الموضوع:-اصالة الاشتغال - الأصول العملية.
كان الكلام فيما اذا شك في الابتلاء وعدم الابتلاء وذكرنا ان
الابتلاء ــ على المختار ــ من القيود العقلية والشك في القيود العقلية سواء كانت الشبهة
حكمية او موضوعية بالنسبة الى الاصل العملي لا يبنى على البراءة بل يبنى على
الاشتغال لان المفروض ان القيود الشرعية متوفرة والملاك الشرعي متوفر.
اما بالنسبة الى الاعلام وان كانوا في البداية بحثوا على صعيد
الدليل اللفظي وهو التمسك بالإطلاق التكاليف والاحكام الاولية لنفي القيد العقلي
المشكوك في الشبهة المفهومية والشيخ الانصاري (قدس سره) والميرزا النائيني(قدس
سره) ايضا بنوا على التمسك بالإطلاق حتى المحقق العراقي(قدس سره).
واشكل على التسمك بالإطلاق:-ان الاطلاق الشرعي لا يتكفل نفي او اثبات القيود العقلية فكيف
يمكن التمسك به لنفي القيد العقلي وهذا الاشكال من المرحوم الاصفهاني(قدس سره) ليس
مرتبط بالمقام فقط ونظير كلام الاصفهاني (قدس سره) مقولةٌ حتماً مرت على الاخوة
وهي:
(ان الدليل الشرعي لا يتكفل وجود موضوعه[1]اثباتا او نفيا) لان الدليل في صدد تقرير المحمول او الحكم على تقدير وجود
الموضوع ولكنه ساكت وغير دال على مواضع وموارد وجود الموضوع، وبالدقة ان هذا
المفاد يرجع الى نكتة صناعية واحدة مع المقام وهي ان الادلة الشرعية ــ في الغالب
[2]
ــ تتكفل مراحل الانشاء واذا كانت كذلك فمن ثم فإنها لا تتعرض لأصل مرحلة الفعلية
وهو الوجود الجزئي للموضوع مع ان مرحلة اصل الفعلية الناقصة بل حتى الفعلية التامة
هي مرحلة شرعية، وهذا مرادهم من قولهم ان الدليل لا يتعرض لموارد وجود موضوعه
الجزئي أي لا يتعرض لمرحلة اصل المرحلة الفعلية بل يتكفل بيان المرحلة الانشائية
فقط.
اذن اذا كان الدليل الشرعي وهو الاطلاق والعموم لا يتكفل مرحلة
الفعلية الناقصة والتامة مع انها شرعية فكيف بمرحلة الفاعلية او مرحلة التنجيز
التي هي مراحل عقلية في الاصل فعدم تكفل الدليل الشرعي بها من باب اولى.
اذن كلام الاصفهاني (قدس سره) على نفس الوتيرة وهو ان
الاطلاق لا يتكفل اثبات القيد العقلي او نفيه في مرحلة التنجيز او مرحلة الفاعلية.
طبعاً عندما نقول انه لا يتكفل ليس هو بمعنى المحال العقلي بل
مرادنا ان الدارج في الادلة هكذا أي تتعرض الى المرحلة الانشائية فقط وهي ما يعبر
عنه بالفعلية المقدرة أي هو امر كلي وتدوين كلي للحكم الشرعي وليس الفعلية
الجزئية.
ولكن مع ذلك فان المرحوم النائيني(قدس سره) والمرحوم العراقي (قدس
سره) استعرضا تأييد لما ذكره الشيخ الانصاري (قدس سره) وحاولوا ان يردوا اشكال في
البين حاصله: وهو اننا لو تنزلنا وقلنا بإمكان التمسك بالإطلاق ولكنه يقال ان
اجمال المخصص يسري الى العام فان الكلام عن الابتلاء مخصص واذا اجمل المخصص يسري
الى العام.
فأجاب المحققان (قدس سرهما) بان هذا المخصص لبي واذا كان لبي فلا
يسري اجماله الى العام وحينئذ كلام الشيخ متين.
ومره اخرى اعترض عليهما بان هذا وان كان لبي ولكن اللبي ليس
الحال فيه دائما ان اجماله لا يسري الى العام بل اللبي ينقسم الى قسمين تارة لبي
بديهي فيكون كالقرينة الحالية المحتفة بالكلام فإجمالها يسري الى الكلام وتارة
الدليل اللبي يكون نظري فيكون كالمنفصل اجماله لا يسري الى العام واجابا بأجوبة
متعددة:-
منها:- وهو ان هذا الدليل لبي ولو كان بديهي ولكنه ما دام انه
لبي فياخذ بالقدر المتيقن منه فاذا اخذ بالقدر المتيقن منه فالمتيقن بديهي ولكن
القدر المشكوك منه ليس بديهي مقارن للفظ كي يسري اجماله للدليل لان المرفوض ان
اللبي ليس بلفظ. هذا الجواب اعتمده العرقي(قدس سره).
ومنها:- اما النائيني (قدس سره) اعتمد جواب قريب منه وهو ان هذا
اللبي يدور بين الاقل والاكثر وليس بين المتباينين فالأقل يأخذ به والاكثر الزائد
لا يأخذ به.
ومنها:- ويوجد جواب آخر امتن ذكره الاصفهاني (قدس سره) انه وان
قال ان المقام ليس محلا للتمسك بالإطلاق ولكنه لا تصل النوبة الى الاصل العملي بل
يقول ان العقل اذا افترضناه شاك ففي موارد الشك في حكم العقل فان هذا يساوي ان
العقل لا حكم له لان العقل لا يشك في احكامه لان العقل لا حكم له الا فيما علم لا
بمعنى ان احكامه مأخوذ فيها العلم بل بمعنى انه هو لا يحكم الا مع العلم فاذا شك
فان هذا يعني انه لا حكم له جزما ومع عدم حكم العقل فكيف يقيد اذن ليس هناك في
البين قيد.
اذن في الشبهة المفهومية مع تردد وشك العقل في الشبهة الحكمية
للحكم العقلي فان هذا يعني ان العقل ليس لديه حكم.
هذا كله كان في الدليل الاجتهادي في الشبهة المفهومية اما الاصل
العملي فقد قرروا كلهم انه هنا الاشتغال وليس البراءة كما ذكرنا في تحرير المختار.
ولكن اعترض على تقرير الاشتغال بان ما يقال من قاعدة انه عند الشك
في القيود العقلية يبنى على الاشتغال ولا يبنى على البراءة لأنه ليس من الشك في
التكليف هذا في الشبهة الموضوعية لا في الشبهة الحكمية وهذا الاعتراض ذكره تلميذ
النائيني الكاظمي (قدس سرهما) في حاشيته على تقرير درس استاذه وتبناه جماعة.
ولكن هذا الاعتراض ايضا في غير محله لان الصحيح ان
البناء على الاشتغال عند الشك في القيود العقلية لا فرق فيه بين الشبهة الموضوعية
والحكمية بنفس المناط وبنفس البيان كما قررناه سابقا.
اذن الصحيح ما ذكره الاصفهاني(قدس سره) من ان
الحكم العقلي المشكوك لا يمنع من الاخذ بالإطلاق.