الموضوع:-اصالة
الاشتغال - الأصول
العملية.
ذكرنا ان هناك فرق بين الاضطرار الى
احد الاطراف لا بعينه وبين الاضطرار الى طرف معين فان الاضطرار الى الطرف غير
المعين في الاصل لا يتنافى مع التكليف الواقعي لأنه يمكن رفعه بغير موضوع التكليف
الواقعي لو انكشف الاجمال بينما الاضطرار الى طرف معين فان الفرض فيه انه معين فلو
صادف نفس موضوع الحكم الواقعي لكان منافيا للتكليف الواقعي، ويستتبع هذه الميزة
ان الرفع او الحلية المتولدة من الاضطرار غير المعين هي حلية ظاهرية وليست واقعية
لان رفع المكلف اضطراره بما هو موضوع التكليف في الواقع بسبب الجهل لا بسبب
الاضطرار والا فالاضطرار لا يدعوه بنحو التعيين ان يرفع اضطراره بمورد التكليف
وموضوع التكليف.
من ثم ففي الاضطرار الى غير المعين
يوجد عذرين في البين وليس عذر واحد.
العذر الاول:- هو عذر اصل
الاضطرار ولكنه اضطرار الى طرف غير معين.
العذر الثاني:- وهو الجهل لأنه لو
رفع اضطرار بما هو موضوع التكليف يكون بسبب جهله.
وهذا لابد من الالتفات اليه شبيه بما
ذكر في إجزاء الامر الاضطراري فيقال انه قد يكون اضطرار واقعي وقد يكون اضطرار
ظاهري، فاذا كان في البين اضطرار لا يعني هذا انه واقعي، كلا بل يمكن ان يكون
اضطرار ظاهري.
فميزة الاضطرار الى غير
المعين:- وهو اهون لأنه رفع ظاهري اما الاضطرار الى معين فهو رفع واقعي، اذن تدافع
الاضطرار غير المعين مع منجزية العلم الاجمالي تدافع ظاهري.
وميزة الاضطرار المعين:- فيه ميزة تجعله اخف
تنافيا مع منجزية العلم الاجمالي من الاضطرار الى غير المعين وهي ان الاضطرار غير
المعين يسوغ احد الطرفين لرفع الاضطرار والمعلوم بالإجمال ايضا قالبه (موضوعه او
متعلقه) احد الطرفين فان (احد الطرفين) كجامع كأنما يعتبر اصتكاك بين الاضطرار غير
المعين وبين المعلوم بالإجمال بينما الاضطرار المعين لا يسوغ احد الطرفين بل الطرف
المعين فكأنما ليس له مضادة مع نفس متعلق العلم الاجمالي فهذه الخاصية للاضطرار
الى المعين اخف منافاة من الاضطرار الى غير المعين من هذه الحيثية لان الاضطرار
الى غير المعين كأنما ينصب ــ ولو في الظاهر ــ على ما انصب عليه المعلوم بالإجمال
لان كلاهما ينصب على العنوان الجامع وهو (أحد الطرفين) بينما الاضطرار الى المعين
فلا ينصب على الجامع بل ينصب على الطرف المعين.
لذا من ثم صاحب الكفاية (قدس سره) ذهب الى
ان الاضطرار الحادث بعد العلم اذ كان الى غير معين فانه يسقط العلم الاجمالي عن
المنجزية.
ويقول ان الوجه في ذلك:- هو ان الاضطرار حد
من حدود الحكم الشرعي فهذا المعلوم بالإجمال عندما يطرأ عليه ما هو رافع للتكليف
الشرعي ومزيل لحده ومزيل لموضوعه سيما انه اضطرار الى غير المعين فيكون مفاد
الاضطرار الى غير المعين معارض ومنافي قالبا لنفس المعلوم بالإجمال فيسقط العلم
الاجمالي عن المنجزية بخلاف الاضطرار الى المعين ليس منافي قالبا للمعلوم
بالإجمال.
