بحوث خارج الأصول

الأستاذ الشیخ محمدالسند

36/04/18

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- التنبيه الرابع – تنبيهات البراءة - الأصول العملية.
استدراك على تنبيهات قاعدة من بلغ:-
وقفت على كلام للشيخ بهجت  في كتابه الاصولي المطبوع يذكر فيه بالنسبة الى جريان قاعدة من بلغ في الروايات الضعيفة الواردة في فضائل اهل البيت ^ او مصائبهم ^ ويذكر وجها آخر لجريان القاعدة وان كنا قد ذكرنا وجوه متعددة وحاصله:-
اولاً:- ناقش في كون هذه الروايات ظنية فهذا لا يعني انها غير معتبرة بل توجد وجوه لاعتبارها.
ثانياً:- لو سلم ضعفها فان هناك وجه آخر لاعتبارها وهو ان كل ما ثبت بالأدلة القطعية اجمالا من مقاماتهم ومصائبهم فان كل ما يروى فهو دون ما ثبت بالأدلة القطعية.
توضيح كلامه +:-
يريد ان يقول ان هناك صدق خبري وان لم يكن صدق مخبري، فانه يوجد فرق بينهما، وكذا يوجد فرق بين الكذب الخبري والكذب المخبري، فان ضعف الطريق حتى في موارد كذب الكاذب فانه لا يستلزم كذب الخبر والمقولة نفسها.
فكما قالوا في علم البلاغة ان المخبر عندما يخبر ليس فقط يخبر بالمنطوق بل يخبر انه يعلم بان هذا الخبر مطابق للواقع او يخبر بانه يلزم بان هذا الخبر مطابق للواقع. ويوجد فرق بين اني اعلم وبين اني التزم.
ويوجد فرق بين الكاذب و الوضاع ـــ على فرض الوضع ـــ فليس من الضروري للكاذب ان يكذب اي يكون خبره كذب وموضوع فقد يكون كاذبا ولكن خبره ليس بكذب فالكاذب قد يصدق والصادق قد يكذب من حيث لا يشعر  او يشعر، فهذا كله ممكن فلا تلازم بينهما.
ويوجد فرق بين الضعيف والكذاب فان كثير من الباحثين يظن ان الراوي اذا رمي بالضعف فان هذا يعني انه كذاب، وهذا غير صحيح فان الضعيف كما يُصِر الوحيد البهبهاني + تبعاً للمحقق الشيخ سليمان الماحوزي البحراني + وكثير من محققي علم الرجال هو ان الضعيف هو ما ليس بضبط لا بمعنى ما ليس بعادل او كاذب أي لا يوجد عنده مهارة علمية في علم الحديث والرجال وهذا، وإن كان خللا كبيرا في علم الحديث ولكنه غير معنى الكذب او غير العادل، اذن عندما يقال ان هذا ضعيف فان هذا يعني انه من جهة الكذب غير مطعون فيه أي من جهة الكذب المخبري أي الفاعلي[1] لا من جهة الكذب الخبري الفعلي.
وكذا في الصدق فانه يوجد صدق بلحاظ متن الخبر أي صدق فعلي وصدق بلحاظ طريق الخبر أي صدق فاعلي وبينهما فرق واضح.
وذكرنا مرارا ان النجاشي & وابن الغضائري & ـــ المعروف عنه انه متشدد في علم الرجال ـــ هو ايضا يفكك بين صحة المتن (أي صدق المتن) وكذب المتن وبين صدق الراوي (أي صدق الطريق) وكذب الراوي وايضا يفرق بين صحة الكتاب وصحة الطريق وصحة المتن وصحة جهة صدور المتن فهذه اربع جهات نفس ابن الغضائري يفكك بينها.
وبالأمس احد الاخوة قراء ترجمة لاحد الرواة عن ابن الغضائري وهو القاسم ابن محمد  الاصفهاني فان نفس ابن الغضائري يقول (متنه يعرف وينكر) ومراده من انه يعرف أي يصحح متنه في جملة من الموارد مع ان ابن الغضائري يضعفه، فكيف يصحح متن الحديث؟
الجواب:- ان ابن الغضائري المتشدد يفرق بين صحة المتن وصحة الطريق ومع الاسف ان هذه المباني التي عند النجاشي او عند ابن الغضائري وعند الكشّي وعند الشيخ الطوسي في حجية الخبر قد اندرست وهذا هو الذي نقوله في مباني السيد الخوئي + وجملة من متأخري هذا العصر ان هذه مباني النجاشي والطوسي قد غابت واندثرت  فضلا عن مباني من هم اقدم من النجاشي.
نعود الى كلام الشيخ بهجت + فانه يقول لو سلمنا ان الروايات الدالة على الفضائل او المصائب جملة منها ضعيفة فان ما ثبت لدينا اجمالا بالدليل القطعي من جهة مقاماتهم ومن جهة مصائبهم اعظم من التفاصيل التي في جملة من الروايات، فحتى لو افترضنا ان هذه الروايات الضعيفة رواتها ليس لديهم صدق فاعلي مخبري ولكن يوجد صدق خبري، فحتى لو افترضنا انه وضّاع وتوجد قرائن على انها موضوعة ولكن مع ذلك فان المتن ليس بكذب بل هو دون الصدق لأنه قد ثبت بالدليل القطعي ان مقاماتهم فوق هذه الامور  وكذا في مصائبهم فان ما ثبت منها بالدليل القطعي فوق هذه الامور فانه قد ثبت انهم هموا بقتل رسول الله ’  فلا مشكلة ولا عجب اذا ورد انهم تجاسروا عليه.
