الموضوع:- التنبيه الرابع – تنبيهات البراءة - الأصول العملية.
كان
الكلام في المورد الرابع وقلنا ان المشهور بنوا على عدم جريان البراءة ولذا لو علم
بمقدار ما عليه من الصوات القضاء وفرط في تدوينها ونسي بعد ذلك المقدار وشك بين
الاقل والاكثر لم يفتي المشهور بجريان البراءة مع انه اقل واكثر استقلالي، والنص
الشرعي موجود على لزوم قضاء الاكثر لا فقط القدر المتيقن.
توجيه كلام المشهور:- ان البراءة العقلية ـــ لو قلنا بها ـــ والبراءة الشرعية هي
تجري في مورد ليس هناك تفريط او تقصير من المكلف بل يوجد قصور فقط فحينئذ تجري
البراءة الشرعية او قبح العقاب بلا بيان، اذن في مورد الشك او الجهل وعدم رعاية
الواقع المحتمل بسبب تهاون وتواني المكلف نفسه جريانُ البراءة مشكل سواء الشرعية
او العقلية وهذا ليس خاص بالصلاة بل حتى في الصوم او ديون الناس.
اما
متأخري الاعصار فانهم لم يبنوا على هذا المبنى ولكن مبنى القدماء هكذا وهذا
هو الصحيح أي ان البراءة سواء كانت عقلية او
عقلائية او شرعية ليس موردها التقصير والتفريط والتهاون بل موردها هو القصور
وهذا
البحث نقلناه عن الشيخ & ولكن من زاوية اخرى وهي ان البراءة
الشرعية انما تجري في مورد تصح فيه امكانية جعل الشارع للاحتياط وكان الكلام في
النسيان وانه كيف يمكن للشارع ان يجعل الاحتياط ومن ثم يجعل البراءة وقلنا انه
ممكن لأن جعل الاحتياط بلحاظ المقدمات ممكن فيمكن جعل البراءة حينئذ، فاذا تحفظ
المكلف في مقدمات النسيان فانه يمكن له ان يوقي نفسه النسيان وان كان المكلف حين
النسيان غير ملتفت، اذن الرفع الشرعي في مورد امكانية جعل الاحتياط.
اذن
مرادنا من ان البراءة مختصة بموارد القصور لا التقصير أي القصور في حصول الشك
والجهل وليس القصور في رعاية الاحتياط والا فهو يمكنه الاحتياط الآن، فان الشاك
البسيط والجاهل البسيط يمكنه الاحتياك بخلاف ما اذا كان حصول الشك ـــ وكلامنا في
الشبهة الموضوعية ـــ بسبب التقصير والتهاون، واتفاقا حتى في الشبهة الحكمية
ذكروا ذلك فقبل الفحص سواء كان من المجتهد او من المقلد لا يجوز اجراء البراءة لان
اجراء البراءة من دون فحص هو تقصير من المكلف وكذا في الشبهة الحكمية اذا كان حصول
الجهل بسبب التقصير لا القصور كما لو فحص المجتهد ولكن نتيجة الفحص لم يدونها وفرط
في تدوينها فلا يجوز اجراء البراءة لذا يوجد في الروايات انه من مستحبات يوم
الجمعة لكل مسلم وكل مؤمن التفقه في الاصول والفروع والاخلاق وهو مؤاخذ يوم
القيامة اذا قال لم اعلم. اذن يمكن ان يفرض تقصير بعد الفحص.
ويوجد
هنا أمر وهو ان القصور والتقصير بلحاظ المقدمات يمكن ان تفرض هذه المقدمات قريبة
او بعيدة كما في قوله تعالى:
﴿ قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ
شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾
[1]
فكثير من خطاء المتكلمين والفلاسفة وبعض العرفاء انهم عند المحاسبة أي العذر
والتنجيز وما شابه ذلك يلاحظون فقط المقدمات القريبة وان كان التنجيز والتعذير
بحسب المقدمات القريبة ولكن البعيدة تجعل المنة لله أي لو اراد ان يحاسب فله ذلك
لذا البراءة الشرعية في القصور هي منة من الشارع أي لو اراد ان يحاسب فله ذلك،
فله ان يحاسب حتى على المقدمات البعيدة ما دامت اختيارية.
فتحصل
ان جريان البراءة الشرعية في مورد القصور في المقدمات البعيدة ـــ وهو مما يسوغ
للشارع المحاسبة عليه ـــ منة من الشارع لا يحاسب واما بلحاظ المقدمات القريبة مع
التقصير فلا تجري.
هذا
تمام الكلام في البراءة.
دوران الامر بين الوجوب والحرمة:- وهذا البحث يلحق بالبراءة لأنه شك في
التكليف كما في موارد الشك في الحيض فان المرأة عندها علم بعد ـــ انقضاء عادتها
ـــ ان الصلاة اليومية اما واجبة عليها او محرمة عليها فهذا يلحق ببحث البراءة،
وهناك دوران الامر بين الواجب والحرام لا الحرمة وهذا يلحق ببحث قاعدة الاشتغال،
والفرق بينهما هو انه اذا كان الدوران في فعل واحد يكون بين الوجوب والحرمة اما
اذا كان الدوران بين فعلين او اكثر فهو دوران بين واحب وحرام.