الموضوع:- التنبيه الاول ــــ تنبيهات البراءة ــــ الأصول
العملية.
كان الكلام في التنبيه الاول من بحث البراءة وكما مر بنا ان لُب
هذا التنبيه هي نكتة صناعية مختصرة وهي ان البراءة اصل حكمي سواء كان في الشبهة
الموضوعية او في الشبهة الحكمية وهناك قاعدة في الادلة سواء كانت في الادلة
الاجتهادية او الادلة الفقاهتية او عندما تمتزج الادلة الاجتهادية والادلة
الفقاهتية وهي:-
((ان الدليل الاجتهادي الحكمي او الاصل العملي الحكمي
مؤخر عن الدليل الموضوعي ــ أي الدليل الذي يتصرف في الموضوع ــ سواء كان اصل عملي
او دليل اجتهادي))
والسبب في ذلك:- هو نفس النكتة الصناعية من ان مرتبة
الموضوع ــ سواء كان في الشبهة الموضوعية او في الشبهة الحكمية ــ مقدمة على مرتبة
الحكم، وانما تقدم الادلة الاجتهادية على الاصول العملية او تقدم الادلة
الاجتهادية فيما بينها لان الادلة الاجتهادية ايضا فيما بينها ذات مراتب، وكذا
تقدم الاصول العلمية فيما بينها لان الاصول العملية فيما بينها ذات مراتب.
والشرط في تقدم هذه الادلة بعضها على بعض اذا كان مجراها في
مرتبة واحدة واما اذا كان مجراها ليس في مرتبة واحدة فان ذي المجرى المتقدم ــ كما
لو كان المجرى الموضوع ــ متقدم على ذي المجرى المتأخر ــ كما لو كان المجرى متأخر
ــ، هذا هو اللب في هذا التنبيه، ولكن غاية الأمر ان الاعلام خاضوا في مثال صناعي
دقيق للتدريب وهو مثال بحث الشك في حيوان انه هل هو مذكى او ميتة؟
فالسؤال هو هل نجري البراءة عند الشك في جواز الصلاة فيها او
نجري اصالة الحل عند الشك في حرمة الاكل؟
الجواب:- ان البراءة واخواتها مثل اصالة الحل اصول حكمية فاذا كان
هناك اصل موضوعي مثل استصحاب عدم التذكية او غيره فانه يقدم على البراءة واخواتها
لان الاصل الموضوعي مقدم على الاصل الحكمي ولولا وجود اصل موضوعي في البين لكانت
البراءة واصال الحل جارية.
اذن اذا كان مسلك الاصوليين هو البراءة فهذا لا يعني انهم يلتزمون
بالبراءة في كل الابواب بل في بعض الابواب قد يلتزمون بالحرمة بسبب وجود اصل
موضوعي مقدم رتبة على الاصل الحكمي.
فإجمالا عندما نريد ان نخوض في بحث الحيوان المشكوك انه مذكى او
ميتة سواء كانت الشبهة شبهة حكمية او شبهة موضوعية فانه اذا تنقح بواسطة اصل
موضوعي ان هذا الحيوان ميتة او مذكى بلا اشكال انه مقدم على البراءة او اصالة الحل
ولكن السؤال هل هناك اصل موضوعي ينقح عنوان الميتة او عنوان المذكى او عنوان ليس
بمذكى؟
لاحظوا كيف يتدرج الاعلام في ذلك لان البحث في الموضوع وهو اعم
من الشبهة الموضوعية او الحكمية، ولاحظوا كيف يدققون في ذلك، وهذ الممارسة ليست
خاصة في مثال الميتة بل في كل ابواب الفقه يجب ان يكون هناك تدقيق صناعي في عنوان
الموضوع فهذه المراحل التي يذكروها في الحقيقة هي جارية في كل عناوين الموضوعات في
كل ابواب الفقه وقد بحثوا هذا البحث من جهتين:
الجهة الاولى:- وهي ما هو معنى الميتة وما هو معنى
المذكى؟ وهل هو عنوان وجودي او عنوان عدمي؟ واذا كان وجودي فهو باي سعة؟ وفيها
ثلاثة اقوال:-
القول الاول:- وهو قول المشهور وهو كل ما لم يذكى
سواء كان مات حتف انفه او بصيد خطاء او بقل عبث وهو
الصحيح.
القول الثاني:- هو ما مات حتف انفه اما النطيحة او
الموقوذة او مأكولة السبع فهي ليست بميتة وذكرنا انه مال اليه السيد البروجردي
وبعض المعاصرين
القول الثالث:- مطلق ما زهقت نفسه في مقال الحي سواء
كان بتذكية او لا، اذن الميت مذكى وغير مذكى واختاره بعض مشايخ النراقي.
ولاحظوا الجهة الثانية ما هي ولماذا بحثوها ولك يكتفوا بالأولى؟
الجهة الثانية:- ان النجاسة حكم وحرمة الاكل حكم وبطلان
الصلاة حكم فان النجاسة في قبال الطهارة والحرمة في قبال الحلية والبطلان في مقابل
الصحة، فهل هذه الاحكام الثلاثة رتبت على عنوان الميتة او على عنوان عدم المذكى او
التفصيل؟
اذن فلا يكفي تنقيح الموضوع في الجهة الاولى بل يجب ان تنقح ان هذا
الموضوع هل هو موضوع لكل الاحكام او لبعضها؟ وهذا امر مهم في باب الفقه، وما فائدة
تنقيح الجهة الاولى ما دامت الاحكام كلها لم ترتب عليها بل موزعة عليها وعلى
غيرها، وهذا الكلام في كل باب لابد اولا من تنقيح الموضوع ثم تنقيح ان الاحكام
مترتبة عليه او لا.
وكثيرا ما تجد صراع فقهي بين الاعلام والفقهاء كبير ومحتدم في
عنوانٍ ما ولكن بالنتيجة يكتشف ان الاحكام ليست مترتبة على هذا العنوان بل ترتبت
على عنوان اخر وحينئذ لا فائدة من هذا الصراع، اذن كلا الجهتين مهم.