الموضوع:-اصالة
الاشتغال - الأصول
العملية.
ذكرنا انه توجد اقوال في تصوير حقيقة العلم الاجمالي وذكرنا
القول الاول والثاني:-
القول الثالث:- وهو المعروف بـالجامع في احدهما. وهناك
اشكالات معروفة في حقيقة وواقع (احدهما) فالبعض يفسره بانه عنوان انتزاعي فيقع
التساؤل انه ينتزع من ماذا؟
وبعبارة اخرى:- ان عنوان احدهما سواء في هذا المقام في
العلم الاجمالي او في بحوث اخرى مثل الواجب الكفائي او الواجب التخييري فانه ما
المراد من احدهما فهل هو جامع عنواني او هو جامع حقيقي؟
والمراد من الجامع العنواني هو انه عنوان يقرر في افق الذهن
وليس هو جهة مشتركة خارجية في هوية الاطراف، وهذا التعبير ــــ جامع عنواني ــــ
يعبر به الفلاسفة فيشيرون بذلك الى ان هناك عنوان يقتنص يمكن الاشارة به الى
الاطراف. وهذا في قبال الجامع الحقيقي وهو جامع تكويني في الاطراف وفي الهوية
والماهية.
اذن وقع الكلام في ان جامع (احدهما) جامع عنواني او جامع حقيقي؟
ولكنهم رأوا انه يمكن ان يشار به في موارد تباين الماهيات مثل
التخيير بين خصال الكفارة فلا يوجد جامع حقيقي في البين وانما هناك اشارة مشتركة
فبالتالي ان هذا جامع عنواني ولكنه ليس عنوان افتراضي محض فانه لو كان عنوان
افتراضي محض فالوقوف على ضابطة حاصرة للأطراف صعب.
اذن هذا العنوان الافتراضي لابد من ربط له بدائرة محصورة مثل
احدهما او احدهم.
طبعا القول بانه جامع انتزاعي ليس فيه اشكال وانما يصار اليه اذا
حصل العجز عن تصوير جامع حقيقي لأنه مع امكان تصوير جامع حقيقي فلا يحتاج الى
الجامع العنواني الافتراضي لان العقل انما يتوسل الى العناوين الافتراضية او قل
الانتزاعية بعد عجزه عن اقتناص عنوان حقيقي فاذا امكن الحقيقي فلا تصل الى
الافتراضية، فالمؤاخذة على عنوان احدهما هذه هي.
وقد يشكل عليه ان عنوان احدهما هو الفرد المردد،
ولكن سياتي بحث الفرد المردد وسياتي ان هذا الاشكال غير وارد بالمعنى المحال للفرد
المردد ولا مانع بالمعنى غير المحال.
لذا الراي الذي اختير في الواجب التخييري او في الواجب الكفائي
هو راي المحقق التقي الاصفهاني (قدس سره) أخ صاحب الفصول وصاحب كتاب هداية
المسترشدين وهو تصوير لطيف وقد يكون احد التصويرات الاتية في العلم الاجمالي وقد
اختير من بعض المعاصرين وهو مقدم على عنوان احدهما.
بيان كلام المحقق التقي (قدس سره) في الواجب الكفائي
والواجب التخييري:- هو لم يلتزم بعنوان احدهم او احدهما ولم يلتزم بكلٍ بشرط ترك الآخر بل التزم
في الواجب الكفائي ان الخطاب يتعلق بكل المكلفين شخصاً لكن تعلقه بكل المكلفين
وداعويته وباعثيته ليست اكيدة وشديدة بقوة الواجب العيني بل اخف وطأً، بسبب ان
ملاكه ليس كالملاك في الواجب العيني بل اضعف، اذن كأنما هو عين العيني ولكنه اضعف
واخف ولان ملاكه اضعف من العيني فانه يسقط بمتثال احدهم فهو يبعث ويحرك الكل من
دون ان يكون بعثه مشروط. فهذا تصوير بديع اختاره المحقق العراقي (قدس سره) وجملة
من تلامذته.
وكذا في التخييري فانه مثل التعييني فانه يتعلق بكل واحد من
الخصال لكن بدرجة ونمط اخف وطأً واخف داعويتاً. ويرتب على هذا آثار كثيرة في بحث
التخييري والكفائي ومن الواضح ان هذا القول غير عنوان احدهما او ما شابه ذلك.
اذن عنوان احدهما جامع عنواني مضاف الى دائرة محدودة اما اطراف
العلم الاجمالي او المكلفين ولكن لا يصار اليه الا بعد عدم وجود جامع حقيقي.
