الموضوع:- أصالة الاشتغال ــــ الاصول العملية.
ومن
باب التطبيق الخارجي لما مر بنا وهو على النجاسة فكون النجاسة في الاحتمال الاول
وهو وحدة الموضوع ووحدة الموضوع تعني سراية تكوينية فهذا منفي بحسب الادراك
المحدود لوجدان العرف او البشر فانهم لا يرون القذارة هي تتسع تكويناً وتسري ومن
ثم كان التنجس هو اعتبار من الشارع في الملاقي المباشر للنجاسة او في الملاقي
بالواسطة للنجاسة سواء كانت الاولى او الثانية او الثالثة بحسب المبنى، فالاحتياط
لاعتبار الشارع شاهد واضح ان العرف لا يدرك التوسعة لا انه يدرك عدم التوسعة، ومن
الواضح ان الاعتبار الشرعي ناشئ من ملاكات تكوينية خفية على البشر لما بنت عليه
الامامية والعدلية من ان الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد.
اذن
السراية في المائعات فضلا عن الجامدات بلا شك انها ليست سراية تكوينية يدركها
العقلاء او العقل او العرف من نفسه بل لابد من توسط الاعتبار.
كذلك
على الاحتمال الثاني هي ليست من شؤون متعلق الاجتناب وان كان جملة من الاعلام بنو
على انها من شؤون المتعلق ومن استاذنا في المنتقى والحال ان البحث غير مبني على
هذا كما سنبين ومن جهة اخرى انه ورد في لأدلة الاجتناب في كما في صورة المائدة
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ
وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ
فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[1]فقالوا (فاجتنبوه) هنا ليس مرتبطة بالنجاسة بل مرتبطة
بشيء مشترك بين هذه الاربع وهي الحرمة والشرب والاكل او المعاملة عليها.
وجوابه:- ان (فاجتنبوه) كما استظهر ذلك القدماء عدة افعال وكل عين بحسبها فما ان
يقدر لها فعل او افعال وقد ذكر هذا العلامة الحلي (رحمه الله) لعله في المنتهى او
التذكرة ذكر ان من قوله تعالى
(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ
الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ)[2]
ان الاعلام استفادوا من لفظة (حرم) خمسة احكام وهذا صحيح لانهم لم يقدروا فعل واحد
او فعلين بل قدروا عدة افعال تناسبها.
اذن
اذا الحكم المسند الى عين ــ يعني جوهر ــ مثل اسناد الاجتناب الى الخمر او الحرمة
الى الميتة فمن قال انه يقدر فعل واحد وهو ابرز الافعال؟ كلا بل يقدر جملة من
الافعال اما كلها بارزة او متفاوت في البروز ما دامت تلك الافعال من شأن تلك
العين.
هذا
البحث وان كان بلاغي استظهاري ولكنه مؤثر في ابواب عديدة فقهية فمثلا لاحظوا قوله
تعالى
(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ)[3]
فهل حفظ الفرج فقط في الممارسة الجنسية الاستمتاعية؟ كلا بل القران الكريم يثبت
خاصية اخرى للفرج مثل
(نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ
فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ
اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)[4]
اي ذلك الموضع لأجل التنسيل فهنا القران الكرم يجعل ذلك الموضع من اثاره وافعاله
البارزة التنسيل، اذن الفرج يحفظ عن الاستمتاع الجنسي او عن النظر او مطلق
الملذات الجنسية او عن التنسيل الا على ازواجكم ولا يجوز ان يستأجر إمراءة ليجعلها
مستودعا لنطفته حتى لو كان ذلك عن طريق الابرة او ما شابه ذلك كما يفعل بعض
المصابين بالعقم.
اذن
اصل دليل الاجتناب موجود في باب المتنجس او النجس ولكن سنبين انه مع وجوده فانه لا
يفيد لما بيناه من النقطة الاولى لان السراية التكوينية غير موجودة، نعم الملاقي
المباشر للنجاسة عذا من شؤونه ولكن الملاقي الثاني او الثالث لا سراية ولا توسع
للنجاسة بل في الملاقي الاول الشارع يحكم بالنجاسة لان العرف حينما يحكم في
الملاقي الاول بالقذارة مع اليقين والعلم واما اذا لم يعلم فهذا اول الكلام.
اذن
في باب الملاقاة لا نستطيع ان بني على ان الاجتناب عن الملاقي من شؤون المتعلق،
نعم اذا كانت هناك عين القذارة تعلقت فيقال حينئذ ان هذا من شؤون نفس القذارة
الواجب اجتنابها اما اذا لم يعلق فلا يمكن ان يدعى عقلائياً وعرفياً انه من
الشؤون.
اما
على الاحتمال الثلث وهو ان تكون الملاقاة واجب معلق فقد مر بنا ان المشهور
يستظهرون قيد الواجب المعلق لو كان صفة الملاقاة والملاقي اخذت في الادلة من قبيل
متعلق المتعلق ولكنها في الادلة في الروايات الواردة في باب المتنجس اخذت بنحو
الشرط وحينئذ تكون نظير دلوك الشمس بالنسبة الى وجوب صلاة الظهر أي اخذت الملاقاة
للحكم بنحو الواجب المشروط والمقارن فتعين انه بحسب الادلة ان الاحتمال الربع هو
المتعين في باب النجاسات وبحث الملاقي.
اما
عن مثال الخمر فكما مر ان الصحيح انه توجد حرمة فعلية قبل البيع وقبل الشرب لان
البيع لم يأخذ قيد للحكم بل اخذ البيع من قبيل المتعلق او متعلق المتعلق وكما
تتذكرون ان المتعلق او متعلق المتعلق نسبته مع الحكم من قبيل الواجب المعلق.
واذا
حرم الشارع تصرف معين في باب المعاملات قبل وقوعه فليس فقط حرمة تكليفية وحرمة
موضوعية بمعنى بطلان البيع.
اما
بالنسبة الى مثال العين المغصوبة فالثمرة للعين المغصوبة تارة متصلة ولا ريب عرفا
انها تعد من شؤون نفس المتعلق فان الامر باجتناب العين المغصوبة يعني امر باجتناب
نفس منافها واما المنافع المنفصلة مثل الثمرة للشجرة فالصحيح انها من قبيل القسم
الثالث لان المنفعة المستقلة وجود مستقل أي جوهر وعين اخرى فليست هي عرفا وجود
متسع وممتد لنفس العين المغصوبة وكذا لان الغصب فيعا معلول لغصب العين فان ملك
العين هو الذي يولد ملك الثمرة فالموضوع للحكم من القسم الاول وايضا من قبيل القسم
الرابع باعتبار وجود الثمرة لابد منه فيكون كمثال قيد الواجب المعلق لان اليد التي
توضع على الثمرة المستقلة هي بتبع شرعية اليد على اصل الثمرة فمن ثم قيد وجود
الثمرة ليس قيدا للحكم.
هذا
تمام الكلام في البحث الفقهي في هذا الباب وغدا ان شاء الله يبدأ البحث في الجهة
الاصولية وبحثها مبني على الاحتمال الرابع اما الاحتمال الاول والثاني والثالث
فهذا كله يجعل حكم الملاقي في عرض زمني ورتبي للطرف الاصلي.