الموضوع:-اصالة
الاشتغال - الأصول
العملية.
بقي
الكلام في الجهة الاخيرة وهي شبهة التخيير وهي الاعتراض بالتخيير في اجراء الاصول
العملية على مبنى من يذهب الى ان العلم الاجمالي بلحاظ المرتبة الثانية (وجوب
الموافقة القطعية) مقتضي وليس علة.
تقريب هذه الشبهة:-
ان
القائلين بالعلية اعترضوا على القائلين بالاقتضاء بلحاظ المرتبة الثانية (وجوب
الموافقة القطعية) بان لازم القول بالاقتضاء في هذه المرتبة هو القول بالتخيير في
اجراء الاصول العملية في بعض الاطراف، فمثلا لو كان العلم الاجمالي له عشرة اطراف
والمعلوم بالإجمال واحد فتسعة منها يجري فيها الاصل العملي لأنه لا مقتضي للمعارضة
وطرف واحد منها لا يجري فيه بنحو التخيير وكذا لو كان المعلوم بالإجمال ثلاثة من
عشرة اطراف فان سبعة اطراف يجري فيها الاصل العملي وثلاثة لا يجري فيها بنحو
التخيير لا بنحو التعيين، اذن بمقدار المعلوم بالإجمال في المرتبة الاولى (حرمة
المخالفة القطعية) الاصول العملية لا تجري ولكن الزائد على ذلك وهو المرتبة
الثانية فان الاصول العملية تجري لان المفروض ان العلم مقتضي وليس بعلة والضرورات
تقدر بقدرها فالمقدار الذي يمانعه العلم الاجمالي كونه علة بمقدار معلومه بالإجمال
فاذا كان طرف واحد يسقط طرف واحد واذا كان طرفين يسقط طرفين والباقي تجري فيها
الاصول العملية.
اذن
نقيد عموم الاصول العملية سواء كانت الاصول العملية التي تجري في اطراف العلم
الاجمالي من نوع واحد كما لو كانت كل الاطراف تجري فيها البراءة او تجري فيها
اصالة الحل او كانت الاصول العملية مختلفة فبمقدار المعلوم بالإجمال تسقط والباقي
تجري فيه الاصول العملية.
ولا يقال انه ترجيح بلا مرجح لأنه ليس اجراءٌ للأصل العملي في احدهما المعين بل يجري
الاصل العملي في الطرف الاول ــ اذا افترضنا ان اطراف العلم الاجمالي اثنين
والمعلوم بالإجمال واحد ــ بشرط ان لا يجريه في الطرف الثاني او تجريه في الطرف
الثاني بشرط ان يجري في الطرف الاول؟
وهذا
شبيه بما قرره احد اقوال المشهور في تعارض الامارات وهو ان احد الخبرين المتعارضين
يسقط والباقي على حاله لان مقتضي الحجية موجود.
اذن
بإمكان المكلّف أن يجري الأصل في هذا الطرف بشرط ترك اجراء الاصل في الطرف الآخر،
أو يجري الاصل في الطرف الآخر بشرط ترك إجراء الأصل في الطرف الأوّل ممّا يعني التخيير
وجواز ارتكاب أحد الطرفين وبالتالي عدم وجوب الموافقة القطعية، بينما هذه النتيجة
لا يرضى بها القائل بالاقتضاء لأنّه وإن كان يقول بالاقتضاء وأنّ العلم الإجمالي
ليس علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية لكنّه يمنع من إجراء الأصل في أحد الطرفين
لأجل المعارضة ويصل إلى نفس النتيجة التي يقول بها القائل بالعلّية فكما أنّ
القائل بالعلّية يمنع من إجراء الأصل في أحد الطرفين فان القائل بالاقتضاء أيضاً
يمنع من إجراء الأصل في أحد الطرفين، غاية الأمر أنّ وجه المنع يختلف؟
وحيث
ان التخيير في الاصول العملية يعتبر بدعة لأنه لا يمكن الالتزام ان طبيعة الاصل
العملي تتناسب مع التخيير فهذا مؤشر على ان العلم الاجمالي ليس مقتضي لوجوب
الموافقة القطعية بل علة.
تقريب آخر للشبهة:-
ويوجد
تصوير آخر لشبهة التخيير ولكن هذا التصوير سياتي انه ضعيف ومردود من جهات حاصله:-
ان
الاصول العملية تجري في عنوان احدهما لا بعينه أي مجرى الاصول العملية ليس كل طرف
بعينه بشرط ترك الطرف الاخر كما في التصوير المتقدم بل انه يقول من الاول نجري
الاصل العملي في احد الاطراف لأنه كما انه معلوم بالإجمال انه في احد الاطراف
لدينا تكليف فانه يوجد علم اجمالي آخر وهو ان احد الاطراف ليس فيه تكليف.
الجواب عن هذه الشبهة:-
منها:- انه لو ترك كلا الطرفين لجرى كلا الاصلين وجريان كلا الاصلين في كلا الطرفين
يستلزم منه الترخيص في المخالفة القطعية ومنه يعلم ان شبهة التخيير تتصادم مع
المرتبة الاولى فهي غير صحيحة؟
الجواب عنه:- وقد ذكر الاصوليون الجواب عن هذا الطلب في بحث الترتب حيث قالوا
انه يوجد فرق بين جمع الترك وترك الجمع فان جمع الترك له تصوير سائغ اما ترك الجمع
ليس له تصوير سائغ.
توضيح ذلك:- انه في المتزاحمين المتساويين في الاهمية فانه يقول الشارع أأتي
بالواجب الاول عند تركك للمزاحم الثاني (الواجب الثاني) ويقول الشارع أأتي بالواجب
الثاني عند تركك للواجب الاول فقالوا ان هذا محذور لان الشارع يخاطبه بكلا
الواجبين ويعاقبه على كلا الواجبين والحال ان العقاب على كلا الواجبين عقاب على
شيء ممتنع فان المكلف لا يستطيع ان يأتي بكلا الواجبين فكيف يعاقب الشارع على كلا
الواجبين ولازم التقييد ان كلا منهما يخاطب به عند ترك الاخر لازمه انه يؤدي الى
ايجاب كلا الطرفين عند ترك الاخر فيعاقب على كلا التكليفين وهذه العقوبة على شيء
غير مقدور. هذا من الاشكالات التي ذكروها في التزاحم على القول بالترتب.
وقد
اجاب الاعلام هناك ــ سيما النائيني (قدس سره) ــ بان العقوبة ليست على ترك الجمع
(اي ترك جمع الفعلين) لأنه غير مقدور له بل العقوبة على جمع الترك (أي جمع ترك
الفعلين) لان جمع الترك مقدور له وان جان جمع الفعل غير مقدور له ولكن جمع الترك
مقدور له لأنه هو الذي جمع الترك.
وهنا
ايضا كذلك الاعلام يقولون اننا عندما نقول يجري الاصل العملي بشرك ترك الطرف الاخر
فان هذا لا يستلزم مخالفة عملية قطعية حتى وان كانت الحلية الفعلية في كلا الطرفين
موجودة لأنها ليست حلية مطلقة في كلا الطرفين بل هي حلية مقيدة بترك الطرف الاخر،
فاذا لم يترك الطرف الاخر وجاء بكلا الطرفين فان الحلية ترتفع من كلا الطرفين
لأنها مقيدة بالترك.
اذن
الحكم الفعلي المقيد لا ينقلب الى مطلق بل يظل مقيد واذا بقي مقيد فلا يلزم
محذور.