ويقول انه هنا العلم الاجمالي منجز
لقاعدة موجودة في العلم الاجمالي ستاتي في التنبيهات وهي (ان
العلم الاجمالي اذا كان بين طرف قصير وطرف طويل فانه ينجز) فانه ليس فقط
ينجز الطرفين في الزمان المقارن ويسبب تعارض الاصول العملية بحيث مدة الاقل
القصيرة تنافي بدايات ونهايات الاكثر أي ان الاقل يتدافع حتى مع نهايات الاكثر مع
انه ليس مقارن لها فالأصول العملية التي تجري في الاقل تعارض الاصول العملية التي
تجري في الاكثر ولو بلحاظ نهاية الاكثر أي ان الاصل العملي الذي يجري في الاقل
يعارض الاصل العملي الذي يجري في الاكثر في بداياته وفي اوساطه وفي نهاياته.
هنا لاحظوا ان التنافي والتعارض هو من
حيث الزمان ليس عرضي بل مورب(أي مائل أي اطرافه ليست عرضية) لكن من حيث الرتبة هو
عرضي.
مثال:- كما لو كان يعلم
انه عقد على احدى المرأتين احدهما عقد عليها منقطع لمدة يومين والثانية عقد عليها
بالدائم فهذ طويل وذلك قصير فان اصل عدم وقوع المنقطع يعارض اصل عدم وقوع الدائم
مع ان الاصل العملي لعدم وقوع الدائم سيستمر الى سنين فهذا فرد قصير وطويل من حيث
الزمن وقد تكون القصر والطول من حيث الكمية او من حيث الكيفية.
ويعبر عنها الاصوليون بتعبير ثاني وهو
منجزية العلم الاجمالي بين المطلق والمقيد وقد يسميه البعض تنجيز العلم الاجمالي
المورب.
اذن
هذه هي القاعدة التي يستند اليها صاحب الكفاية (قدس سره) في التفصيل في الصورة
الثالثة بين الاضطرار الى غير المعين فلا يسقط العلم الاجمالي والاضطرار الى
المعين فيسقط العلم الاجمالي.
بيان كيف يكون الاضطرار الى
معين قصير وطويل:- الاضطرار الى معين حدث زماناً في طرف معين بعد العلم والمعلوم
وهذا الطرف صار قصير المدة لان التكليف لو كان فيه لكان التكليف قصير المدة ومقيد
بعدم طروا الاضطرار بينما الطرف الآخر الذي لم يطرأ عليه الاضطرار فهو طويل لأنه
لو كان التكليف فيه لكان التكليف طويل المدة ومطلق فالتكليف هنا في الصورة الثالثة
اذا كان الاضطرار معين يرسم لنا شكلا بين الاطراف وهو الشكل بين الطويل والقصير او
المقيد والمطلق، اذن العلم الاجمالي ينجز كلا الطرفين.
لا يقال:- كما هو القول الشاذ
بين الاصوليين انه بعد انتهاء زمن الطرف القصير فان الطرف الطويل يبقى بلا معارض
فيجري فيه الاصل العملي فيسقط العلم الاجمالي لان احد اطرافه ارتفع؟
لأنه يقال:- ان العلم يقول هذه
القطعة المتأخرة من الطويل اما التكليف فيها او التكليف في الفرد القصير الذي زال
أي بنحو مورب والعلم منجز لما هو مورب.
وتوجد قاعدة اخرى في العلم الاجمالي
شبيهة المأخذ مع هذه القاعدة وهي (منجزية العلم الاجمالي
في الاطراف التدريجية) كما لو كان في نقطة على الساتر مع العدو وكان يعلم
انه لابد ان يأتي عدو من هذا المكان ولكنه قد يكون في اليوم الاول او في اليوم
الثاني او في اليوم الثالثة، اذن اليوم الثاني الذي هو طرف من اطراف العلم
الاجمالي لا يأتي الا وقد انقضى اليوم الاول وكذا اليوم الثالث لا يأتي الا وقد
انقضى اليوم الثاني وهكذا فان الاطراف تدريجية الحدوث، فقالوا هنا ان العلم
الاجمالي ينجز وهذا هو المعروف ويوجد قول شاذ يقول انه لا ينجز.
هذه قاعدة اخرى غير القاعدة التي مرت
بنا لكنها شبيه لها من جهة كون العلم مورب (أي مائل أي اطرافه ليست عرضية).
فملخص كلام صاحب الكفاية
(قدس سره) هكذا انه يفصل في الصورة الثالثة بين الاضطرار الى غير المعين فانه مسقط
للعلم وبين الاضطرار الى المعين فلا يسقط العلم عن التنجيز.