الموضوع:- التنبيه الاول ــــ تنبيهات البراءة ــــ الأصول
العملية.
كان الكلام في بحث الميتة عند الشك في تذكية اللحم او الجلد
سواء كانت الشبهة شبهة موضوعية او حكمية، وذكرنا ان البراءة عن الحرمة لا تجري
باعتبار ان هناك اصول عملية اخرى تحرز الحرمة وغيرها من الاحكام الالزامية مثل
اصالة عدم التذكية وهو اصل موضوعي فلابد من تقديمه على البراءة لأنها اصل حكمي،
وبالتالي وقع الكلام في هذا المثال وتنقيح هذا المبحث وهو نوع من التمرين والتدقيق
في موضوعات الابواب الفقهية بشكل عام، وذكرنا ان البحث فيه يقع من جهات عديدة ولكن
يوجد بعدين رئيسيين.
البعد الاول:- ما هو معنى الميتة.
البعد الثاني:- هل الاحكام الالزامية رتبت على عنوان
الميتة، او على عنوان عدم المذكى، او بعضها رتبت على عنوان الميتة وبعضها على
عنوان عدم المذكى.
وهذا البعد الثاني مكرر في كل الابواب الفقهية وهذا ما شار اليه
الميرزا النائيني + في رسالته (اللباس المشكوك) والتي هي من الرسائل المهمة في
صناعة الفقه، فأول ما يذهب الباحث الى الاستنباط في أي باب فقهي يجب ان يحرر ما هي
العناوين المأخوذة موضوعا للآثار ثبوتا، هل هي عناوين وجودية او عناوين عدمية او
ضدين لا ثالث لهما او ضدين لهما ثالث؟، فهذا بحث له آثاره الثبوتية وآثاره
الاثباتية لا فقط على صعيد الاثبات بل حتى على صعيد الثبوت لكي تتضح دائرة وسعة
عناوين موضوعات الابواب، فالأمر ليس خاص بهذا المثال، فلا يغني البحث في البعد
الاول عن البحث في البعد الثاني.
ومر بنا ان هناك من يرى ان عنوان الميتة باقي على معناه اللغوي
وهو مطلق زهوق الروح في مقابل الحي وهو الذي لم تزهق روحه وهذا المعنى مستعمل
كتابا وسنتا ولغة وهذا المعنى وسيع جدا وهناك من يرى ان الميتة هو خصوص ما مات حتف
انفه وهناك معنى ثالث ذهب اليه المشهور وهو ما مات بغير التذكية سواء مات حتف انفه
او مات بسبب الاخلال بشرائط التذكية وذكرنا بالامس ان النراقي + نقل ان بعض اساتذته يذهب
الى القول الاول وذكرنا ان بعض اساتذة الشيخ ابو تراب الخونساري يذهبون الى القول
الثاني وهو خصوص ما مات حتف انفه وقد يتوهم هذا القول من كلام السيد الخوئي + ولكن بالدقة هو لا يقبله
فانه وان كان يوجد بعض التدافع في كلامه ولكن اجمالا على صعيد الثبوت لا يذهب اليه
وانما على صعيد الاثبات والاثبات له آثار على المعنى الثاني ستاتي ان شاء الله.
الاقوال في البعد الثاني:- القول الاول:- وهو ما ذهب اليه المشهور وهو كون كل
الآثار
[1]
مرتبة على عنوان الميتة وعدم المذكى مندرج في الميتة لا ان عدم المذكى عنوان في
قبال الميتة وهو الصحيح.
القول الثاني:- وهذا ما ذهب اليه السيد الخوئي + وجماعة وهو ان النجاسة
مرتبة على خصوص الميتة وحرمة الاكل وبطلان الصلاة مرتبة على كلٍ من عنوان الميتة
وعنوان عدم المذكى، وما ذهب اليه السيد الخوئي + من ترتب النجاسة على عنوان
الميتة هو بحسب الظاهر اما بحسب الواقع فان كل ما ليس بمذكى نجس.
