الموضوع:- التنبيه الرابع – تنبيهات البراءة - الأصول العملية.
مر
بنا ان المشهور استثنوا من حسن الاحتياط موارد الاموال والاعراض والدماء فحكموا
فيها بوجوب الاحتياط، ومورد آخر نذكره بعد ذلك، ومر ان الشيخ النائيني + ذكر وجهين لذلك:-
الوجه الاول:- ان هناك اصل موضوعي
[1]
مقدّمٌ وحاكمٌ على البراءة، لان البراءة اصل حكمي باعتبار انه في الفروج يوجد
قوله تعالى:
﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى
لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ
مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا
يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ
عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ
آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء
بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي
أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ
التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ
الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء
وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن
زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
[2]، فان الاصل هو غض النظر وكذا قوله تعالى:
﴿وَالَّذِينَ
هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ،إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ
مَلُومِينَ﴾
[3]، اذن الاصل هو حفظ الفروج الا على ازواجهم وهذا المخصص عنوان وجودي فعموم التحريم
عنوانه عدمي والمخصص لهذا التحريم وهو الحلية عنوانه وجودي فيقول الميرزا النائيني
+
ان الحلية اذا كان عنوانها عنوان وجودي فعند الشك يجري استصحاب العدم أي عدم
الزوجية وعدم الابوة وعدم المحرمية و..... الخ، وحينئذ يحرز موضوع الحرمة وهو عدم
الزوجية او عدم الابوة و.... الخ، وكذا في الدماء كما في قوله تعالى:
﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ
وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ
بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ
وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾
[4]،
فنلاحظ انه لم يقيد حرمة قتل النفس بشيء وقد خرج من عموم حرمة قتل النفس وحرمة سفك
الدماء خصوص الكافر المعتدي او المعتدي مطلقا سواء كان كافرا او لا، كما في قوله
تعالى:
﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ
الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ
اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾
[5]، فان الاصل في مدرسة اهل البيت ^ دون بقية المدارس الاخرى هو حرمة
استباحة الدم، فان الكفر لا يوجب استباحة الدم بل الذي يوجب استباحة الدم هو
العدوان فكل الدماء محرمة وان كان هناك تفاوت فان حرمة المؤمن ليس كحرمة المسلم
وحرمة المسلم ليس كحرمة الكافر غير المعتدي.
اذن
الاستباحة عنوانها وجودي وهو العدوان اما الدماء فالأصل فيها الحرمة.
وكذا
في الاموال فان الاصل فيها الحرمة كما ورد
(محمد بن علي
بن الحسين بإسناده عن زرعة، عن سماعة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
قال: من
كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، فإنه لا
يحل دم امرىء مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه)
[6]، وكذا عن محمد بن زيد
الطبري
(قال : كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي أبي
الحسن الرضا (عليه السلام) يسأله الأذن في الخمس، فكتب إليه : بسم الله الرحمن
الرحيم، إن الله واسع كريم، ضمن على العمل الثواب، وعلى الضيق الهم، لا يحل مال
إلا من وجه أحله الله
، إن الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى
أموالنا ، وما نبذله ونشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته، فلا تزووه عنا، ولا تحرموا انفسكم دعاءنا ما قدرتم عليه فان إخراجه مفتاح رزقكم، وتمحيص ذنوبكم، وما تمهدون لأنفسكم ليوم فاقتكم، والمسلم من يفي لله بما عهد
إليه، وليس المسلم من أجاب باللسان وخالف بالقلب، والسلام)[7]، وكذا قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ
تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ
بِكُمْ رَحِيمًا﴾
[8]،
فهنا في باب الاموال نلاحظ ان الحلية تحتاج الى عنوان وجودي والحرمة على الاصل.
اذن
الوجه في حكم المشهور بوجوب الاحتياط في الاموال والدماء والاعراض هو وجود عمومات
على الحرمة اخذت الموضوع عنوان عدمي ولم يخرج منها الا عنوان وجودي.
الوجه الثاني:- وهذا الوجه غير مختص بالموارد الثلاثة ولكنه يتأتى فيها بوضوح
وهذا الوجه ذكره في باب العام والخاص.
وحاصله:- ان كل باب من ابواب الفقه اذا جعل الشارع الحرمة على عنوان عدمي وجعل الحلية
المخصصة لهذا العموم مرتبة على عنوان وجودي ـــ سواء كان في هذه الابواب الثلاثة
او غيرها ـــ فهذا معناه ان الشارع في صدد ضرب وجعل عمومين وقاعدتين:-
احداهما:- وهي عموم الحرمة مرتبة على عنوان عدمي والمخصص الذي حكم فيه
بالحلية مرتبة على عنوان وجودي وهذا مفاد واقعي.
الثاني:- ان الشارع في صدد جعل قاعدة ظاهرية وهي انك عند الشك يجب ان تحرز العنوان
الوجودي للحلية فان جعل الشارع الحلية مرتبة على عنوان وجودي هو لأجل ان ينبه
المكلف الى ان الحلة تحتاج الى احراز اما الحرمة فلا تحتاج الى احراز فيكفي فيها
عدم الاحراز فضلا عن احراز العدم، فنفس هذا التشقيق وهو كون الحرمة عنوانها عدمي
والحلية هي الاستثناء وعنوانها وجودي واضح فيه ان الشارع بصدد جعل قاعدة اخرى ـــ
علاوة على المفاد المستفاد منها وهو عموم الحرمة وكون الحلية هي الاستثناء وهي
مرتبة على عنوان وجودي ـــ مفادها اثباتي ظاهري وهي انك اذا اردت ان تحرز الحلية
فيجب ان تحرز العنوان الوجودي بغض النظر عن الاستصحاب العدمي سواء كان يجري او لا، مثاله
( كل ما في البحر حرام الا السمك الذي له فلس) فهذه
قد استفاد منها الاعلام حرمة ثبوتية لكل انواع ما في البحر الا السمك الذي فيه فلس
ومفاد ثاني هو عند الشك في ان هذا سمك اولا او عند الشك انه له فلس او لا فتبني
على الحرمة لان الحلية تحتاج الى احراز كون سمك وكونه له فلس.
ويوجد وجه ثالث قد اعتمدناه:- اصل
المدعى في هذا الوجه ان البراءة تجري في الحرمة التكليفية المجردة لا في كل انواع
الحرمة.
والنكتة الصناعية الفقهية:- هي انه قد مر بنا هذا التقسيم وهو انه عندنا حلية اولية
ذاتية مثل حلية شرب الماء ويوجد حكم ليس اولي مثل حرمة شرب الماء المغصوب فحرمة
الشرب نتيجة الغصب لا تتنافى مع الحلية الذاتي لان هذا الحكم اولي طبعي ذاتي غير
متعرض لأسناخ اخرى من الحكم فهو ليس بهذا الصدد. اذن يوجد عندنا اقسام للحكم منها
اولي في قبال الثانوي وحكم ذاتي في قبال الطارئ وحكم طبعي في قبال احوالي وحكم
حيثي في قبال المطلق فهذه اربع تقسيمات قد ذكرها الاصوليون ومر ايضا بنا ان
التمييز بين هذه الاقسام صعب ودقيق وبين كل قسم ومقابله تباين فبين الاولي
والثانوي تبادين ولكن بين قسم واخر عموم وخصوص من وجه فبين الذاتي والاولي عموم من
وجه.
تتمة
الكلام تأتي ان شاء الله تعالى.