الموضوع:- أصالة الاشتغال ــــ الاصول العملية.
كنا
بصدد توضيح كلام الميرزا النائيني (رحمه الله) في شمول او عدم شمول ادلة الاصول
العملية الشرعية لأطراف العلم الاجمالي، ومر انه (رحمه الله) يفصل بين ادلة
الاصول المحرزة وادلة الاصول غير المحرزة باعتبار ان المحرزة تتميز بخصوصية الكشف
التعبدي وهذا الكشف التعبدي ــــ ولو كان مثبتا للتكليف في اطراف العلم الاجمالي ــــ
فهو لا يتفق مع العلم الوجداني بخلافه، ومن ثم لا يمكن القول بشمول ادلة الاصول
العملية المحرزة مثل الاستصحاب واصالة الصحة وقاعدة الفراغ لأطراف العلم الاجمالي سواء
كانت موافقة لمنجزية العلم الاجمالي او مخالفة، لان المانع من جريانها في جميع
اطراف العلم الاجمالي هو كون العلم الوجداني على خلاف هذا الكشف التعبدي. هذا محصل
كلام الميرزا النائيني (رحمه الله).
ويرد على كلام الميرزا (قدس سره):-
الملاحظة الاولى:- هذا الكلام ــــ لو تم ــــ غايته إثبات عدم شمول ادلة الاصول
العملية على صعيد المفاد الجدي النهائي ــــ لا عدم الشمول على صعيد المفاد
الاستعمالي او التفهيمي او الجدي الاول ــــ وان لم يستلزم مخالفة عملية ولكن
باعتبار ان العلم الوجداني خلاف الامارات يوجب التعارض كما لو افترضنا خبرين
صحيحين اعلم بان مفاد احد الموردين للخبرين ليس الزامي مع ان مفاد الخبرين كليهما
الزامي فهذا يسمى تعارض بالعرض وذكرنا سابقا الفوارق بين التعارض بالعرض والتعارض
بالذات، اذن بناء على كلام الميرزا النائيني (رحمه الله) يوجد تعارض بالعرض في
المراد الجدي النهائي بسبب العلم الاجمالي.
و
كما مر بنا ان الاصول العملية اذا لم تكن منافية للعلم الاجمالي بلحاظ حرمة
المخالفة العملية القطعية فالتعارض بين الاصول العملية اذا كان في البين لا محالة
سوف يكون بالعرض وليس بالذات.
الملاحظة الثانية:- قد يمنع حتى دعوى التعارض بالعرض بان يقال ان المانع الذي أبداه
الميرزا (رحمه الله) بالدقة هو ليس لزوم المخالفة القطعية العملية بل هو التدافع
بين الاحراز التعبدي والاحراز الوجداني وان لم يكن الاحراز التعبدي مرخص في
المخالفة الاحتمالي فيما اذا كانت الاصول العملية منجزة ومثبتة للتكليف في اطراف
العلم الاجمالي، فنقول اننا نمنع هذا في الاحراز على صعيد الاصول العملية المحرزة
(وتسمى الامارات الفعلية) فضلا عن الاصول العملية التنزيلية والوظيفية وإن سلمنا هذا
المانع في الامارات اللفظية فهو مانع، أما في الاصول العملية المحرزة فدعوى انه
بنفسه مانع هذا غير مقبول.
بيان ذلك:- ان الميرزا النائيني (قدس سره) يجعل الامارات الفعلية (الاصول
المحرزة) على وتيرة ووزان الامارات اللفظية ــــ وهذا لا يمكن الالتزام به ــــ من
جهة مرتبة الكاشفية، مثال ذلك هو نفسه الميرزا (رحمه الله) في هذا المثال وآلاف
الامثلة من قبيله يلتزم بها وهذه الامثلة تعنون في هذا المطلب بعنوان (الاصول
العملية تفكك بين المتلازمات الواقعية) ولكن بشرط ان لا ينجر الى مخالفة عملية
قطعية، اذن يوجد عنوان التزم به الفقهاء في الفقه بل وردت فيه النصوص وهو ان
الاصول العملية بما فيها المحرزة تفكك بين المتلازمات الواقعية.
مثال للتوضيح:- مثلا لو صلى انسان صلاة الظهر وشك انه عندما صلى هل هو توضأ
وصلى او لا؟ فانهم يقولون انه يجري قاعدة الفراغ في صلاة الظهر ولكن بالنسبة الى
صلاة العصر فانه يجري استصحاب عدم الوضوء فيقال له توضأ وصلي العصر مع ان صحة صلاة
الظهر وصلاة العصر متلازمات واقعا.
