة بين المحمول والموضوع.
وهذا الذي قرره الاصوليون لا يريدون ان يقرروه في عالم الدلالة اللفظية بل
هذا الكلام كله والتدقيق ويذكروه في الاصل المثبت ولكن لا يقصروه على الاصل المثبت
ويذكروه في الورود والحكومة ولكن يريدون من ذلك البحث الثبوتي وواقع اللوح المحفوظ
هذا هو مرادهم وليس مرادهم عالم الاثبات والدلالة اللفظية.
الوجه فيه:- ان عالم الدلالة ليس له ربط بالبحث القانوني فان عالم الدلالة
آليات تركيبية محاورية عرفية بل الكلام الذي مر بنا هو ما وراء عالم الدلالة وما
وراء المدلول بصفة المدلول والواقع الثبوتي للمدلول النهائي، فان الاعتبار
والقانون لا ربط له بعالم الدلالة، فان الاعتبار والقانون شبيه بالوجود التكويني
للقانون والوجود التكويني لا ربط له بعالم الدلالة فان عالم الدلالة كاشف عن
وجودات خارجية تكوينية نعم هذا صحيح اما نفس الوجودات الخارجية التكوينية لا صلة
لها بعالم الدلالة، نعم الواقع الثبوتي لعالم الاعتبار والقانون فهو كأنما تكوين
فبدلا من ان يكون وجود تكويني هو وجود اعتباري وقانوني ويسمى الثبوت.
اذن هذا الكلام كله بلحاظ الواقع الثبوتي لوجود الاعتبار في عالم الاعتبار ولا
صلة له بعالم الدلالة، اما عالم الدلالة فهناك الملازمة العرفية والعقلية
والانتقال من الملزوم الى اللازم كلها مقبولة.
وهنا في البحث يستثمرون هذا في انه بين الملاقى والطرف الآخر تلازم عرضي
باعتبار انه من اطراف العلم الاجمالي فملازمات الملاقى هو الطرف الآخر والملاقى
متقدم رتبة على الملاقي ولكن الطرف الآخر ملازم للملاقى وملازم الملاقى ليس له
رتبة طولية مع الملاقي بل تكون عرضية واذا كانت عرضية فالطرف الاخر يعارض كلا من
الملاقى والملاقي.
لذا المرحوم الاصفهاني (قدس سره) يقول (المتقدم مع المتقدم زمانا متقدم) أي
اذا كان التلازم زماني فالمتقدم مع المتقدم متقدم، واذا كانت المعية زمانية
فالمتأخر مع المتأخر متأخر زمانا.
اذن في عالم الزمانيات هذه القاعدة تصدق اما في عالم الرتبة القانونية بل حتى
العقلية حسب ما ذكره الاصفهاني (قدس سره) فان المتقدم مع المتقدم رتبتا ليس متقدم
رتبة وكذا حتى في عالم التكوين فان ملازمات العلة ليس علة للمعلول بل العلة علة
للمعلول وكذا ملازمات المعلول ليست معلولة للعلة بل المعلول معلول للعلة.
اذن طرف الملاقى ليس متقدم على الملاقي بل هما في عرض واحد فيقع التعارض
بينهما. هذا اشكال بنائي ذكره الاصفهاني (قدس سره) والسيد الخوئي (قدس سره).
ويوجد اشكال آخر بنائي:- وهو ان العرف يرى تعارض بين طرف
الملاقى والملاقي وبالوجدان نرى تعارض بينهما فكيف تخرج الملاقي عن المعارضة.
وهنا السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) وافق الاصفهاني في هذا البحث.
والشاهد على هذا الارتكاز العرفي هو العلم الاجمالي الثاني وهو اما طرف
الملاقى متنجس او الملاقي هو المتنجس.
واشاكل آخر ذكره الشهيد الصدر (قدس سره) وحاصله ان الذي يريد الطولية يريد
ان يفترض ان الاصل العلمي في الملاقى يتعارض مع الاصل العملي في الملاقي فيتساقطان
فتصل النوبة الى الاصل العملي في الملاقي ولكن الاشكال يقول ان التعارض والتساقط
ليس يعني الانعدام والزوال، وان كان جمهور منهم فسره بهذا التفسير ولكن رواد علم
الاصول لم يقبلوا بهذا، وهذه نقطة نفسية مرتبطة بباب التعارض وهي انهم عندما
يقولون ان المتعارضان اذا تساقطا ليس مرادهم انهما محيا من صفحة الوجود في الادلة
الشرعية بل المراد من التساقط هو التجميد أي اقتضاء يتدافع مع اقتضاء، اذن حجية
فعلية غير موجودة بل الموجود حجية إقتضائية فقط، فالتمانع بين الحجتين في الفعلية
هذا هو مرادهم من التساقط.
وتقريبا يقولون ان هذا نمط جديد من التزاحم في الامارات وليس التزاحم
الاصطلاحي.
اذن التعارض بين الادلة والقرائن عند القدماء وحتى علماء البلاغة حقيقته ولبه ليس
بمعنى الانمحاء بل هو عبارة عن التزاحم في عالم الدلالة فلا يفرط في طرف من
الاطراف.
اذن السيد الصدر (رحمه الله) يستثمر هذا في المقام بانه اذا كان الاصل
العملي في الطرف مع الاصل العملي في الملاقى لم ينعدم الاصل العملي في الطرف بل
فقط مونع وزوحم من قبل الاصل العملي في الملاقى فحينئذ لا مانع من ان يكون هناك
اصل عملي متأخر رتبة اذا قرر له وجود ايضا يتمانع ويتنافى مع الاصل العملي في
الطرف.