الموضوع:- حديث السعة – ادلة البراءة - الأصول العملية.
الاستدلال بحديث السعة على اصالة البراءة:- وصل بنا الحديث الى رواية
(الناس في
سعة ما لا يعلمون) [1]وهذا الحديث هكذا موجود
في كلمات الاعلام ولكنها ربما رواية مرسلة
[2]
ولم نقف على مصدرها ولكن الموجود في المصادر هو موثقة السكون ولكنها ليست بهذا
اللفظ ولكنه قريب منه وهو عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني،
(عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنّ أميرَ المؤمنين (عليه
السلام) سُئل عن سُفرةٍ وجدت في الطريق مطروحة كثيرٌ لحمها وخبزها وجبنها وبيضها
وفيها سكين،فقال أميرُ المؤمنين(عليه السلام): يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل؛ لأنّه
يفسُد وليس له بقاء، فإذا جاء طالبها غرموا له الثمن، قيل له يا أمير المؤمنين، لا
يدرى سُفرة مسلم، أو سُفرة مجوسي ؟ فقال: هم في سعةٍ حتّى يعلموا)[3]فنص الحديث هذا في المصادر،طبعا المورد هنا هي أرض المسلمين ونفس كونها
أرض المسلمين يكون علامة على تذكية اللحم والجبن وغيرها فالاستناد في الحقيقة الى
قاعدة موضوعية مثل بلاد المسلمين او يد المسلم، فهذه السعة هو عمل بالأمارات
والقواعد الموضوعية حتى يعلمون أي يحصل لهم العلم بانها مذكاة وهو شبيه بالنص
الوارد في اصالة الحل فان الحل وكذا بقيت القواعد الموضوعية الظاهرية يعمل بها حتى
يستبين له غير ذلك او تقوم البينة فإذاً ليس في الموثقة تأسيسُ اصلٍ معين. هكذا
ربما يقرر مفاد الموثقة ولكن يمكن ايضا تقريب مفاد الموثقة بانه مع وجود قاعدة ارض
المسلمين وما شابه ذلك وهذا شيء لا ينكر ولكن يمكن ان تكون الاجابة من جهات اخرى
غير هذه القواعد فالشارع يريد ان يؤسس وجوه اخرى للحل والسعة غير قاعدة ارض
المسلمين وأحد وجوه الحل وهو قاعدة
(هم في سعة حتى
يعلموا) وكأنما الحيثية الاساسية للحل في مقابل
(يعلموا)
فلانهم لم يعلموا فانهم في سعة فهذا يمكن فهمه من الرواية وتعميمه بالتالي
ليس فقط في القواعد الموضوعية وان كان مورده في الشبهة الموضوعية فيمكن تعميمه
للشبهة الحكمية ايضا،اذن على ايتي حال يمكن تأييد المطلب به.
الاستدلال بحديث (كل شيء مطلق) على البراءة:- متن حديث هو
(كل شيء مطلق حتى يرد
فيه نهي)[4]وهو مرسل الفقيه وهذا
المرسل يعبر عنه الصدوق بـ (قال رسول الله) واسناد الصدوق بهذا النمط ــ كــما مر
ــ عند الاعلام يختلف عن الارسال والتعبير بــ (روي او عن الصادق او عن الباقر)
فهذا ارسال هو جازم به وهذا لا يدل الا على ان الحديث ازلاً انه مسند وثانياً ان
اسناده معتبر عند الصدوق اما انه معتبر عند الاخرين او لا؟ فقد يستشكل فيه من هذا
الجانب.
ولكن هنا يوجد شيء يمكن ان يضاف الى القرينة المتقدمة وهو انه
علاوة على هذا النمط من المراسيل التي يذكرها الصدوق فان الصدوق يعنون هذا الحديث
في ابواب الصلاة في الفقيه للاستدلال على جواز القنوت بغير العربية وان كان جواز
القنوت بغير العربية قد ورد فيه نص ولكنه يقول حتى لو لم يوجد هذا النص بالجواز
فإننا نعمل بهذا العموم وهو
(كل شيء مطلق حتى يرد فيه
نهي) فهذا يدل على ان هذا العموم مسلمٌ عند الصدوق رحمه الله، هذا من حيث
الوثوق بالصدور بهذا الحديث فمن يحصل له الاطمئنان أخذ به والا فلا، فان الصدوق
ليس فقط عمل به بل جعله قاعدة يرجع اليها في باقي الابواب فهو بهذا المستوى من
الاعتبار عند الصدوق لذا المشهور تقريبا يعتمدون على هذا النص فالصدوق هنا ليس
يستدل بهذا النص على البراءة التكليفية بل يستدل به على الصحة الوضعية وجريان
الحديث عن المانعية في الصلاة أي هل القنوت بغير العربية مانع او لا؟ فانه يجري
فيه
(كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي) فهذا نوع من
الاستدلال للصدوق في الاقل والاكثر الارتباطيين الذي فيه حيثية وضعية وحيثية
