الموضوع:- التنبيه الثالث – تنبيهات البراءة - الأصول العملية.
كان
الكلام في التنبيه الثالث وهو جريان البراءة في الشبهة التحريمية.
ومحصل
الكلام ان الشبهة التحريمية ان رجعت الى الشك في اصل التكليف فهي مجرى للبراءة وان
رجعت الى الشك في المكلف به فسوف تكون مجرى لقاعدة الاشتغال.
فالكلام
يقع في تمييز اقسام وصور الشبهة التحريمية، ومر بنا ان العموم على اقسام فان صرف
الوجود يختلف عن العموم المجموعي وان كان هناك بعض المشتركات بين النهي عن صرف الوجود
والنهي عن العموم المجموعي ومن موارد الفرق بين العموم المجموعي وصرف الوجود.
موارد الافتراق:-
منها:- فيما اذا تعسر او عجر عن ترك المجموع فهنا يمكن تصوير جريان قاعدة الميسور
وهو ان الباقي من المنهي عنه ـــ اذا كان المنهي عنه بنحو العموم مجموعي ـــ ميسور، فما لا يدرك كله لا يترك جله، اذن بالتالي ان المنهي عنه ذو مراتب فالامتثال
بالباقي قابل للتصوير في المجموعي، بخلاف صرف الوجود فان المطلوب فيه انعدام
المنهي عنه في كل صفحة الوجود فأيُ وجود يوجد يستلزم عدم الامتثال فبالتالي يستلزم
حصول المفسدة او حصول المحذور فلا فائدة في ترك بقية الافراد.
ومنها:- وكذا في باب المعصية فلو فرضنا انه عصى في باب صرف الوجود فيسقط بعد ذلك
الحكم بخلافه في العموم المجموعي فانه قابل للتصوير انه من قبيل العموم الامتدادي
فاذا عصى في مرتبة فالمفروض انه لا يواصل العصيان.
مختار المتأخرين في العموم المجموعي:-
تقريبا
في تحقيقات المتأخرين ان الشك ـــ زيادةً ونقيصةً ـــ في العموم المجموعي حكمه حكم
الشك في الواجب الاقل والاكثر الارتباطي ن فما يقال هناك يقال هنا والصحيح انه كما سياتي انه مجرى للبراءة وليس
مجرى للاشتغال.
اما
بالنسبة الى صرف الوجود فقد مر بنا ان هناك خلاف في جريان البراءة.
واما
اذا كان المنهي عنه من قبيل السبب والمسبب أي المنهي عنه بالدقة هو سبب بسيط
فإجمالاً في هذا القسم يكون الشك من قبيل الشك في المحصِل، وهذا واضح فيه انه
مجرى لقاعدة الاشتغال فـ(كلما كان الشك في حصول المسبَب
والمحصَل بسبب الشك في المسبِب المحصِل هو مجرى لقاعدة الاشتغال).
والسبب
والمسبب تارة يكون عقلائي او تكويني عقلي فهذا واضح انه مجرى للاشتغال.
ولكن
الميرزا النائيني استثنى من هذه القاعدة فيما اذا كان السبب والمسبب شرعي وقرب ان
يكون مجرى لقاعدة البراءة.
تقريب الميرزا النائيني +:-
ان
هذا السبب والمسبب شرعي أي بجعل من الشارع فسعة وضيق السبب بيد الشارع فكأنما
المسبب ايضا الذي اناطه الشارع بهذا السبب ايضا بيد الشارع سعتا وضيقا.
وبعبارة اخرى:- ان السعة والضيق للسبب الذي هو بجعل من الشارع تنسحب الى كون
المسبب في سعة وضيق بتوسط انه بيد الشارع فيمكن للشارع ان يجعل المسبب مترتب على
السبب الاقل ـــ تسعة اجزاء مثلا ـــ ويمكن للشارع ان يجعل المسبب مترتب على السبب
الاكثر ـــ عشرة اجزاء مثلا ـــ فهذا المسبب وان كان بسيطاً والبسيطُ يدور امرُه
بين الوجود والعدم ولكن لان الشارع بمكنته ومقدرته ان يجعل هذا المسبب البسيط على
الاقل او يجعله على الاكثر فكأنما نفس هذا البسيط يصبح له تقرر اعتباري اقل واكثر
فهو بيد الشارع وما دام بيد الشارع لا محالة حينئذ يكون مجرى للبراءة، لأننا نشك
ان الشارع جعل المسبب على الاقل فتكون سعته اضيق او على الاكثر فتكون سعته اكثر
فهذه الزيادة في المسبب بيد الشارع فنشك في جعل الشارع للزيادة او لا وبعبارة اخرى
شك في اصل التكليف فتجري البراءة.