وهذا نظير القاعدة المستفيضة في باب المعارف التي ذكرها اهل البيت ^ وهي (نزهونا عن الربوبية وقولوا فينا ما شئتم) وهذا معنا ان كل فضيلة يمكن ان نتصورها هي موجودة في اهل البيت ^ وازيد من هذا.
فهو مطابق من جهة الصدق الخبري وهو ليس اختلاق بل الواقع اكثر من ذلك فهذه ضابطة لصحة الخبر لا لصحة المخبر في الفضائل وليست هي دعوى الى الاختلاق.
شبيه ذلك في زيارة صاحب الامر (السَّلَامُ عَلَيْكَ سَلَامَ مَنْ عَرَفَكَ بِمَا عَرَّفَكَ اللَّهُ بِهِ وَ نَعَتَكَ بِبَعْضِ نُعُوتِهِ الَّتِي أَنْتَ أَهْلُهَا وَ فَوْقَهَا)[2] فهذا معناه انه يوجد نعوت اخرى لم يبينها، إما لان العقول لم تتحملها او حتى لا يصيبهم الغلو.
اذن لاحظوا كيف ان المظلة القطعية والمستند القطعي داعم للمتون الظنية التفصيلية التي هي دونه في المضمون.
فالنظرة لابد ان تكون شمولية ولا يكتفي الباحث بالنظرة الجزئية.
ونعود الى بحث الوجوب والحرمة وهو مبحث حساس لابد ان ننتبه اليه.
هذا المبحث قد يعنونه البعض بأصالة التعين والتخيير أي الدوران بين التعيين والتخيير.
ومر بنا بالأمس ان هناك عنوان آخر وهو الدوران بين الواجب والحرام[3]، وهذا المبحث ايضا يعبرون عنه بدوران الامر بين التعيين والتخيير او اصالة التعيين والتخيير.
اذن اصالة التخيير كأصل عملي هنا محل بحثها أي في هذين المبحثين[4].
ويوجد موضع ثالث في علم الاصول لأصالة التعيين والتخيير وهو في مبحث تعارض الخبرين في مبحث التعارض والتراجيح.
ويوجد موضع رابع لأصالة التعيين والتخيير في باب الضد والتزاحم فانه يوجد تزاحم امتثالي في مبحث الضد وتزاحم ملاكي في مبحث اجتماع الامر والنهي فهنا ايضا يوجد دوران بين التعيين والتخيير.
ويوجد موضع خامس يبحث في مبحث الضد ويسمى بالتوارد أي احد الدليلين او الحكمين يكون ورادا  على الحكم او الدليل الاخر أي كلً منهما يعدم موضوع الدليل الاخر ويعبر عنه بالتوارد فهناك يبحث ان الاصل التخيير او التعيين.
ويوجد فرق بينها فان دوران الامر بين الوجوب والحرمة هو بحث في مقام تنجيز الاحكام، واما الدوران بين الواجب والحرام فانه دوران بين التعيين والتخيير في مقام الامتثال او احراز الامتثال، والدوران بين التعيين والتخيير في مبحث الخبر الواحد هو في مقام الحكم الظاهري، اما الدوران في مبحث الضد فهو في مقام فعلية الحكم التامة عند جماعة او فاعلية الحكم عند جماعة، وكذا في مبحث اجتماع الامر والنهي، واما الذي في مقام الورود فهو دوران في مقام اصل الفعلية.
وهناك تعيين وتخيير ابتكره السيد الخوئي + وهو التوارد او الورود في مقام الجعل  فان هناك تعيين وتخيير في مقام الانشاء.
فهذه جملة من موارد التعيين والتخيير في علم الاصول.


[1] الكذب على نحوين:-  كذب فاعلي او المخبري وكذب فعلي او الخبري وهذا مرتبط بمطابقة الخبر للواقع وعدم مطابقته له، فان العادل قد يكذب خبريا وان لم يكذب مخبريا، ولذا الفرق بين عدول المؤمنين والمعصوم × هو ان عدول المؤمنين يرتكبون مخالفات للشرع من حيث لا يشعرون سواء كان في الشبهة الموضوعية او في الشبهة الحكمية فان هذا ممكن لان علمهم ليس وسيعا فان عدول المؤمنين هم عدول ـــ كما يذكره البعض ـــ بحسب الظاهر واما بحسب الواقع فان العدل الوحيد هو المعصوم .× واما المعصوم لا يرتكب مخالفة للشرع لان علمه وسيع وكذا المعصومين ايضا على درجات.
[2] البلد الامين والدرع الحصين، ابراهيم ابن علي الكفعمي، ج1، ص285.
[3] المراد من الواجب هو متعلق الوجوب والمراد من الحرام هو متعلق الحرمة.
[4] أي مبحث دوران الامر بين الوجوب والحرمة ومبحث دوران الامر بين الواجب والحرام.