تكليفية،ونقطة اخرى في استدلال الصدوق وهي ان قوله عليه السلام
(حتى يرد) ان يرد بمعنى يصل الينا أي حتى يصل الينا
نهي عنه،فهذا تقريب الصدوق للحديث الشريف اما تقريب الاعلام لهذا الحديث الشريف
فيقولون هنا ان هذا الاطلاق المراد به هو الاطلاق الظاهري أي الاباحة الظاهرية
وليس الواقعية والمراد بـ
(يرد) يعني يصلنا لا
بمعنى ينشئ الشارع في الواقع فيه نهي لانه اذا كان معنى الحديث هذا فهو لا صلة له
ببحث البراءة الظاهرية وان كان له صلة بالبراءة الاصلية وكلامنا في البراءة
الظاهرية والبراءة الاصلية يعني الاشياء هي حلال حتى يمنع عنها الشارع فهي براءة
عقلية عقلائية اولية أي الحلية فيها قبل نهي الشارع وينقل عن السد ابو الحسن
الاصفهاني (قدس سره) انه سُئل في الحكم السياسي كيف؟ فقال (الاصل البناء على الاعراف العقلائية الا ان يرد عن الشارع نهي) فهذه
في البراءة الاصلية، اذن يوجد عندنا معنيان لقوله (حتى يرد) الاول هو عدم الوصول
الينا بغض النظر عن صدر نهي من الشارع او لا وهذه هي البراءة الظاهرية،والثاني هو
عدم صدور نهي من الشارع وهذه هي البراءة الواقعية، ولكن الظاهر منه ارادة الاباحة
الظاهرية لان ارادة الاباحة الواقعية بقيد عدم النهي وعدم الحرمة كأنما تحصيل
للحاصل فمن ثَم يناسب البراءة الظاهرية وهي لا يمكن ان تقيد بالورود الواقعي
والتقنين الواقعي والذي يناسب البراءة الظاهرية هو عدم الوصول لا عدم التقنين
خصوصا ان الورود اكثر تناسباً مع الوصول لا مع الانشاء ولذا قد مر بنا ان الصدوق
رحمه الله في ارتكازه قد قرر معنى الحديث على المعنى الظاهري أي يرد بمعنى البراءة
الظاهرية لرفع مشكوك المانعية ويرد بمعنى الوصول هكذا فسرها الصدوق رحمه الله سيما
ان ارتكاز الصدوق ارتكازٌ قوي لانه مأنوس بالفاظ الحديث فنلاحظ انه حتى في كتاباته
فانه يعبر بنفس الفاظ الحديث،اذن الحديث ليس ظاهره دعم البراءة الاصلية الواقعية
وانما ظاهرة الاطلاق الشرعي أي التاسيس للبراءة الظاهرية لان البراءة الاصلية ليست
اباحة شرعية فانهم يقولون ان البراءة الاصلية هي عبارة عن الاطلاق العقلي وكما
يعبر عنها بالاباحة الاإقتضائية لان الشارع لم يأسس بل هي باقية على حالها وتوجد
اباحة إقتضائية واقعية أي يوجد اقتضاء من الشارع مثل
﴿
احل الله البيع ﴾[5]و
﴿ قل من حرم زينة الله ﴾[6]فهذه اباحة إقتضائية لان الشارع هو الذي قنن وأسس الاباحة، فهنا قوله عليه
السلام
(كل شيء مطلق) ظاهره ليس البراءة العقلية
الاإقتضائية الاصلية بل ظاهرها تقنين الاباحة ولما كان تقنين الاباحة فانه لا
يتناسب مع الاباحة الواقعية لان معنى الاباحة الواقعية الاإقتضائية عندما لا يرد
نهي وهذا واضح انه تحصل للحاصل، اذن هو يناسب الاباحة الظاهرية وفي الاباحة
الظاهرية الورود لا محالة يكون ورود ظاهري والورود بمعنى الوصول ونكتة الاستدلال
بهذا الحديث الشريف هذا المطلب، اذن شقوق البراءة لا بد ان تكون واضحة لانه توجد
براءة اصلية واقعية عقلية وعقلائية ولكن بالنسبة للشرع لاإقتضائية يعني لم يقننها
الشارع أي لم يمنع الشارع وعدم منعه يعني اذن عام ولكنه ليس تقنين وهناك موارد يحث
فيها الشارع على الاباحة مثل
(ان الله يحب ان يأخذ
برخصه كما يحب ان يأخذ بعزائمه) اذن توجد موارد في العمل على كون الشيء
مباح دخيل في نظم الظاهرة الاجتماعية والظاهرة الدينية مثل العمل بسوق المسلمين
ويد المسلم وما شابه ذلك فهذه اباحة إقتضائية شرعية قننها الشارع،اما تلك فهي
ليست اباحة إقتضائية شرعية لان الشارع لم يقنن فيها شيء فالأشياء باقية على حالها
حيث لم ينهى عنها الشارع وتسمى بالبراءة الاصلية الواقعية ومفاد الحديث ليس
البراءة الاصلية الواقعية لان الشارع يقول
(كل شيء
مطلق) فان هذا تأسيس من الشارع وتقنين منه، اذن لابد من حمله على البراءة
الظاهرية كما فهم الصدوق
(حتى يرد فيه نهي) أي
يصل اليك نهي.