الموضوع:- صحيحة عبد الصمد – ادلة البراءة - الأصول العملية.
الاستدلال على البراءة بصحيحة عبد الصمد ابن بشير:- ومتن الحديث هو عن موسى بن القاسم عن عبد الصمد بن بشير
(عن أبي عبدالله (عليه السلام ) في حديث ـ إن رجلا أعجميا دخل
المسجد يلبي وعليه قميصه، فقال لأبي عبدالله ( عليه السلام ) إني كنت رجلا أعمل
بيدي واجتمعت لي نفقه فحيث احج لم أسأل أحدا عن شيء، وأفتوني هؤلاء أن أشق قميصي
وأنزعه من قبل رجلي، وإن حجي فاسد، وإن علي بدنة، فقال له : متى لبست قميصك،
أبعد ما لبيت أم قبل، قال : قبل أن البي، قال : فأخرجه من رأسك، فإنه ليس عليك
بدنة، وليس عليك الحج من قابل، أي رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه، طف
بالبيت سبعا، وصل ركعتين عند مقام إبراهيم ( عليه السلام )، واسع بين الصفا
والمروة، وقصر من شعرك، فإذا كان يوم التروية فاغتسل وأهل بالحج، واصنع كما
يصنع الناس)[1]مورد الرواية ان رجلاً من
الاماكن النائية حج بيت الله ولم يلبس ثوبي الاحرام ولبس المخيط ولبى وعقد احرامه
فأفتاه العامة ان حجك باطل وعليك الحج من قابل واستنادهم الى هذه الفتوى لعله من
جهة تخيلهم ان لبس ثوبي الاحرام شرط في صحة عقد الاحرام ثم عقد الاحرام شرط ركني
في النسك فاذا كان النسك باطل فلابد ان يعيده ولكن كلا الامرين غير تام عند علماء
الامامية لانه لا الاحرام مع الجهل يخل في النسك أي العمرة او الحج فهو ليس ركن في
النسك ولا لبس ثوبي الاحرام شرط وضعي في صحة الاحرام كما هو الصحيح ولعله المشهور
او الاشهر بل لبس ثوبي الاحرام ليس الا لزوم وشرط تكليفي وليس هو شرط وضعي دخيل في
صحة عقد الاحرام فان تمام قوام الاحرام للنسك هو التلبية اما البقية فنستطيع ان
نعبر عنها بانها شروط تكليفية وليست شروط وضعية دخيلة في النسك، ولكن جيء بهذا
السائل الى الامام الصادق (عليه السلام) فساله الامام (عليه السلام) متى لبست
قميصك أبعد ما لبيت أم قبله؟ فقال قبل ان البي،فقال له الامام اخرجه من راسك
فانه ليس عليك بدنه لانه لو كان قد لبسه بعد الاحرام لوجب عليه اخراجه من اسفل حتى
لا يغطي راسه وقال الامام له وليس عليك الحج من قابل
(أي
رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه، طف بالبيت سبعا) موضع الشاهد هو هذا
المقطع والغرض هو الاستدلال به على البراءة أي نفي الحرمة التكليفية ونظير هذا
الاستعمال ورد ايضا في رواية اخرى وارد في ابواب ما يحرم بالمصاهرة وهي مفتى بها
وهي معتبرة عن عبد الرحمن بن الحجاج
(عن أبي إبراهيم
(عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها بجهالة، أهي ممن لا
تحل له أبدا ؟ فقال: لا، أما إذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما تنقضي عدتها وقد
يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك فقلت : بأى الجهالتين يعذر بجهالته ان
ذلك محرم عليه ؟ أم بجهالته انها في عدة ؟ فقال : احدى الجهالتين اهون من الاخرى
الجهالة بأن الله حرم ذلك عليه وذلك بأنه لا يقدر على الاحتياط معها فقلت : وهو في
الاخرى معذور ؟ قال : نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور في أن يتزوجها فقلت : فإن كان
أحدهما متعمدا والآخر بجهل، فقال : الذي تعمد لا يحل له أن يرجع إلى صاحبه أبدا) [2]
وموردها هو من تزوج امرأة في عدتها على التفصيل الوارد في الروايات وهو إن عقد
عليها عالما حرمت عليه مؤبدا وان عقد عليها جاهلا ولكنه دخل بها حرمت عليه مؤبدا
ايضا وكذا في المتزوجة وليس فقط في المعتدة فكل ذات عصمة في الحقيقة ــ وهذا لا
يختص بمن عقد ودخل ــ اذا دخل بها حرمت مؤبداً ولذلك المزني بها ذات البعل تحرم
مؤبدا على الزاني وان كان الاصحاب يقولون انه لا يوجد نص ولكن تقريب دلالة النصوص
عليه موجودة لان (نكح) الوراد في الروايات بمعنى وطء وليس بالضرورة يكون بمعنى عقد
وهو صادق على المزني بها والمعاصرون يفتون بالاحتياط الوجوبي وربما ندر من يفتي
بالجواز وهذا خلاف تسالم الاصحاب على الحرمة الابدية والمسالة ليست عديمة النص بل
المعاصرون قد بحثوث عن نص حرفي في المسالة ولم يجدوا ولكن يوجد نص يعم هذا الفرض،
ونعود الى معتبرة عبد الرحمن ابن الحجاج فلاستعمال متقارب في الروايتين وهو
(أي رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه) طبعا في باب
الحج هذه القاعدة قد عمموها وفي باب الكفارات فان الكفارة منفية على من يوجب
الكفارة بجهالة لان التعليل في الرواية بقوله
(أي رجل
ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه) هو كبرى كلية، ويبقى الكلام في ان هذه
الرواية هل تشمل الشبهة الحكمية والموضوعية او لا؟ ولكن من الواضح انه بلحاظ
معتبرة عبد الرحمن ابن الحجاج انها تشمل الاثنين وهذا المقدار نكتفي به ويبقى سؤال
وهو ان الجهالة هل تستعمل في الجهل المركب فقط او في الجهل المركب والجهل البسيط؟
البعض وربما الشيخ الانصاري (رحمه الله) حاول ان يقرب انها مختصة بالجهل المركب
ولكن الغريب ان الشيخ (رحمه الله) في صحيحة عبد الصمد التي هي عامة كلية وهي
(أي رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه) انه قرب
وبقوة انه مختصة بالجهل المركب ولا تشمل ما نحن فيه وهو الجهل البسيط لان الجهل
المركب لا نزاع بين الاخباريين والاصوليين في ان المكلف معذور فهنا استظهر الشيخ
بجزم او بتقريب قوي ان المراد الجهل المركب ولا يشمل البسيط بينما في معتبرة عبد
الرحمن ابن الحجاج تقريبا قرر ان الجهل يعم البسيط والمركب والحال ان عنوان
الجهالة عنوان واحد هنا في هذه الرواية وفي تلك الرواية والشيخ الانصار في كلامه
قال الباء سببية في قوله (بجهالة) فقال في الجهل المركب يتصور ان يكون سببا للارتكاب
اما في الجهل البسيط فلا يتصور ان يكون سببا للارتكاب بل بسبب تقصيره او الامبالات
او حرصه على الفعل قبل الفحص ومعرفة حكمه فليست الجهالة هي السبب بينما الرواية
تجعل السبب هو الجهالة، وهذا الاستظهار في غير محله وان قواه غير واحد من الاعلام
لانه هنا ليس المراد من الباء التسبيب بل هي حالية أي قوله عليه السلام
(ركب امرا بجهالة) يعني في حال جهالة لا ان سبب
الارتكاب هو الجهالة فان لبسه للمخيط وتركه ثوبي الإحرام ليس سببه الجهالة بل هو
في حال جهالة ارتكب هذا الأمر واذا كانت الباء بمعنى (في) فحينئذ هي شاملة للجهل
البسيط والمركب
فالصحيح هو تعميمها للجهل
البسيط والمركب نعم غاية الأمر نخصص الجهل البسيط بغير المقصر أي القاصر اما
المقصر فلا يشمله وهذا التقييد حتى لو بني على ان الجهالة بمعنى الجهل المركب
فأيضا لابد من التقييد لانه ليس كل جاهل مركب قاصر فانه وان كان غافلا الا انه
بسبب مقدمات بعيد من الامبالات بالدين وعدم تعلم المسائل الشرعية فهو مقصر،فاذاً
نكتة عدم المعذورية ايضا موجودة في الجهالتين البسيطة والمركبة فهي لا تصلح قرينة
لتخصيص الجهالة بالمركبة بل
الصحيح ان الجاهل
المعذور سواء كان جاهل بسيط او مركب لا شيء عليه وهو معذور بنفس هذه
القاعدة وهي
(أي رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه)
فالجهالة عذر ما لم يلزم بالفحص او الاحتياط او ما شاكل ذلك، اذن صحيحة عبد الصمد
تامة الاستدلال في مورد الجهل البسيط سواء كانت شبهة موضوعية او شبهة حكمية،ونفس
التقريب يذكر في معتبرة عبد الرحمن ابن الحجاج والشيخ الانصاري مع اعترافه ان
الجهالة هنا تشمل المركب والبسيط ولكنه اراد ان يصرف دلالة هذه الرواية
[3]
ايضا عن الجاهل البسيط في الشبهة الحكمية فقال انه في الشبهة الحكمية هو ملزم
بالفحص فاذا كان ملزم بالفحص فهو غير معذور فاذا كان غير معذور فلا يشمله الحديث
فنفس ادلة لزوم الفحص ولزوم التعلم تلزمه بالتعلم فهو غير معذور ولذا قال حتى في
الشبهة الموضوعية فانه علم بانها ذات عدة ثم شك في انها ذات عدة او لا فيستصحب فهو
ايضا غير معذور،وهذه القرينة التي استند اليها الشيخ لصرف الرواية عن الجاهل البسيط
في الشبهة الحكمية ايضا غير تامة لان الكلام هنا ليس في العذر التكليفي بل في
العذر الوضعي بشاهد ان الجاهل المركب المقصر اذا عقد على امرأة ولم يدخل بها
باتفاق اهل الفتوى لا تحرم عليه مؤبدا مع انه غير معذور تكليفا ولكنه معذور وضعا
اذن العذر في لسان الروايات على نحوين تكليفي ووضعي وقد يعبر عن الوضعي في
الروايات بلسان تكليفي مثل الجواز وحينئذ ليس المراد منه التكليفي بل التكليفي
المنتزع منه وضعي فقد يكون منجز عليه تكليفا وغير منجز عليه وضعا يعني ليس بفاسد
فالتنجيز الوضعي بمعنى الفساد ولزوم الاعادة والعذر الوضعي بمعنى الصحة والكفاية
وهذا معنى لطيف في المعنى الوضعي،اذن الرواية متمحضة في العذر الوضعي لانه هو
الذي سأل عنه في قوله هل تحرم عليه مؤبدا وهذا سؤال عن الحرمة الوضعية لا
التكليفية وليس في صدد الحرمة التكليفية طبعا الجهالة هنا استعملت في المعنى
الوضعي وهذا فقط مؤيد لصحيحة عبد الصمد والا فالعمدة هي صحيحة عبد الصمد ابن بشير،وهذه الرواية لها تتمة ذكروها في الفقه ولم يذكروها في الاصول نذكرها غدا انشاء
الله تعالى.