القول الرابع:- قيل هو الفرد المردد. والفرد المردد
قيل باستحالته لأنه لا ترديد في الوجود الخارجي كي يصار الى دعوى الفرد المردد ولا
ترديد في ذاتيات المعاني في الذهن، اذن هذا الفرد المردد لا صقع له لا صقع خارجي
ولا ذهني كما عبر المرحوم الاصفهاني (قدس سره) هذا اقوى البراهين على رد هذا
القول.
ولكن المراد على الدوام ليس ما ذكره الاصفهاني (قدس سره) من كون
الترديد اما بالوجود او في الذاتيات الذهن فهذا غير صحيح فلا ينحصر الترديد فيما
ذكره الاصفهاني (قدس سره) بل هناك مقام ومنطقة اخرى في الترديد اهم وهي مقام
ومرحلة الانطباق او قل الحكاية فلا ذات المحكي خارجا ولا ذات الحاكي ذهناً وانما
منطقة النسبة والحكاية بينهما وعالم الحكاية هو عالم العلم الذي هو السر الازلي
الذي لا يعرفه احد ففي علم الفلسفة وفي علم العرفان وعلم الكلام يعتبروه منطقة
السر الازلي، وهو بحث معقد.
اذن الترديد في عالم الحكاية أي حكاية العنوان عن الموجود الخارجي
حكاية مرددة مبهمة ومجملة وقابلة للانطباق على هذا او ذلك او ذلك.
فخلاصة هذا القول هو ان الترديد في الفرد في مقام
الحكاية والانطباق قابل للتصوير، نعم في ذات الوجود غير قابل للتصوير ومن جهة ذات
الحاكي وذاتياته غير قابل للتصوير ايضا هذا صحيح.
اذن الترديد في الانطباق وليس الترديد في الوجود الخارجي او في
ذات الحاكي.
ويرد عليه:- وبالتالي المؤاخذة على هذا الوجه هو
انه يصور زاوية من زوايا حقيقة العلم الاجمالي ولا يصور تمام حقيقة العلم الاجمالي، وهذه الزاوية هو ان هناك اجمال في التطبيق والحكاية.
القول الخامس:- هو نفس الوجه الذي مر بنا عن المحقق
التقي (قدس سره) في الواجب الكفائي والتخييري وهو ان العلم تعلق بكل الاطراف ولكن
ليس بوزان العلم التفصيلي.
ولكن هل يمكن قبول هذا الوجه؟
الجواب:- على وجه يمكن قبوله وعلى وجه لا يمكن قبوله.
فان كان المراد ان المعلوم بالعلم الاجمالي حقيقا ساري في كل
الاطراف ومتعلق بالكل نظير ما التزم به المحقق التقي في الكفائي والتخييري فهذا لا
يمكن الالتزام به لأنه ليس كل الاطراف بالفعل متنجسة فهي قطرة واحدة دخلت في احد
الاطراف فكيف يصير كل الاطراف متنجس.
وان كان المراد ان المعلوم بالإجمال واحد لكن هذا الواحد له
قابلية الانطباق على جميع الاطراف ومحتمل الانطباق على جميع الاطراف المحصورة دون
باقي مجاميع اخرى فهذا كلام صحيح وله سبب وانه لماذا حصر المعلوم بالإجمال على هذه
المجموعة من الاطراف ولم يتعداها الى باقي الاطراف فقد يكون مستند المعلومة محصور
في دائرة هذه الاطراف ولكن هذا بالدقة من توابع المعلوم بالإجمال فان المعلوم
بالإجمال هو واحد ولكن حيث ان احتمال سقوط القطرة بمنشاء معين محصور في الخمسة او
السبعة فحينئذ حصر في هذه المجموعة وهذا يشكل زاوية اخرى من العلم الاجمالي لربما
كثير من الاقوال تغفلها وهي انه لماذا العلم الاجمالي حصر في دائرة واطراف معينة
فهذا لا يرتبط بأصل المعلوم بالإجمال فقط فهذا بعد اخرى في العلم الاجمالي وهو
حصره في مجموعة اطراف غير اصل القطرة فالحصر في مجموعة اطراف له منشأ اخر غير اصل
القطرة (أي غير اصل المعلوم بالإجمال).
اذن المعلوم بالإجمال ليس صرف العلم والمعلوم وليس صرف الاجمال بل
هناك زاوية الحصر في الاطراف.