اذن
الميرزا النائيني + يفصل بين ما اذا كان السبب والمسبب عقلائي او عقلي فيكون مجرة
لقاعدة الاشتغال اما اذا كان شرعي فهو مجرى لقاعدة البراءة.
وحينئذ
في الشبهة التحريمية نفس الكلام فان احد اقسام النهي التحريمي ان يكون المنهي عنه
ليس الافراد بل المنهي عنه المسبب وحينئذ اذا كان السبب والمسبب شرعي فعند الميرزا
النائيني + تجري البراءة في الزائد.
ولا
يخفى عليكم ان الزائد في الشبهة التحريمية عكس الزائد في الشبهة الوجوبية مثلا في
الصلاة فان ذو التسع اجزاء فانه متيقن انه واجب وذو الاكثر أي ذو العشرة هو الزائد
اما في التحريم فان ذو العشرة اجزاء متيقن انه حرام اما ذو الاقل بحده فهو زائد.
اذن كلامنا في الزائد أي الاقل بحده يحرم او لا يحرم؟ أي هل
يكون مجرى للبراءة او للاحتياط؟
الميرزا
النائيني يقول اذا كان شرعيا فهو مجرى للبراءة.
ولتوضيح
المختار في هذا القسم ـــ وهذا بحث ليس مختص بالشبهة التحريمية بل في بحث الشبهة
الوجوبية نفس الكلام فهو بحث مبنائي في تحديد الضابطة في قاعدة الاشتغال اذا كان
بنحو السبب والمسبب ـــ نذكر مقدمة وهي من المبادئ الأحكامية:-
وهي
ان في موارد الاسباب والمسببات مثلا في باب العقود يوجد عندنا عقد لفظي وهو
الايجاب والقبول وهذا هو السبب وبعد ذلك يأتي البيع المعنوي هو تبديل عين بمال فان
ماهية التبديل والنقل والانتقال ماهية معنوية وهذه هي المسبب عن الايجاب والقبول
ويترتب على العقد المعنوي مسببٌ ثاني ملكية البائع للثمن وملكية المشتري للمبيع
ويترتب على هذا المسبب الثاني مسببٌ ثالث وهو جواز تصرف المشتري في المبيع وجواز
تصرف البائع في الثمن وكذا توجد سلسلة اسباب ومسببات في باب الايقاعات حتى في باب
العبادات.
وفي
باب الاسباب والمسببات هل المجعول في كل الاسباب والمسببات التي مرت بنا فمثلا في
باب البيع فان العقد اللفظي والمعنوي والملكية وجواز التصرف فكل هذه مجعولة من قبل
العقلاء اذا كان المجعول عقلائي وامضاه الشارع وكذا في باب الاسباب والمسببات
الشرعية كل هذه مجعولة من قبل الشارع او ان المجعول فقط هو المسبب الاخير؟
الميرزا
النائيني + وغالب تلاميذه ذهبوا الى ان الاسباب ليست مجعولة بالذات بل
المجعول فقط هو المسبب فالسبب مجعول بالتبع وليس بالذات بخلاف مشهور الفقهاء وهو الصحيح من ان كل سلسلة الاسباب والمسببات
مجعولة واما برهانه فليس هنا موضعه ولكن ربما نشير اليه بعد ذلك في بحث قاعدة
الاشتغال.
ولكن يرد على الميرزا النائيني +:-
انه
في الاقل في السبب والمسبب الشرعي ـــ لأنه جعل بيد الشارع فيمكن جريان البراءة في
الزائد ـــ نقول هذا الكلام صحيح ويمكن ان يكون له وجه لو كان يلتزم بان جعل
الاسباب بالأصالة وجعل المسببات بالأصالة، اما مع الالتزام بان الاسباب غير
مجعولة بالذات بل هي مجعولة بتبع المسببات البسيطة فهذا الزائد في السبب ليس مجعول
بالذات كي يكون الشك فيه شك في اصل التكليف فتصويره صعب.