الموضوع:- التنبيه الرابع – تنبيهات البراءة - الأصول العملية.
كان
الكلام في جريان البراءة في الشبهة التحريمية وبالخصوص في هذا القسم وهو فيما لو
كان المنهي عنه امر مسببي والافراد عبارة عن اسباب تحصل ذلك المسبب ـــ طبعا قد
يكون حكم وضعي او حكم تكليفي محض او تكليفي وضعي ـــ وتقدم ان ضابطة البراءة على
ما هو المعروف قديما ان ميزها عن قاعدة الاشتغال هو ان قاعدة البراءة يرجع الشك
فيها الى الشك في اصل التكليف اما قاعدة الاشتغال فلا يرجع الشك فيها بحال الى
الشك في اصل التكليف وانما يرجع الشك فيها الى الشك في المكلف به او الشك في
المحصل، ومن الموارد البارزة لتطبيق هذه القاعدة هو الشك في المحصِل ـــ بالكسر
ـــ للمحصَل وهذا هو المعروف ولكن مر بنا ان الميرزا النائيني + فصّل فيها وقال ان المحصَل
والمحصِل اذا كان شرعي فالمورد هو من موارد جريان البراءة لا الاشتغال لان الجعل
بيد الشارع، ومر بنا ان الميرزا النائيني + يلتزم ان المسبب فقط مجعول
بالذات واما السبب فانه مجعول بالتبع
[1]
لا بالذات أي بتبع الجعل الاصلي للمسبب، وذكرنا ان تصوير الاقل والاكثر في
المحصِل على مبنى النائيني & مشكل لان السبب عنده غير مجعول بالذات
وحينئذ كيف يمكن ان نصور سعةً وضيقاً في الجعل بلحاظ تبعي لا اصلي لأنه لو كان
الجعل في السبب اصلي فقد يقال بإمكانه باعتبار ان السبب مجعول بجعل اصلي والمسبب
مجعول بجعل اصلي فقد يقال انه بيد الشارع سعةً وضيقاً، فتصوير ان توابع الجعل
ولوازمه سواء كانت عقلية او عقلائية تؤثر في نفس الجعل فان هذا يصعب تصويره.
اذن
هذا اشكال مبنائي يسجل على الميرزا النائيني +.
اما
على المبنى القائل بان السبب ـــ المحصِل ـــ مجعول بالأصالة كالمسبب ـــ المحصَل
ـــ فهل يمكن تصوير البراءة؟
الجواب:- ايضا تصوير البراءة صعب باعتبار ان المسبَب بسيط إما ان يوجد او لا يوجد فلا
يمكن ان نتصور سعة وضيقا فيه.
نعم
لابد من التفصيل فنقول ان بعض المسببات البسيطة في حين انها بسيطة ولكن الادلة
الخاصة دلت على انها ذات مراتب كما في باب الطهارة مثل الطهارة بالوضوء التام
والطهارة بالوضوء الجبيري والطهارة بالتيمم وكذا الطهارة بالغسل ففي حين ان
الطهارة هي مسبب وامر بسيط ولكن الشارع دل على ان الطهارة ذات مراتب.
وبعبارة اخرى:- ان الطهارة ـــ أي المسبب ـــ ذات سعة وضيق بحسب السبب، فقد
دلة الادلة الخاصة على ان الطهارة وان كانت امر بسيط ولكنها تحدث تدريجيا بتدريجية
السبب كما روي
(عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام)
قال : سألته عن غسل الجنابة ؟ فقال :
تبدأ
بكفيك فتغسلهما ، ثم تغسل فرجك، ثم تصب على رأسك ثلاثا، ثم
تصب على سائر جسدك مرتين، فما جرى عليه الماء فقد طهر)
[2] فبالتالي المسبب وان كان
امر بسيط ولكنه ذو مراتب ولما كان المسبب ذو مراتب فهو قابل لتصوير السعة والضيق
فيه بتبع السبب فبمقدار ما نُجز من السبب ينجر من المسبب وبمقدار ما لم ينجز من
السبب لا ينجز من المسبب.
والنتيجة:- عند الشك في السبب والمسبب اذا كان شرعيا وذو
مراتب
الصحيح اننا نلتزم بجريان البراءة.
هذا
تمام الكلام في هذا النبيه.
التنبيه الرابع:- الاحتياط حسن مع جريان البراءة.
لان
جريان البراءة ليست بنحو العزيمة سواء كانت الشبهة موضوعية او حكمية وسواء كانت
وجوبية او تحريمية لا سيما في الاموال والاعراض والدماء فانه يحسن الاحتياط
الاستحبابي الا اذا استلزم الاحتياط الاخلال بالنظام فذكر صاحب الكفاية + انه لا يحسن بل يقبح
الاحتياط ولكنه ذكر ايضا انه ليس كل الاحتياط حينئذ يقبح وانما يقبح المقدار الذي
يتعقبه اختلال بالنظام.
وبعبارة اخرى:- في الموارد التي يستلزم من الاحتياط اختلال النظام يستطيع
المكلف ان يبعض في الاحتياط كي لا ينجم منه اختلال النظام، هذا تمام كلام صاحب
الكفاية
ويرد على ما ذكره صاحب الكفاية:-اولاً:- انه سياتي في بحث الشبهة الموضوعية فضلا عن الشبهة الحكمية ان البراءة مقيدة
بالفحص سيما في الشبهة الحكمية فهو واضح وفي الشبهة الموضوعية على
الاصح فانه في غالب الابواب يلزم الفحص الا بعض
الابواب التي دل دليل من الشارع على عدم لزوم الفحص كـ باب الطهارة والنجاسة وبعض
الابواب الاخرى ـــ خلافا للمعاصرين فانهم عندهم ان الاصل في الشبهة الموضوعية هو
عدم وجوب الفحص ـــ واما في بقية الابواب التي لم يدل دليل من الشارع على عدم لزوم
الفحص فيها فيلزم الفحص.
ثانياً:- ان مشهور الفقهاء في باب الاموال والاعراض والدماء سواء كانوا اخباريين او
اصوليين هو عدم جريان البراءة في هذه الابواب الثلاثة وذهبوا الى لزوم الاحتياط
خلافا لما اختاره متأخري هذا العصر.
وقد
ذكر الميرزا النائيني + وجها لعدم جريان البراءة ونحن ايضا
لدينا وجه نبني عليه.
ويوجد
مورد اخر لا تجري فيه البراءة لم يذكره متأخري الاعصار قد بنى عليه القدماء
ونحن نبني عليه وهو كل مورد كان متنجز ولكن طراء
بعد ذلك الشك او الجهل او النسيان فمشهور القدماء يقولون تجري فيه الاحتياط