الموضوع:-اصالة الاشتغال - الأصول العملية.
كنا في صدد بيان مبنى الاعلام في اخذ
الابتلاء في تنجيز العلم الاجمالي او في التكليف وقبل الخوض في كلمات الاعلام يحسن
التذكير بكلام مرّ وهو ان الحكم الشرعي في كل مرحلة من المراحل له اسم ووصف مثلا
الخطاب اسم للحكم في مرحلة الفاعلية والتكليف اسم للحكم في مرحلة التنجيز والملاك
اسم للحكم في مرحلة اصل الفعلية الناقصة ومثل الحكم في الشريعة اسم للحكم في مرحلة
الانشاء وهلم جر.
فهذا يجب ان لا ننساه وسبب التشويش
الذي يحصل حتى عند الاكابر هو اخذ اسم الحكم او وصف الحكم لمرحلة كأنما عنوان
للحكم في كل المراحل فمثلا يلاحظون قيد في اسم الحكم او وصف الحكم لمرحلة معينة
ولكنهم يعمموه لبقية المراحل.
استدل من ذهب الى ان
الابتلاء مأخوذ في التكليف:-بانه اذا لم يكن ترك ومخالفة الحكم
محلا للابتلاء حينئذ التكليف بإطاعة وامثال الحكم تحريميا كان او وجوبيا لغو
مستهجن واذا كان كذلك فهو لا يصدر من العاقل والعقلاء.
يرد على هذا الاستدلال
امور:-الاول:- لاحظوا هذا الاستدلال بالدقة هو مرتبط بفاعلة الحكم وليس بأصل
فعلية الحكم ولا بالملاك والفاعلية غير باقي المراحل فلربما تكون الفاعلية ممتنعة
ولكن التنجيز الذي بعدها ضروري مثل
(الامتناع بالاختيار
لا ينافي الاختيار) فلو اسقط نفسه من شاهق فانه في الطريق التكليف ليس له
فاعلية لأنه لا يمكن ان يرتدع ولكن مع ذلك التكليف منجز عليه.
اذن هذا المحذور وهو اللغوية والاستهجان
هو محذور في الفاعلية والمحذور في الفاعلية شيء والمحذور في كل مراحل الحكم الشرعي
حتى اللاحقة شيء آخر.
الثاني:- ان المرحوم الاصفهاني (قدس
سره) اشكل على هذا الاستدلال بان الاستهجان العرفي او العقلائي لا صلة له
بالاستهجان الوحياني لان الحكم الشرعي فعل الشارع لا صلة له بتقنين واعتبار
العقلاء.
وهذا الاشكال من المرحوم الاصفهاني
(قدس سره) مبني على مبناه الفلسفي من ان الحسن والقبح جعلي وعقلائي ليس عقلي واقعي
واما اذا بني على ما هو الصحيح عند الامامية والعدلية من ان الحسن والقبح عقلي
وتكويني فهذا الاشكال لا معنى له.
نعم قد يوجه اشكال الاصفهاني (قدس سره) بان
العقلاء في حكمهم بالقبح هنا مبني على آليات وموضوعات عرفية مثلا لا صلة له
بالآليات والموضوعات الشرعية وهذا ربما له وجه.
ولكن هذا ايضا يرد عليه ان العلاقة
بين قانون العقلاء والقانون الشرعي يرسمها نظام خاص قد ذكرناه في نهاية العقل
العملي وهذه العلاقة تتحكم به عدة نقاط.
اولاً: ان الشارع في القانون لم
يبتدع لغة قانون جديدة وهذا لا لأنه ممتنع بل هو اكتفى في التقنين بلغة العقلاء.
ثانيا: هذه العلاقة هي امضاء اولي
عام يؤخذ به ما لم يأتي نص من الشارع لمخالفة تقنينه للتقنين العقلائي.