توضيح هذا المطلب:- نحن اذا اجرينا استصحاب عدم التذكية
نكون قد احرزنا عدم التذكية واذا احرزنا عدم التذكية فلماذا لا نحرز النجاسة؟
الجـــــــــواب:-يقول السيد الخوئي + اننا اذا احرزنا عدم التذكية من خلال
اجراء استصحاب عدم التذكية فان عدم التذكية يلازم عنوان الميتة الوجودي وهذا
التلازم الاصل العملي ليس حجة في اثباته لانه اصل مثبت، اذن السيد الخوئي &
بحسب الظاهر
يفكك بين عدم التذكية والنجاسة ولا يفكك بحسب الواقع فانه بحسب الواقع والثبوت
الحرمة والنجاسة وبطلان الصلاة متلازمات ثبوتا، فهو يقر ان عنوان الميتة في البعد
الاول هو كل مالم يذكى وان كانت الشواهد التي يأتي بها لا تنطبق على مدعاه، اذن
مبنى السيد الخوئي + في البعد الاول هو مبنى المشهور ولكن في البعد الثاني مبناه
ليس مبنى المشهور.
وبعبارة اخرى:- هو يرى ثبوتا ان الميتة يشمل غير
المذكى ولكن الآثار مرتبة على غير المذكى واما النجاسة فهي مرتبة على عنوان
الميتة، واحراز عدم التذكية لا يحرز لك عنوان الميتة الوجودي لان احراز عدم
التذكية كان بأصالة عدم التذكية وهو اصل مثبت، هذا خلاصة كلام السيد الخوئي + في البعد الثاني وبالتالي
في البعد الاول.
القول الثالث:- وهو ما ذهب اليه بعض الاعلام
المعاصرين.
وحاصله:- ان النجاسة مرتبة واقعا وثبوتا على عنوان الميتة والمراد
من الميتة هو ما مات حتف انفه فعدم المذكى له فردان اما مات حتف انفه فهو نجس او
لم يمت حتف انفه بل أهريق دمه ولكن بغير الشرائط الشرعية فهو حرام اكله لانه ليس
بمذكى ولكنه ليس بنجس ولا تصح الصلاة فيه.
الفرق بين القول الثاني والثالث:- القول الثالث يقول ان هذا التفكيك ليس اثباتي بل ثبوتي بينما
القول الثاني يقول ثبوتا لا تفكيك بل التفكيك في الاثبات فقط.
لاحظوا كيف ان التدقيق في العناوين يسبب اختلاف الاقوال والآثار
وهو ليس خاص بعنوان الميتة او عدم المذكى بل هو مطّرد في كل الابواب الفقهية، وكذا
التمييز بين البحث الثبوتي والبحث الاثباتي والعناوين الوجودية والعدمية، فهذه
الصناعة لابد من رعايتها في كل الابواب.
نرجع الى البعد الاول فانه يوجد قول يرى ان عنوان الميتة هو ما
مات حتف انفه الذي هو في قبال الحي وهذا الاستعمال اللغوي موجود واستعملت الميتة
في موارد من الآيات والروايات بهذا المعنى ولكن عنوان الميتة الذي ورد في الادلة
التي دلت على حرمة الميتة او نجاستها هل يراد منه هذا المعنى اللغوي او معنى لغوي
آخر، وهذه الخطوة صناعية يجب ان نلتفت اليها وهي ان العناوين الواردة في الادلة قد
يكون لها عدة معاني لغوية وهي ليست بنحو التباين كما في الاشتراك اللفظي بل بين
معنى عام وخاص واخص وقد تكون هذه المعاني كلها دارجة بمعنى اصبح لها وضع لا انها
معاني استعمالية فقط فكثيرا ما المعنى اللغوي يستحدث له معنى آخر من دون ان يهجر
المعنى الاول، وجملة من شواهد السيد الخوئي + تصب في هذا المبنى مع انه
ليس مبناه وهذا امر عجيب!!.
وقبل الخوض في الشواهد من الروايات نقول:- اول اشكال يسجل على هذه
الشواهد هو اننا نسلم ان هذه الشواهد قد استعملت فيها الميتة بهذا المعنى ولكن
ماذا تقولون في الرايات الاخرى هل استعمل فيها عنوان الميتة بما مات حتف انفه او
المراد به المعنى الثالث لا زهوق الروح ولا ما مات حتف انفه وهو كل ما لم يذكى،
لانه كما سياتي ان هذه المعاني الثلاثة كلها معاني لغوية مستعملة لغة ورواية وهذا
ما سنثبته فان اثبات ان هذه الشواهد قد استعملت بهذا المعنى وان هذه المعنى لغوي
فانه لا ينفي استعماله في غيره من المعاني وكون المعاني الاخرى ليست لغوية
وموضوعة.