وقد يقال:- وفساد صلاة العصر وفساد صلاة الظهر متلازمات فان كانت صلاة
الظهر صحيحة بدون وضوء جديد فصلاة العصر لابد ان تكون صحيحة، وان كانت صلاة العصر
يلزم فيها وضوء جديد في الواقع فصلاة الظهر ايضا يلزم فيها الوضوء؟
ولكن يقال:- اننا فككنا بين المتلازمين الواقعية ــــ وان كان هذا التفكيك
خلاف القطع الوجداني ــــ اذا لم ينجر الى مخالفة قطعية وجدانية فهذا ليس فقط تمسك
المشهور بعمومات الاصول المحرزة وادلة الاصول العملية المحرزة بل نصوص خاصة واردة
من الشارع فهذا الفرع منصوص من الشارع ايضا وعلى ضوء هذه النصوص إستكشف الفقهاء والاصوليون
ان الاصول العملية حتى غير المحرزة تفكك بين المتلازمات الواقعية اذا لم ينجم من
ذلك مخالفة عملية قطعية فهذا من مسلمات الفقه وحتى الشيخ الانصاري (رحمه الله)
يعترف بها.
الخلل في كلام الشيخ النائيني (رحمه الله):-
وقد
بينه السيد الخوئي (قدس سره) وهو ان هناك فرق في درجة الكاشفة بين الاصول العملية
المحرز والامارات اللفظية، فما صنعه الميرزا (رحمه الله) من دمجٍ لكاشفية الاصول
المحرزة مع الامارات اللفظية في غير محله فالدرجة بالكشف تختلف، ففي الامارات
اللفظية الامارةُ تكون كاشفة بالمطابقة عن الشيء وبالالتزام عن لوازم الشيء حتى لو
كانت الف لازمٍ على وتيرة واحدة، وأما في الاصول العملية فنطاق الاصل العملي
المحرز هو الكشف عن المفاد المطابقي اما المفاد الإلتزامي فهو مسكوت عنه ولا نظر
لفيه له (لا ينفيها ولا يثبتها) لذا يقال ان مثبتات الاصول العملية ليست بحجة حتى
لو كانت اصول محرزة، وحينئذ يقال انه اذا كان ساكتا عن اللوازم لا ينفيها ولا
يثبتها فاذا كان هناك مضمون لأصل عملي محرز آخر مخالف للوازم الاصل العملي الاول
فلا مشكلة في البين ولا تنافي لان الاصل العملي الاول هو من الاول ليس ناظراً
للوازمه ولا يشمل لوازمه بل نطاقه المفاد المطابقي فقط فلا يوجد تدافع ولا تناقض،
بخلاف الامارات اللفظية فانها حتى لو لم يلزم مخالفة عملية قطعية فهي كما تكشف عن
مضمونها المطابقي تكشف ايضا عن مضمونها الإلتزامي فالأمارة اذا جرت في أحد اطراف
العلم الاجمالي فهي لا تبين هذا الطرف الذي قامت عليه بل تبين حتى الطرف الاخر
فاذا قامت الامارة على ان هذا الطرف طاهر فهي تدل بالدلالة الألتزامية ان الطرف
الآخر نجس لان طبيعة الامارة ليست فقط ناظرة الى المفاد المطابقي فقط بل هي ناظرة
حتى الى المفاد الإلتزامي ايضا، وهذا هو الذي يسبب التنازع بين الامارتين لان كل
امارة تتعدى حدود المدلول المطابقي لها وتذهب الى المدلول المطابقي الى امارة اخرى
لأنه مدلول التزامي لها فيصير بينهما تدافع وتنافي.
فتحصل
ان ادلة الاصول العملية المحرزة غير قاصر الشمول لأطراف العلم الاجمالي.
القول الثالث:- وقد ذكرناه سابقا بالإجمال وهو ان القائلين بعلية تنجيز العلم
الاجمالي ــــ وهو احد قولي صاحب الكفاية (رحمه الله) والقول الرسمي للمحقق
العراقي (رحمه الله) والمحقق الاصفهاني(رحمه الله) ــــ يدّعون ان العلم الاجمالي
نافٍ للاصول العملية سواء كانت محرزة او غير محرزة موضوعاً، أي انهم يدعون ان
ادلة الاصول العملية غير شاملة قصوراً ولكن القصور الذي يدّعى في ادلة الاصول
العملية هو ان الموضوع المأخوذ في الاصول العملية لفظاً غير شامل لان الحكم
الظاهري مرتبة جعله هي عندما لا يصل الواقع فما ان يصل الواقع عقلا موضوع الحكم
الظاهري يرتفع.
ونقاش
هذا القول هو ما ناقشناه به سابقا في علية العلم الاجمالي للمرتبة الثانية ذكرنا
هناك عدة نقاط.
فالصحيح ان الاصول العملية لا مانع من جريانها الا شيء واحد وهو لزوم
المخالفة العملية القطعية او ما يبتني على المخالفة العملية القطعية كما في تعارض
الاصول العملية كما في المرتبة الثانية، فإننا لم نلتزم تبعا للشيخ بوجوب
الموافقة القطعية لتعارض الاصول العملية وسبب التعارض في المرتبة الثانية هو
المرتبة الاولى