الموضوع:- أصالة الاشتغال ــــ الاصول العملية.
كان
الكلام في البعد الفقهي الصناعي لمبحث الملاقي والملاقى وهذا المبحث كما مر بنا
يمثل دراسة ظاهرة صناعية فقهية يبتلى بها في كل الابواب الفقهية من ان الشيئين اذا
كان بينهما ارتباط ما فهذا الارتباط يمكن تصويره بأربع وجوه ذكرها الاصوليون وهي
اما من باب وحدة الموضوع او وحدة المتعلق
[1]
او يتعدد الحكم ولكنهما يتلازمان في رتبة واحدة وتكون الملاقاة بمنزلة قيد الواجب
المعلق
[2].الاحتمال الرابع:- ان تكون الملاقاة قيد وجوب سواء كان مقارن او متأخر وحينئذ
يكون تنجيز العلم الاجمالي في الملاقى متقدم رتبة على تنجيز العلم الاجمالي للطرف
الجديد وهو الملاقي لان التنجس للملاقي متأخر رتبة موضوعا عن الملاقى، فالملاقى وتنجس
الملاقى بضميمة الملاقاة هو موضوع تنجس الملاقى، فنلاحظ هنا ان حكم الملاقى والملاقى
والملاقاة اخذت موضوعا لحكم الملاقي فحكم الاناء الملاقى اخذ موضوعا لحكم الملاقي
فحكم الاناء الملاقى مقدم رتبة على حكم الاناء الملاقي.
اذن
نلاحظ ان تعدد الحكم بين شيئين يمكن تصويره بأربع صور ذكرها الاصوليون.
ونذكر
ان القضية الشرعية لها اربعة اضلاع موضوع مثل دلوك الشمس وحكم وجوب صلاة الظهر
والمتعلق صلاة الظهر ومتعلق المتعلق الماء او عين القبلة.
المشهور
لدى الفقهاء في الاستظهار الفقهي في الابواب الفقهية في العادة انهم في جناب متعلق
الحكم او متعلق متعلق الحكم مثل
(يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ
رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[3]
فاذا جاء مثل (لا تشرب الخمر) فتحليل هذه الجملة فـ(لا تشرب) حكم وهو الحرمة
و(الشرب) متعلق و(الخمر) في الآية جعل الخمر متعلق المتعلق والفقهاء يبنون على ان
متعلق المتعلق ليس قيد للحكم فان القيد فيه من قبيل الواجب المعلق، يعني ان حرمة
شرب الخمر فعلية قبل وجود الخمر لا ان حرمة شرب الخمر فعلية بعد وجود الخمر لأن
الخمر ليس قيد للوجوب غاية الامر ان فعل الواجب او المتعلق معلق على القيد.
اذن
عند الاعلام ــ اثباتاً ــ متعلق المتعلق يستظهرون انه من قبيل القيد في الواجب
المعلق الا ان تأتي قرينة اخرى على خلاف ذلك.
والميرزا
النائيني (رحمه الله) هنا في بحث الملاقي والملاقى يسلم استظهار المشهور والسيد
الخوئي (قدس سره) يشكل على استاذه النائيني بانه في كثير من ابواب الاصول والفقه
يستظهر ان متعلق المتعلق قيد للوجوب ولكن لماذا هنا لم يستظهر انه قيد للوجوب؟
والفرق واضح فان القيد الشرعي في الوجوب
[4]
هو دخيل في الملاك واصل الفعلية هذا هو الظهور الاولي فيه وهذا هو الكثير فيه
ويوجد قيد شرعي ليس دخيل في اصل الفعلية بل قيد شرعي في الفاعلية او في التنجيز.
فعندما
يقول الاصوليون القيد الشرعي الدخيل في اصل الملاك فمرادهم القيد الشرعي الدخيل في
اصل الفعلية والا فالقيد الشرعي الذي ليس هو دخيل في الفعلية فهو ليس دخيلا في
الملاك.
وهذا
الكلام يبني عليه المشهور وكذا الشيخ الانصاري والآخوند والمحقق العراقي واما
النائيني والسيد الخوئي وغالب تلاميذه فانهم عندهم ان كل قيد شرعي دخيل في اصل
الفعلية وزيادة على ذلك انهم عندهم ان متعلق المتعلق ــ اثباتا ــ قيد للوجوب.
فلاحظوا ان اعراب متعلق المتعلق هل هو كإعراب النحوي لقيد الوجوب؟
الجواب:- انه يختلف نحويا فان الوجوب هيئة غالبا وقد يكون اسم وقيد الوجوب متعلق
نحويا بلاغيا بالحكم مثل الشرط والمشروط بخلاف متعلق المتعلق من حيث التركيب
النحوي فانه ليس هو مقدم رتبة ونحويا كالشرط للوجوب بل هو في الاصل قيد في المتعلق
أي قيد في القيد، اذن ارتباط الوجوب فيه بواسطة، شبيه بقولك (ان جاء زيد فاكرمه)
فهنا لاحظ ان اكرمه أي هيئة الوجوب مرتبطة بـالشرط وهو (أن جاء زيد) ولكنه قيد
مقدم كما ان هيئة اكرم مرتبة بالكرم والاكرام مرتبط بزيد.
فان
الموقع الاعرابي في هذه الجملة لزيد يختلف عن اعراب الشرط، وكذا
(أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ
اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا)[5]
فان دلوك الشمس قيد لاقم وليس قيد للصلاة.
لذا
المشهور يعتبرون ان متعلق المتعلق قيد كالواجب المعلق وهذا يعني ان الحكم فعلي قبل
وجوده.