بحوث خارج الأصول

الأستاذ الشیخ محمدالسند

36/03/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- التنبيه الثاني ــــ تنبيهات البراءة ــــ الأصول العملية.
كان الكلام في النقطة الأخيرة من هذا التنبيه في الجهة الثالثة وهي أنَّ إستصحاب عدم التذكية أي عدم السبب هو سبب لعنوان الميتة بحسب الجعل الشرعي كما قرره الشهيد الاول + وهو الذي يستفاد من الادلة فإن عدم توفر سبب التذكية الكامل يترتب عليه عنوان الميتة التي هي نمط من القذارة الوضعية فهو عنوان وضعي وليس عنوان تكويني فقط كما ربما يظهر من جملة من الاعلام في حديثهم عن هذا البحث.
فلاحظوا نفس هذا البحث ــ وهو أنَّ هذا عنوانٌ جعلي او عنوان تكويني ــ بحث جداً مهم أو قل هو عنوان تكويني لغوي باقي على المعنى اللغوي الذي هو عليه أو أنَّ الشارع تصرف فيه في الجملة أي جعل فيه قيود شرعية ثم إذا كان باقياً على المعنى اللغوي هل هذا العنوان كناية عن عنوان آخر أو لا؟
الشواهد على كونه باقيا على حاله:-
من الشواهد التي مرّ الاستدلال بها ما ورد في ثلاث طوائف من الروايات وهي أنَّ العضو المبان من الحي قد عبرت عنه بالميتة، وكذا العضو المقطوع من الصيد قبل صيد الصيد حكم الشارع عليه بانه ميتة، وكذا صيد المحرم فقد ورد انه ميتة أو المحل في الحرم إذا صاد صيدا فهو ميتة.
مختار السيد الخوئي + والسيد الخميني + :-
الكلام هنا أنَّ مثل السيد الخوئي + والسيد الخميني + أو غيرهم من الاعلام ربما احتملوا أنَّ تعبير الشارع بانه ميتة في الطوائف الثلاثة يراد منه التنزيل والتشبيه وليس المراد منه الجعل والتنزيل والتشبيه وهو نوع من العملية اللغوية في عالم الدلالة مثل الاستعارة والكناية والتقديم والتأخير فهذه كلها شؤون لغوية دلالية لا صلة لها بعلم القانون والجعل، فالسؤال يا ترى انه عندما يعبر الشارع بان هذه الامور في هذه الطوائف الثلاث ميتة فهل يريد الشارع تنزيل وتشبيه لغوي أو يريد جعل شرعي؟
رد كلام العلمين:-
إذا كان الشارع يريد تنزيل لغوي فإن التنزيل والحكومة يكون بلحاظ بعض الآثار أو أهم وأبرز الآثار، بخلاف ما إذا كان جعلاً قانونياً إنشائياً فان جعل العنوان يعني ترتيب تمام الاثار، فإذاً فرقٌ بين الحكومة التنزيلية كما يعبر الاعلام وبين الجعل والانشاء، واللطيف أن نفس السيد الخوئي & في باب المـُحـرم يلتزم بانه جعل ومن ثم يترتب عليه النجاسة لا فقط حرمة الأكل، فإذا التزم بأنه من باب الجعل فهذا إرتكاز من السيد الخوئي & وانه كما قال الشهيد الاول & بأن السبب غير التام لشرائط التذكية يترتب عليه عنوان الميتة كعنوان وضعي إعتبره الشارع مسببا وهو نوع من انواع النجاسة والقذارة.
مختارنا في المسالة:-
لا شك أنَّ هذا جعل لأنه في القطعة المبانة يلتزمون بالنجاسة وحرمة الأكل وكل الآثار التي تترتب على الميتة وليس بعض         الآثار وكذلك الحال في صيد المحرم او صيد المحل في الحرم وهذا منبه على أنَّ المقام مقام جعل، إذن عنوان الميتة شيء مجعول وضعي وإن كان هو في الاصل تكويني لغوي ولكن الشارع إعتبره إعتباراً قانونياً وضعياً كما هو الحال في الطهارة والنجاسة فانهما في الاصل عنوان تكويني ولكن الشارع إعتبره وضعي فغالب العناوين الوضعية مثل الملكية والزوجية هي عناوين تكوينية ولكن الشارع إعتبرها بوجود اعتباري فرضي.
فلسفة هذا الاعتبار والجعل:-
 والغرض من الجعل مع كونها تكوينية هو ليهدي ويرشد المكلفين بتواجد العناوين والملاكات والمصالح حيث لا يدركه العقل البشري فان دين الله لا يصاب بالعقول وهذا المبحث أي تمييز موارد التنزيل عن موارد الجعل هو مبحث حساس.
هذا تمام الكلام في هذا التنبيه.
التنبيه الثاني:- ان الالتزام بالبراءة لا بنحو العزيمة.
ذكر الشيخ الانصاري + والشيخ صاحب الكفاية + أننا عندما نلتزم بالبراءة فهذا لا يعني أنَّ الالتزام بها بنحو العزيمة بل الاحتياط الاستحبابي مشروع والاحتياط حسن عقلا على كل حال وهذه نكتة لطيفة مهمة وهي أنَّ الانسان عندما يبحث حكم من الاحكام لتوسط أمارة أو أصل عملي فيجب أنْ يلتفت الى أنَّ هذا المفاد في المحمول هل هو عزيمة او لا؟
ومن باب المثال أن أصالة الصحة او قاعدة الفراغ والتجاوز هل مفادها عزيمة فلا يمكن للإنسان أنْ يحتاط أو رخصة فيمكن أن يحتاط، وإن كان في مبحث القطع ذكرنا ان الصحيح ما ذهب اليه الميرزا القمي + والميرزا النائيني + من أنَّ المكلف مخير بين التقليد او الاجتهاد فلا يسوغ له الاحتياط فان الاحتياط ليس في عرض الاجتهاد او التقليد.
 وبعبارة اخرى أنَّ الاخذ بالاجتهاد او التقليد عندهم عزيمة فلا يجوز الاحتياط إلا إذا تعذر التقليد وتعذر الاجتهاد فتصل النوبة الى الاحتياط نعم يحتاط بالتقليد او يحتاط بين الاجتهاد والتقليد فيجوز لانه ليس احتياط مستقل بل احتياط متمم للاجتهاد والتقليد.
وفي محل الكلام ذكر الشيخ الانصاري + ان الاحتياط حسن ولكنه استشكل في مشروعية الاحتياط في العبادات وكأنما يظهر منه ان الاحتياط في العبادات مشكل.
نعم لقاعدة من بلغ يثبت مشروعية الاحتياط في العبادات في المستحبات لا الواجبات، هذا اجمالا مختار الشيخ وسنتعرض له تفصيلا ان شاء الله.