الموضوع:- التنبيه الثاني ــــ تنبيهات البراءة ــــ الأصول
العملية.
ذكرنا في تفسير قاعدة من بلغ هو انها
قاعدة ليست مؤسسة في التشريع وانما هي تبين تشريع الخصوصيات وليس اصل تشريع
الطبيعة، ومر بنا ان صاحب الجواهر & في الشهادة الثالثة بَيَّنَ ان
العمومات هي الاصل في التشريع والادلة الخاصة انما هي ذيل وهامش للعمومات وانه
يمكن بتوسط العمومات الوصول الى نتائج ومفاد الادلة الخاصة في التشريع.
اذن تحصل مما تقدم
اننا نختار القول الاول في قاعدة من بلغ ولكن مع
التفسير الذي ذكرناه وهو ان الاصل في التشريع هو العمومات ولكن القاعدة تشرع
الخصوصيات.
تنبيهات قاعدة من بلغالتنبيه الاول:- هل يكفي البلوغ للفقيه ام
لابد من الوصول الى المقلِد؟.
كيف تطبق قاعدة من بلغ على المقلِد وكيف يفتي المفتي
للمقلِد باستحباب عمل معين والحال ان العامي المقلِد لم يقف على الرواية الضعيفة،
فكيف يصدق في حقه من بلغه ثواب على عمل؟
لذا كثير من الاعلام استشكلوا في ذلك
وقالوا لابد ان ينقل الفقيه في رسالته متن الرواية كي يتحقق موضوع الرواية وهو
بلوغ الثواب على العمل ثم يقول له الفقيه ان هذا العمل مستحب ولذا كثير ممن يعمل
بقاعة من بلغ سواء من التزم بالقول الاول او الثالث يحاول ان يأتي في المتن الفقهي
في رسالته بشيء من ذكر ثواب العمل كي يتحقق الموضوع في حق العامي ولك
ن الصحيح ـــ وان كان هذا التوجيه امتن ـــ ان
ذلك ليس لازما بل بمجرد فتوى الفقيه يصدق في حق المكلف انه بلغه الثواب
بيان ذلك:-ان لفظ الروايات الواردة في حديث من بلغ ليس كلها على
تحديد الثواب بحد معين وان العامل عمله لأجل ذلك الحد المعين كي يستشكل على ان هذا
لم يبلغه يعني بعض الروايات ظاهرة بانها بلحاظ اصل الثواب لا بلحاظ تحديد الثواب
لذا صحيحة صفوان فيها تقليل او تنكير اي تعظيم لانه قال
(شيء من الثواب) فأما ان يكون التنكير للتقليل او للتعظيم او ايضا يمكن ان
يقال انه للعموم فبالتالي يصدق على هذ المقدار اذا افتى به المفتي البلوغ لانه اذا
قال المفتي انه مستحب اكيد بلا شك انه فيه ثواب.
وبعبارة اخرى:- ان اصل جنس الثواب والاجر قد
بلغ العامي بفتوى المفتي، ولا سيما ان فتوى فقهائنا ليست متولدة من آراء بل هي
اخذ بمتون الروايات.
لاحظوا ان هذا الاشكال من جملة من الاصوليين نزعة
اخبارية.
ولكن يقال في جوابهم:- ان كلام الائمة
كالقرآن له سطح وله باطن وحينئذ نقول ن هذا الفقيه عندما يفتي بهذه الروايات فهل
تقصد انه يفتي بالألفاظ التصورية للروايات؟ او المعاني الاستعمالية؟ او المعاني
التفهيمية؟ او المعاني الجدية. والجدية لها بطون كثيرة وان كان الانتقال لها
بموازين، فان كل هذا قاله الائمة ولكن استحصاله بواسطة موازين ودلائل، اذن ما
قاله الائمة ليس فقط الفاظ واصوات حتى يستشكل في كون اللفظ الذي جاء به الفقيه غير
لفظ الائمة وان كان الفاظ الوحي مهمة ولكنه ليس فقط الفاظ.
وهذا شبيه بالفهم الموجود الان حتى لدى الاصوليين من كون
القرآن الكريم فقط الفاظ التنزيل ومعاني القران ليست جزء من القرآن وهذا عجيب فان
معاني القرآن اعظم فكيف لا تكون جزء من القرآن بل ان الغاية هو ليس الالفاظ او
المراد التصوري وانما هو المراد الجدي والداعي الاصلي وهو المراد الجدي وهذا جواب
مهم لحشوية الاخباريين وحتى لحشوية الاصوليين.
فلاحظوا هنا ايضا كذلك فان المفتي عندما يفتي بفهمه لا
بسمعه ــ بناء على مدرسة النص لا مدرسة الراي ـــ، ومن قال ان ما يصل اليه بفهمه
ليس كلام الائمة؟ فلماذا لا يكون المفتي ناقلا ايضا ولكنه ليس ناقلا بحس بل ناقلا
بفهم، ودققوا في هذه الآية الكريمة
﴿وَمَا كَانَ
الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ
لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ
إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾
[1]،
فنها ترد الآية على مدرسة الرأي لابي حنيفة وترد على الحشوية، فالنفر بمعنى الاخذ
عن المعصوم ثم بعد ذلك التفقه في الدين وهذه هي المرحلة الثانية وهذا معناه انك لا
يمكن ان تصل الى كل مرادات رسول الله ﷺ والائمة ^ بمجرد السماع لان
السماع يوصلك الى بعض مرادات رسول الله ﷺ اما بقية المرادات
المهمة والاصلية لا تصل اليها بالسمع بل بالفهم كما في الرواية
قال الصادق (عليه السلام) : اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما
يحسنون من رواياتهم عنا، فانا لا نعد الفقيه منهم فقيها حتى يكون
محدثا، فقيل له : أو يكون المؤمن محدثا ؟ قال : يكون مفهما والمفهم : المحدث)
[2]، اذن الفقيه ناقل ولكن ليس بسمعه بل بفهمه.