ثالثا: ان الشارع استخدم لغة
القانون العقلائي واستثمرها ولكن موارد استثمار الشارع الواسعة لا يصل اليها ادراك
العقلاء لان (دين الله لا يصاب بالعقول) اما الاخباريون وجملة من الاصوليين ممن
تأثر بهم فانهم خلطوا بين هذه النقطة وبين النقطتين السابقتين فان دين الله لا
يصاب بالعقول نعم هذا صحيح ولكن لغة الله لا تصاب بالعقول هذا غير صحيح فكيف ان
خطاب الشارع مع البشر لا يصاب بالعقول أي ان نفس التخاطب ليست آلية عقلائية هذا
غير صحيح كما في قوله تعالى:
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن
رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن
يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[1].وتوجد نقاط اخرى تحكم نظام العلاقة بين
عالم اعتبار العقلاء والاعراف وعالم القانون الشرعي.
اذا التفتنا الى هذه النقاط حينئذ يسجل
على المرحوم الاصفهاني ان الاصل في التقنينات العقلانية تكون مماضاة ما لم يردع
عنها او يخالفها الشارع.
الثالث:- ذكر السيد الخوئي (قدس
سره) ان هذه اللغوية والاستهجان ممنوعة لأنه وان كان ترك ومخالفة الحكم الوجوبي او
التحريمي ليس محلا لابتلاء المكلف ولكن مع ذلك يحسن التكليف.
الوجه في ذلك:- هو ان تكليف الشارع يوجب
تلوين الحكم والفعل بالولاية أي يكون امتثال الحكم وطاعته ليس بمقتضى الفطرة
والجبلة والعادة بل بمقتضى الانقياد للشارع او قل نية القربى او قل الولاية او قل
المصلحة السلوكية التي يذكرها الشيخ الانصاري فهذه كلها اسماء لحقيقة واحدة فبدون
امر الشارع او نهية لا تحصل القربى ولا تحصل المصلحة السلوكية او قل الولاية
للشارع لا تحصل وكما هو ثابت في محله ان ملاك الاحكام في الولاية اعظم بمراتب من
ملاكات الاحكام في متن الافعال.
وبعبارة اخرى:- ان العدلية وان قالوا بان
الاحكام تابعة لملاكات ومصالح ومفاسد في متعلقاتها فهو صحيح ولكن ملاك الاحكام في
الجعل اعظم من ملاك الاحكام في متعلق المجعول.
وحينئذ لا لغوية في البين ولا استهجان
وهذا الجواب متين وان اشكل على السيد الخوئي (قدس سره) جملة من الاعلام.
اذن الابتلاء في الاصل انه دخيل في الحكم
وان كان دخيل في الاطوار التكوينية للحكم لان الفاعلية من الاطوار التكوينية للحكم.
لان الاطوار على انواع منها اطوار
شرعية للحكم اطوار تكوينية للحكم واطوار عقلية للحكم ومرادهم ان بعض مراحل الحكم
الشرعي كالمرحلة الانشائية او الفعلية هذه شرعية فان متن الحكم فيها شرعي ولكن
حينما تبدأ مرحلة الفاعلية سواء كانت الناقصة او التامة فهي من الاطوار التكوينية
للحكم ومرحلة التنجيز يعتبروه من الاطوار العقلية والامتثال من الاطوار التكوينية
واحراز الامتثال من الاطوار العقلية.
والتكوينية المراد بها اثر وحالة
خارجية للحكم ولا ربط له بالعقل وكذا نفس الموضوع لا المحمول في المرحلة الفعلية
يعبرون عنه بانه طور تكويني بينما المحمول قد مر بنا انه طور شرعي وكذا في مراحل
الانشاء استعمال اللفظ وابراز اللفظ يعتبروه طور تكويني في الحكم وكذا الامتثال هو
طور تكويني في الحكم اما التنجيز فقد قالوا انه طور عقلي أي حكم العقل بالتنجيز
ولزوم احراز الامتثال ايضا هو طور عقلي لأنه من احكام العقل.
اذن بعض المحاذير للحكم في الاطوار
التكوينية او الاطوار العقلية لا يوجب امتناع الحكم في الاطوار الشرعية او بقية
الاطوار.